تحليل سياسي: قانون «الصوت الواحد» النيابي يستبق «الدستورية» لتحصين المقاعد
تقديمه يعكس عدم الثقة بإجراءات مرسوم الضرورة والتخوف من الطعون
يكتسب الاقتراح بقانون بشأن الدوائر الانتخابية وفق نظام «الخمس دوائر وصوت واحد» دلالات سياسية في غاية الأهمية من شأنها إعادة رسم خريطة طريق المعارضة تجاه المجلس، وخريطة علاقة النواب بالحكومة.بينما دخلت الساحة السياسية العام الجديد بهدوء نسبي فرضته إجازة رأس السنة الميلادية، فإن مؤشرات نواب مجلس الأمة وقوى المعارضة له تشير إلى أن هذه الأجواء ليست سوى مقدمة لعواصف قادمة، بعضها سيكون مصدره مجلس الأمة، وبعضها الآخر يتمثل في المعارضة التي بدأت إعادة ترتيب أوراقها للمرحلة المقبلة.ويقول مراقبون متابعون لمجريات الأحداث إن الاقتراح بقانون المقدم من عدد من النواب بشأن الدوائر الانتخابية وفق نظام "الخمس دوائر وصوت واحد"، له دلالات سياسية في غاية الأهمية من شأنها إعادة رسم خريطة طريق المعارضة تجاه المجلس، وخريطة علاقة النواب بالحكومة.ويملك النواب التصويت على إقرار مرسوم الصوت الواحد لإعطائه الصيغة القانونية النهائية وفق المادة 71 من الدستور دون الحاجة إلى تقديمه كاقتراح بقانون، ولن يواجه أي معارضة من النواب الذين دعموا التعديل كضرورة مطلوبة وكحق لسمو الأمير.فقدان الثقةويضع المراقبون ثلاثة خطوط عريضة مترابطة لمسببات تقديم القانون النيابي المنسوخ من قرينه "الحكومي"، أولها يمثل ثقة النواب بصحة إجراءات صدور مرسوم الضرورة، وثانيها ضمان استمرار الهيكل الانتخابي الجديد في حال حدوث أي طارئ يحل المجلس، وأخيرا قطع الطريق على قوى المعارضة.ويستكمل المراقبون حديثهم بالقول إن احتمالية صدور حكم من المحكمة الدستورية بعدم دستورية "ضرورة" الصوت الواحد تشكل هاجسا حقيقيا لدى النواب، وهو ما يعكس عدم ثقتهم بالإجراءات التي رافقت صدوره، وبالتالي فإن التصويت عليه كمرسوم ضرورة فقط لا يوفر لهم الضمانات لبقائهم نوابا في المجلس، الأمر الذي يتطلب إعادة تشريعه بعيدا عن "الضرورة" وفي إطار "الاقتراحات بقوانين"."يدرك معظم نواب المجلس الحالي أن الصوت الواحد منحهم العضوية على طبق من ذهب، واختصر عليهم الكثير من العمل والوقت للوصول الى الكرسي الأخضر، هم يريدون تحصينه نيابيا إن سقط قانونيا"، بهذه الصورة يختصر المراقبون أهم الخطوط العريضة لتقديم القانون. وفي حال حكمت المحكمة بعدم توافر شرط الضرورة الدستوري لصدور مرسوم "الصوت الواحد" فإنه من المتوقع أن تبطل المحكمة مرسوم الدعوة للانتخابات ما يترتب عليه إبطال المجلس بأكمله، غير أن سابقة إبطال مجلس 2012 الأول أبقت القوانين التي أقرها نافذة.الحكومة والقانونأما على صعيد التعامل الحكومي مع الاقتراح بقانون، فإنها ستجد نفسها في مأزق في كيفية التعامل معه، خاصة إذا سبق التصويت عليه صدور الأحكام الدستورية، ويزداد مأزقها إذا جاء حكم "الدستورية" بعدم دستورية إجراء تعديلات على قانون الانتخاب خلال فترات حل المجلس.ويوضح المراقبون أن الحكومة اليوم مازالت تراقب وترسل بالونات الاختبار لنواب مجلس "الصوت الواحد" لقياس مدى نجاح القانون الجديد في تشكيل مجلس "متعاون" يتجاوز ما كانت تراه سلبيات في المجالس السابقة، بيد أن المؤشرات الأولية لا تبدو مشجعة لها، اذ ان طرح القوانين "الشعبوية" والخطابات الطائفية مازال حاضرا في الساحة البرلمانية، كما أن التهديد باستجوابات الوزراء والضعط عليهم لتمرير تعيينات أو معاملات وخلافه سلوك نيابي لم يغيره "الصوت الواحد" أو "الأربعة".ويبين المراقبون أن بطلان المجلس الحالي بحكم دستوري –بعد إقرار المقترح النيابي- يعني أن الحكومة لن تكون قادرة على إصدار مراسيم مشابهة مستقبلا، وهذا ما يترتب عليه تقليص صلاحياتها من جهة، ومن جهة أخرى فإن أي محاولات للخروج من الأزمة الحالية تكون انعدمت وانتهت، فنتائج أي حوار أو مؤتمر وطني ستكون بلا قيمة، بعد أن فقدت الحكومة "دستوريا" صلاحية تعديل قانون الانتخاب بمرسوم ضرورة.ومن جهة أخرى فليس أمام الحكومة سوى التصويت بتأييد قانون الانتخاب المقترح، تماشيا مع مرسوم الضرورة الذي أصدرته.آمال المعارضةمن جانبها ليست القوى المعارضة لـ"الصوت الواحد" بمنأى عن آثار إقرار الاقتراح بقانون، فإقراره سيضع آمالها بإبطال المجلس بحكم "الدستورية" وعودة النظام الانتخابي السابق في مهب الريح، وهو ما سيترتب عليه إعادة النظر في تحركاتها وفق واقع جديد وحسابات جديدة قد يكون من ضمنها العودة الى الانتخابات وإن كانت وفق "الصوت الواحد".ولا يستبعد المراقبون أن يكون إقرار المقترح النيابي سببا آخر يدفع قوى "المعارضة" إلى الاستمرار في التصعيد ضد المجلس كون النواب يعملون على قطع الطريق أمام "الدستورية" في حال أبطلت الانتخابات.وقانون "الصوت الواحد" سبق تقديم الكثير من القوانين التنموية والإصلاحية الموعودة انتخابيا والمرجوة حكوميا، فالمعركة اليوم –كما يبدو وفق الشواهد– ليست بناء أو إعادة ترميم ما هدم في السابق، بل أقرب ما تكون الى معركة تثبيت أقدام النواب في المجلس، فما قدم اليوم يختلف "سياسيا" عن أي قانون بتعديل الدوائر سابقا لإصلاح العملية الانتخابية، فهو قانون "حماية المقاعد".