أمر طيب أن يعترف الشاب تامر إبراهيم، كاتب سيناريو فيلم «على جثتي» من بطولة النجم أحمد حلمي، عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» بأن الفيلم «مسروق» من فيلم الخيال العلمي الكوميدي الرومانسي الأميركي Just like Heaven (2005)5 من بطولة ريز ويزرسبون ومارك روفالو وإخراج مارك ووترز، لكنه بدا مثيراً للشفقة عندما قال إن الكلمة الأدق هي «مستوحى من»، ثم استدرك بأنه «ليس ضد الاقتباس»، وكالغريق الذي يتعلق بقشة راح يتمسح بالمخرج الأميركي الكبير مارتن سكورسيزي فاتهمه بأنه «حصل على أول «أوسكار» في حياته عن فيلم مقتبس»!

Ad

لم يكن إبراهيم مثيراً للشفقة فحسب، بل غريقاً بالفعل، عندما أراد أن ينفي عن نفسه التهمة فكشف عن جهل صارخ باتهامه المخرج الكبير مارتن سكورسيزي أنه اقتبس فيلمه الأول؛ فالفيلم الذي يُشير إليه وعنوانه بالإنكليزية The Aviator 2004)4) أو «الطيار»، حسب العنوان التجاري، هو أحد الأفلام التي تنتمي إلى السيرة الذاتية، كونه يتناول حياة البليونير الشهير هوارد هيوز، الذي جسد شخصيته ليوناردو دي كابريو، ويرصد الفترة من آواخر العشرينيات حتى مطلع الخمسينيات، التي عمل فيها في الشركة التي ورثها عن أبيه، وتخصصت في إنتاج معدات الصناعات البترولية، ثم انتقل إلى إخراج الأفلام الهوليوودية وإنتاجها، وتطوير الطائرات واختيارها، وعُرف عنه حبه لمواعدة أجمل نساء هوليوود.

ثمة فارق كبير لم يفطن إليه إبراهيم، بين «الاقتباس» واستلهام «السيرة الذاتية»؛ فالفعل الأول يمثل جريمة اعتداء على حقوق الملكية الفكرية، في حال عدم الإشارة إلى مصدر الاقتباس، بينما يمكن استلهام «السيرة الذاتية» بعد الاتفاق مع الورثة أو مرور عدد من السنوات يسقط بعدها حق الورثة في احتكار الراحلين من المشاهير، لأنهم يتحولون وقتها إلى شخصيات عامة، وليس «تركة» أو «كنزاً» يتاجر بهما الورثة!

اللافت أن تامر إبراهيم أكد أنه نوه إلى اسم الفيلم الأجنبي الذي استوحى منه أحداث فيلمه الأول «على جثتي» على غلاف السيناريو، لكنه لم يبرر أسباب عدم الإشارة إلى هذا في «تترات» الفيلم، ولم يكن موفقاً عندما أقر بأن النقل عن أفلام أخرى «لا ينتقص من الفكرة، لأن توارد الأفكار وارد، والتيمات أيضاً»!

هنا استعيد سراً مثيراً خصني به السيناريست الشاب وليد يوسف (مؤلف مسلسل «الدالي»)، في محاولة من جانبه لتبرئة نفسه، بعدما اتهمته بأنه غرر بمشاهدي فيلمه الأول «ليه خلتني أحبك» (2000) من بطولة منى زكي عندما أخفى اقتباسه من الفيلم الأميركي My Best Friend's Wedding 1997)7)، الذي عُرض تجارياً تحت عنوان «أعز صديقاتي» من بطولة جوليا روبرتس، فأكد لي أنه أشار إلى الحقيقة بالفعل في السيناريو الذي كتبه، غير أنه فوجئ بالرقيب يُطالبه بألا يُقدم على خطوة من هذا القبيل، وإلا صار على الشركة المنتجة للفيلم أن تُسدد حقوق الملكية الفكرية للشركة الأميركية المنتجة ولمؤلف الفيلم نفسه، فما كان من الشركة المنتجة للفيلم المصري سوى أن تجاهلت الإشارة إلى المصدر الأجنبي!

«توارد الأفكار أمر عادي ومسموح به تماماً في الدراما»، مقولة أخرى كررها تامر إبراهيم مؤلف المجموعة القصصية «حكايات الموتى» في أحد أحاديثه الصحافية، والإلكترونية الكثيرة التي أدلى بها عقب عرض فيلمه الأول «على جثتي»، وكل ما أخشاه أن تُصبح حجة يستمرئ بعدها «السطو» على أفكار الآخرين، والنقل عن الأفلام الأجنبية، بذريعة أنه حق مشروع أو «توارد خواطر»، مثلما فعل عندما أنكر في حديثه إلى «الجريدة» مشاهدته للفيلم الشهير «بابا أمين» (1950) من إخراج يوسف شاهين، رغم تماثل الفكرة الخيالية التي تدور حول موظف يعود من حلمه «الكابوسي»، الذي يتخيل فيه أنه مات تاركاً عائلته في مواجهة محنة مالية طاحنة، ومحاولات للتغرير بابنته المراهقة، ويعود من الموت الذي تحول في فيلم «على جثتي» إلى غيبوبة، في صورة «شبح»، ليراقب الموقف المتردي، ويتأسى على ما وصلت إليه أحوال عائلته!

«صانع الظلام» إحدى روايات الرعب التي تخصص فيها تامر ابراهيم، الذي بدأ في نشر أعماله عام 2000، وتفرغ تمامًا للكتابة بعد تخرجه في كلية الطب في جامعة عين شمس عام 2003، حتى أصبح أحد أفضل كتاب روايات الرعب في العالم العربي، قبل أن يتجه إلى كتابة سيناريو فيلمه الروائي الطويل الأول «على جثتي»، الذي عانى مشاكل جمة، أرجع بعضها إلى المخرج، ويتحمل مسؤولية بعضها الآخر. غير أن ما يطمئن في الأمر أنه لم يُكابر أو تأخذه العزة بالإثم، واعترف أنه تعلم من التجربة كثيراً، واستفاد مما كُتب عنه، وهي بداية طيبة تؤكد أن إبراهيم سيتجاوز عثرته، ولن يكون في السينما «صانع الظلام».