الإشادة الدولية بالديمقراطية الكويتية
في خضم الأحداث المأساوية الموجعة التي يمر بها العالم العربي، تأتي الأخبار المفرحة من الكويت، فقد ذكرت وكالات الأنباء خبرين سعيدين عن الديمقراطية الكويتية، الأول: إشادة البرلمان الأوروبي بديمقراطية الكويت باعتبارها المثال الأفضل للنظام الديمقراطي في الجزيرة العربية، جاء ذلك خلال مناقشة وفد البرلمان الأوروبي مع سفيرة الكويت لدى الاتحاد نبيلة الملا، نتائج الانتخابات البرلمانية الكويتية، وقالت رئيسة الوفد: نحن في أوروبا احتجنا إلى مئات السنين لتعلم الديمقراطية لأنها عملية يتم تعلمها ببطء. أما الخبر الثاني: فقد جاء في تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" لعام 2012 أن الكويت حققت المركز الأول خليجياً وعربياً وإقليمياً في الحريات الصحافية، والتي تتمثل بحرية الوصول إلى المعلومات وتداولها وحرية إصدار الصحف والمطبوعات ووسائل الاتصال وحرية التنظيم المهني والنقابي للعاملين في مجالات الاتصالات والإعلام، فضلاً عن ضمانات دستورية أو قانونية لحماية حرية التعبير عن الرأي تجاه تجاوزات الحكومات وأصحاب الأعمال.
ما دلالات هذين الخبرين؟ وما تأثير انعكاساتهما على النفسية العربية والخليجية إثر خيبات الأمل المتعددة التي أعقبت ثورات الربيع العربي في ظل الحكام الإسلاميين الجدد؟ أولاً: هذان الإنجازان وإن تعلقا بالكويت إلا أنهما يصبان في النهاية في مجمل الإنجاز الخليجي، ويحسبان لمصلحة الوضع الخليجي عامة مقارنة بالأوضاع في دول الربيع العربي، والتي تشهد ارتدادات، وتعاني أوجاع ما بعد الربيع، وتمر بانتكاسات في الديمقراطية، وتلقى تضييقاً في الحريات الإعلانية وقمعاً وتخويناً للمعارضة واضطرابات سياسية وأمنية راح ضحيتها العشرات في مصر، وفي تونس التي شهدت مؤخراً اغتيال المعارض السياسي شكري بلعيد أمين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين، في الوقت الذي كان الرئيس التونسي المنصف المرزوقي يلقي خطابه المؤثر أمام البرلمان الأوروبي مدافعاً عن قيم الديمقراطية في بلاده، فلم يتمالك نواب من حبس دموعهم تأثراً. لقد فشل الإسلاميون في إدارة شؤون الحكم في بلادهم، ووصلت الأوضاع السياسية والاقتصادية إلى درجة من السوء جعلت البعض يحن إلى أزمنة الاستبداد، كما يقول الكاتب الأردني موسى برهومة إثر زيارته مؤخراً للقاهرة، الكاتب والإعلامي السعودي سليمان الهتلان قام بزيارة الأهرامات فرأى فوضى عارمة، كتب مقالاً مؤثراً، مصر التي تمنيت، عبر عن حزنه لما آلت إليه الأوضاع "حزنت أن أرى واحداً من أهم المعالم السياحية العالمية يعيش حالاً من البؤس والفوضى، قلت في نفسي: إن صلحت إدارة السياحة ربما صلح الاقتصاد، ولكن كيف يصلح الاقتصاد والقادة الجدد منشغلون بخططهم من أجل الهيمنة على كل مفاصل الدولة؟". ثانياً يؤكد النجاح الكويتي تفوق النظام السياسي الخليجي إزاء الأنظمة السياسية التي أعقبت الأنظمة الملكية في الدول العربية، سواء فيما يتعلق بالتطور الديمقراطي أو إتاحة الحريات الإعلامية أو تأمين المعيشة الكريمة للمواطن والمقيم أو ضمان الأمن والاستقرار أو تحقيق التنمية المستدامة. تأمل المشهد الخليجي مقارنة بالمشهد العربي عامة، تجد الخليج هو الأكثر أماناً واستقراراً وانسجاماً والأعظم إشراقاً وأملاً، يستقبل الخليج عامه الجديد وهو يشهد نهضة عمرانية غير مسبوقة، تنمية شاملة في كل القطاعات، واقتصاداً مزدهراً هو الأعلى عالمياً، وتعليماً متطوراً، وخدمات اجتماعية وصحية عالية، وبيئة اجتماعية وسياسية آمنة تتميز بكل المرافق والخدمات الجاذبة للسياحة والاستثمار. وتحتل دول الخليج العشر الأوائل في انخفاض الضرائب في تقرير البنك الدولي عن الوضع الضريبي في 185 دولة، نعم الخليج اليوم أصبح حلم كل عربي بل غير العربي، الخليج اليوم هو صورة مشرقة في ظلمة البؤس العربي، وهو بفضل من الله تعالى ونعمة، ما زال الجزء الصحي السليم في الجسم العربي العليل، مقولة عبدالله بشارة المأثورة. ثالثاً: إذا كان البرلمان الأوروبي أشاد بديمقراطية الكويت على مستوى البرلمان فإن الديمقراطية في الكويت والخليج عامة عريقة وراسخة في العمق المجتمعي في نظام الديوانيات والمجالس الشورية، وفي انفتاح الحاكم على المحكوم، وعدم وجود حواجز أمام تواصل المواطنين بحكامهم للاستماع إليهم وحل مشاكلهم. يعبر الكاتب الكويتي خليل حيدر عن رسوخ الديمقراطية في الكويت بقوله "الحريات والمبادئ الدستورية وتمتع المرأة بالحقوق السياسية والمؤسسات التشريعية والرقابية والصحافية غدت من الرسوخ والقوة في حياة المجتمع الكويتي بحيث أصبحت أقوى وأرسخ نظام حكم في العالم العربي". وإذا كانت الكويت عانت حالة من النزاعات السياسية المتكررة في ظل الحكومات والبرلمانات السابقة، عطلت مشاريع التنمية فذلك بسبب ما سماه عبدالله بشارة "التشكيلات النيابية التي وقعت تحت ضغط نزعة الهيمنة والسيطرة ليس فقط على أعمال المجلس إنما على تحويل إدارة البلد وفق مفاهيمها ووفق الأجندة التي تتبناها، والتي صعدت في مواجهاتها للحكم والعهد وبلغت ذروتها في شعار: لن نسمح لك". لكن قاطرة التنمية المتوقفة انطلقت اليوم بعد الانتخابات البرلمانية وفقاً لنظام الصوت الواحد الذي ساهم في الاستقرار السياسي والاقتصادي، وأتاح فرصة الوجود للمحرومين في البرلمان، وحقق التعاون المثمر بين الحكومة والبرلمان. رابعاً إشادة البرلمان الأوروبي بديمقراطية الكويت وشهادة دولية بالحريات الإعلامية فيها، تبعثان الأمل في نفوس الكثير من المحبطين من تطورات الأوضاع في بلدان الربيع العربي في ظل قيادات الإسلاميين الجدد الذين وصلوا إلى السلطة عبر انتخابات عامة، لكنهم بسوء إدارتهم وبشراهتهم للسلطة وإقصائهم للآخرين وتهميشهم للأبطال الحقيقيين، أفقدوا الناس الثقة بصلاحية الديمقراطية. صحيح أنهم وصلوا بانتخابات ديمقراطية لكنهم كفروا الناس بها وزرعوا اليأس والإحباط، وقتلوا الفرح في النفوس، وفشلوا في تحقيق أي هدف أو إنجاز أي وعد، وكما يقول جهاد الخازن "ليس الأمر مجرد أن الوعود لم تتحقق بل إن ما شكا منه المصريون زاد سوءاً من الوضع الاقتصادي المتردي إلى الفلتان الأمني، فصّلوا دستوراً وقوانين للانتخابات على قياسهم وحدهم". لقد ظهرت في الآونة الأخيرة العشرات من المقالات والمؤلفات لكتاب وباحثين ينعون فيها الديمقراطية العربية، منها: كارثة الديمقراطية، والديمقراطية حين تقود لخيار خاطئ لمازن العليوي، والحق في الاستبداد لحسام عيتاني، والعقلية الشرقية عصية على الديمقراطية، د. خالد الجنفاوي، المستبد العادل حل يظهر من جديد؟ خليل علي حيدر، الشعوب العربية لا تملك ثقافة الديمقراطية، الطاهر بن جلون، لماذا لا تستطيع الديمقراطية ترسيخ جذورها في العالم العربي؟ فريد زكريا، هل أخطأنا الطريق نحو الربيع؟ سليمان الهتلان، الديمقراطية الحقيقية أو الديمقراطية المنشودة، عبدالله ناصر العتيبي، نهاية الربيع العربي ولكن لا عودة للوراء، جمال خاشبجي، الربيع العربي: الآمال المعلقة والديمقراطية المؤجلة، أميل أمين. وانتهى كثير من المتحدثين في ندوات مهرجان القرين الثقافي التاسع عشر في الكويت إلى أن دول الربيع العربي لم تحظ لا بحكم رشيد ولا بديمقراطية، بل وصل البعض إلى أن الديمقراطية لا تصلح للشرق بسبب التطرف والثقافات المتنافرة، ولأنها تنتج القبلية والطائفية والتمحور العقائدي. كل هذه الطروحات جعلت من تحقيق الديمقراطية في الحياة العربية حلماً بعيد المنال، عسى أن يكون في الإشادة الدولية بديمقراطية الكويت ما يجدد الثقة بالديمقرطية ولو في حدها الأدنى المتمثل بصندوق الانتخابات.* كاتب قطري