المدينة الفاضلة
كريستيانا حي أو مدينة في كوبنهاغن، كومونة بالمعنى الحرفي للكلمة، أشبه بكومونة باريس التي عاش فيها الشاعر رامبو، غير أن كريستيانا لا تزال قائمة. تاريخ حافل من المعارك والصدامات مع الحكومة المركزية وشرطتها الرسمية، لا فائدة، أما أن تبقى مدينة كريستيانا حرّة مستقلة أو الموت.لكن ماذا في كريستيانا هذه لكي يدافع عنها أبناؤها دفاعاً مستميتاً؟ الإيمان بقوة الحرية والمخيلة والحب، حيث تنتظرك في كل زاوية من المدينة أعشاب الشوق الخضراء. حيٌ يكاد يكون مستقلاً، بميزانية خاصة وخدمات خاصة أيضاً، لا دخل لك أيتها الحكومة بأنفسنا سنقوم بالواجب فقط اتركينا بسلام. وهذا ما حدث فعلاً، فقد حاولت الحكومة الدنماركية منذ الستينات وحتى الآن بإغلاق الحي فلم تفلح، وقد وقعت مصادمات دموية للدفاع عن الحيّ، لا بل أكثر من ذلك استطاعت كريستيانا أن تُخرجَ شخصيات وصلت عبر التصويت الشعبي إلى البرلمان، إنه حيٌ مليء بالمنازل والفنادق والمطاعم والحانات، وكان موطن الأحرار والهيبز واليسار الأوروبي الجديد، بل وصلت قضية كريستيانا هذه إلى أروقة الأمم المتحدة، وظلت كومونة حرة، وها هي تعيش الآن سلامها الأليف.
ذات مرة حاولت الشرطة اقتحام هذا المعقل بكلابها الضخمة المدربة جيداً غير أن كريستيانا كانت قد دربت كلابها الأكثر شراسة، كان هذا يكفي لإعادة الأعداء إلى أوكارهم. لقد انتصر الحي مجدداً. لكن غرابة الأمر وأنا كتبت هذه المادة، تناولتُ صحيفة سويدية كانت موضوعة أمامي وفيها قرأتُ خبراً يقول بفرض قوانين جديدة على الحيّ ومن ضمنها إلغاء أعشاب الشوق الخضراء. لكن سرعان ما أنقذتني الصفحة التالية حينما فتحتها وإذا بكلب رابضٍ، عينه حمراء، يقول:احذر، هذا الخبر كاذب، لقد تعودنا على ذلك.لكن لِمَ أكتب عن كريستيانا هذه؟ آه لقد تذكرت! كان ينبغي على الأشخاص الذين نسيتهم الأرض وأهملتهم أن يعيشوا هناك على أرضها، أظن أنه سيكون مكاناً مناسباً لهم.***أَزْهارٌ في بِئْر هاهيَ الحقيقةُ تنزلُ بينَ يدَيكِ أخيراً:ذاتَ يومٍ كان لأحلامِكِ رائحة الأبديَّةأنظرُ إليكِ كمنْ يَسْتَجْدِي حجارةًعذراء.أنا ظلُّكِ الذي كان.مرآتُكِ وقد عَكَستْ أزهارَكِ في بِئْرأنا الغريبُ الآنَ، كمْ بكيتُ عليكِ، على ثمارِ اللَّيل.ومِنْ أجلِكِ، من أجْلِ قَدَرٍ يُشْبِهُ جَنَّةًمسمومةً بتُّ لا أقوى على النومِ إلا على حافَّةِ السكين.