من الواضح اليوم أن سياسة الولايات المتحدة الجديدة تجاه سورية (نتعمّد استعمال كلمة "جديدة") لاتزال مبهمة. وهنا ينشأ السؤال: ماذا سيفعل الرئيس الأميركي باراك أوباما بشأن هذه المسألة؟

Ad

قبل نحو شهر، أعلنت الإدارة الأميركية أنها ستبدأ بتدريب مقاتلي المعارضة في سورية وتسليحهم. ولكن يتبيّن اليوم أن هذه المساعدة لم تصل بعد إلى ساحة القتال. وعندما تبلغ وجهتها، ستقتصر على أسلحة صغيرة بكميات غير محدّدة.

إذاً، ما السياسة التي تتبعها الإدارة بالتحديد في هذا المجال؟ إذا كان هدفها كبح تأثير قوات "حزب الله" وإيران، التي ساهمت في قلب الدفة بما يخدم مصلحة الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب الأهلية، فلن يكون لهذه الخطوة المحدودة أي تأثير. كذلك لن توقف إراقة الدماء، أو تسمح بإيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين، أو تُرغم الطرفين على التفاوض، أو تسقط الأسد، علماً أن هذه كلها أهداف تبنتها الولايات المتحدة علانية.

قد تكون استراتيجية الإدارة محاولة ميكافيلية لاستنزاف "حزب الله" والحرس الثوري الإيراني في معارك القصير، وحمص، وحلب. وإن صحّ ذلك، نكرر أن كمية محدودة من الأسلحة الصغيرة لن تحقق هذا الهدف.

قد تبدو هذه الخطوة منطقية، إذا اعتبرناها جزءاً من سياسة متواصلة غايتها تفادي أي تدخل في سورية، مع التأكيد في الوقت عينه أن الرئيس الأميركي سيطبّق أي خطّ أحمر يرسمه: استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية وتطوير أسلحة كيماوية في إيران. لكن الردّ الأميركي الضعيف تجاه استعمال النظام السوري المزعوم لغاز السارين سيؤدي إلى تأثيرات عكسية. فسيؤكد للأسد وللقائد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي أن الولايات المتحدة لا تود تكبد مزيد من الخسائر المالية أو البشرية في الشرق الأوسط.

لعل التفسير الأكثر إقناعاً لسياسة أوباما تجاه سورية أنها صُممت لتمرير الوقت في وضع معقّد ميئوس منه. نتيجة لذلك، تعمل الولايات المتحدة على تسليح الثوار بالمقدار الذي يسكت منتقدي الكونغرس من دون أن تصب الزيت على النار.

الحق يُقال، تبدو كل الخيارات في سورية اليوم سيئة. فلا تُعتبر فرص نجاح تدريب الجيش السوري الحر وتسليحه أكبر اليوم مما كانت عليه حين اقترح مسؤولو الأمن في إدارة أوباما هذه السياسة السنة الماضية، فضلاً عن أنها فقدت جاذبيتها. فقبل سنة، كان الإسلاميون الأصوليون، وبعضهم قتلة لا يترددون في قطع رؤوس خصومهم أمام الكاميرا، على هامش الصراع الدائر في سورية. أما اليوم، فباتوا يشكلون جزءاً أساسياً منه. فهل يرغب أحد حقاً في أن ينتصر هؤلاء؟ وهل نخاطر بمنحهم أسلحة أميركية متطورة؟

ولكن إذا كان هدف استراتيجية الولايات المتحدة في سورية تفادي التدخل، فعلى أوباما أن يذكر ذلك صراحة. من الضروري أن يوضح الأسباب التي تجعل الولايات المتحدة ترفض التدخل في الصراع السوري، والنتائج التي يبدو مستعداً للقبول بها، وما يجعل إيران مسألة مختلفةً تماماً يُعتبر الخط الأحمر فيها خطاً أحمر بالفعل.

نظراً إلى المسار الذي يتبعه الصراع السوري راهناً، تبدو نتيجتان محتملتين: أولاً، يبقى الأسد في السلطة ويبسط سيطرته مجدداً على كامل الأراضي السورية. وإذا وضعنا الفظائع الكثيرة التي ارتكبها هذا النظام ولايزال، بما فيها قتل المتظاهرين العزل الذين كانوا يطالبون بحقهم في الاقتراع، تصبح هذه النتيجة مقبولة. اسألوا الروس.

ثانيًا، يتفكك البلد ويتحول إلى دول فاشلة، تسيطر على جزء منها "جبهة النصرة" التابعة لتنظيم "القاعدة". وفي هذه الحالة، قد تتمكن هذه المجموعات من الحصول بسهولة على أسلحة متطورة من المخازن السورية المليئة بأسلحة كيماوية وأنظمة مضادة للطائرات وغيرها.

لا يخدم أي من هذين السيناريوهين مصالح الولايات المتحدة أو قيمها. وهنا تنشأ معضلة أوباما: فلا يودّ أو بالأحرى لا يستطيع أن يهمل سورية بالكامل أو يتدخل فيها بالكامل. ومهما كانت السياسة الأميركية، ستبقى ظرفية وغير مرضية.

سيأتي وقت يكون قد فات فيه الأوان لتنظيم الجيش السوري الحر وتسليحه. أما اليوم، فما زال من الممكن موازنة كفتَي الميزان على أرض المعركة وحمل الأسد على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، بشرط أن يكون هذا الهدف حقيقياً لا مجرد مناورة أخرى.