بنت بحري زينات صدقي (13) : كازينو اللطافة

نشر في 22-07-2013 | 00:02
آخر تحديث 22-07-2013 | 00:02
تسمرت قدما زينب أمام صالة مجاورة لصالة بديعة بمجرد أن رأت صورة مطربة القطرين فتحية أحمد، ضمن صور المطربين والمطربات المعلقة على باب الصالة، وعادت ذاكرتها فوراً إلى «العلقة» التي تلقتها على يديها في ملهى {الباريزيانا} في بيروت، والخلاف الحاد الذي نشب بينهما بسبب {سرقة} زينب أغاني فتحية أحمد.
شعرت زينب أن من الوارد أن يتجدد الشجار بينها وبين فتحية أحمد أمام صالة بديعة مصابني، والفضيحة التي حدثت في إطار محدود في ملهى في بيروت لم يره كثيرون، ستصبح هنا أكبر وأضخم، وقد يصل الأمر إلى بديعة وتحدث فضيحة في ملهى يرتاده معظم الفنانين العرب. بالتالي، ستكون هذه هي النهاية لا البداية، ولن تستطيع أن تذهب إلى أي مكان آخر، لا في القاهرة ولا الإسكندرية، حيث ستظل تلاحقها الفضيحة.

قررت زينب التراجع والعودة من حيث أتت، وأفضل لها أن تعود إلى الإسكندرية ويلاحقها عمها من ملهى إلى ملهى، من أن تكتب نهايتها بيدها وإلى الأبد.

عادت زينب إلى الخلف بظهرها لتهرب، قبل أن يلحظهما أحد فأوقفتها خيرية:

= إيه يا زينب راجعة ليه؟

* انت مش شايفة صورة مين دي؟ المرة دي بقى هيبقى فيها قتل.

= استني بس.

 

في اللحظة التي كانت تتراجع فيها زينب إلى الخلف اصطدمت ببديعة مصابني:

- الله مش انت بتاعة بيروت... ايوا أيوا فكرني.

* أيوا يا ملكة. أنا بتاعة بيروت.

- أنا فاكراكي... بس فكرني.

* زينب... زينب صدقي.

- أيوا بالظبط. كنتِ بتقولي {أنا زينب المصرية}... تعالي يا زينب تعالي.

 

جلست زينب في مكتب ملكة مسارح عماد الدين، وحكت لها عن سبب تراجعها ورفضها الفرصة التي تتمناها أي فنانة في مصر أو حتى خارج مصر، وصارحتها بأن سبب رفضها ليس خوفها من المشاكل مع فتحية أحمد فحسب، ولكن الخجل منها ومن حدوث فضيحة جديدة. غير أن بديعة هدأت من روعها وطمأنتها:

= اللي حصل دا حاجة عادية ما تكسفكيش. بتحصل كل يوم هنا عندي. وفي كل الكباريهات. صحيح أنا ما سمعتش صوت فتحية أحمد لكن انت قولتي الأغاني كويس.

* معقولة... أمال هي عملت ليه كدا؟ أنا حسيت أني عملت جريمة كبيرة استحق عليها الدبح مش الحبس.

= لا لا مش للدرجة دي... هو صحيح انت أخدتي كل أغانيها الجديدة. بس كل الحكاية أن انت بوظتي عليها عقد بمبلغ كبير. ودا اللي تعبها مش انك خدتي أغانيها. عموماً، فتحية أحمد بتشتغل في الصالة اللي جنبنا... ما تشليش هم الموضع دا. أنا هبقى أصالحك عليها بعدين.

خجل زينب منعها أن تطلب مباشرة العمل لدى بديعة، غير أن الأخيرة فهمت ذلك فعرضت عليها الانضمام إلى مدرستها الفنية {صالة بديعة}، وهو ما كانت تتمناه وسعت إليه لولا خوفها، لكن بديعة طمأنتها مؤكدة لها أن من يعمل في {كازينو بديعة} يكتسب حصانة مهمة تحميه بشكل كبير، حتى من القصر والإنكليز. غير أن الأزمة الحقيقية هي تلك المشكلة التي واجهت زينب وواجهتها بها بديعة:

* مش فاهمة تقصدي إيه يا ملكة؟

= شوفي يا حبيبتي. أنا ما بقولش إن صوتك وحش. بالعكس صوتك حلو وودود. وأنا سمعتك بتحافظي على المقامات والعُرّبْ بتاعتك مظبوطة. بس انت مؤدية... مؤدية حلوة أوي... لكن مش مطربة بمعنى مطربة.

* أيوا يا ست بديعة أنا عارفة ومصدقة... بس يعني أنا...

= انت في عنيا وهتشتغلي معايا. بس تسمعي كلامي وتعملي اللي هقولك عليه.

* أنا من أيديك دي لأيديك دي.

= انت من النهاردة هترقصي يا زينب مع صاحبتك خيرية.

* ايوا خيرية بترقص كويس. بس أنا عمري ما رقصت.

= ما فيش واحدة ما بتعرفش ترقص. كل الحكاية أن لازم حد يعلمك الخطوة دي تعمليها إزاي... تتحركي إزاي... تكرري الحركة إزاي وامتى. ودا اللي هيعلمهولك إزاك.

* مين إزاك دا؟

= مدرب الرقص هنا. هيخليك نمرة واحد. بس تعملي اللي يقولك عليه. انت في الأول هتبقي معايا في الاستعراض بتاعي لحد ما تتمرني كويس... وبعدين تبقي صولو.  

احتضان

لم تكتف بديعة مصابني بضم زينب إلى فرقتها، ووضعها في برنامج التياترو، بل أحاطت عليها بذراعيها، فلم تكن مجرد صاحبة تياترو أو فرقة. الأهم من ذلك أنها كانت تعتبر نفسها بمثابة الأم لكل من يعمل لديها من النساء والفتيات، خصوصاً غير المتزوجات، كي لا تتركهن للذئاب الباحثة عن فريسة، فحرصت على الحفاظ على الراقصات اللاتي يعملن لديها في التياترو، من خلال استئجار غرف لهن في منطقة العتبة، القريبة من ميدان {إبراهيم باشا} أمام دار الأوبرا الملكية، وبمجرد انتهاء عملهن بالتياترو يتجهن إلى النُزل، وهو ما كانت تقوم به بديعة مع كل فتاة تنضم إلى فرقتها:

* كتر خيرك يا ست بديعة. بس مش هينفع.

= ليه يا حبيبتي انت مش بتقولي أنك من إسكندرية يعني ملكيش بيت هنا في مصر.

* أيوا مليش بيت في مصر بس أنا مش هعيش هنا لوحدى. أمي هتعيش معايا مش بتسيبني.

= طب وماله تيجي أمك تعيش معاكي في البانسيون.

* ما أحنا نازلين في بنسيون في شارع عماد.

= كده طب خلاص زي ما يعجبك المهم تكوني مرتاحة وتخلي بالك من نفسك.

اعتذرت زينب عن عرض بديعة وهي لا تعلم أين ستعيش، فهي لم تكن تعرف أحداً في القاهرة، الأهل والأصدقاء كلهم يعيشون في الإسكندرية، وكان لا بد من مكان دائم تعيش فيه في القاهرة بصحبة والدتها، بل لا بد من إيجاد هذا المكان قبل العودة إلى الإسكندرية للمجيء بوالدتها.

وقفت زينب أمام باب التياترو تتبادل الحديث مع خيرية في أمر العثور على مكان تمضيان فيه ليلتهما أولاً، ثم البحث في الصباح عن مكان يكون لهما خلال الفترة المقبلة، إلى حين الاستقرار الدائم.

سمعتهما تتجادلان الراقصة ثريا حلمي، التي تعمل في تياترو بديعة، فتدخلت بينهما في الحوار:

= انت زينب وخيرية صدقي زمايلنا الجداد... مش كدا؟

* أيوا.

- أهلا وسهلا.

= أهلا بيكم. أنا بقى أختكم ثريا حلمي. برقص هنا في التياترو ومعلش يعني أنا سمعتكم غصب عني أنكم بتدور على مكان تنزلوا فيه.

* أيوا أصل احنا من إسكندرية عايزين نشوف مكان نبات فيه النهاردة وبكرة نشوف مكان نستقر فيه في القاهرة.

= عموماً انتوا هاتيجو تناموا عندي النهاردة... وبكره يحلها الحلال.

بعد محاولات الشكر والاعتذار وافقت زينب وخيرية على تمضية ليلتهما لدى الراقصة ثريا حلمي، وفي الصباح استطاعتا بمعاونتها أيضاً العثور على نُزل في شارع {كلوت بك} قريب من شارع عماد الدين، وحجزا فيه غرفتين، إحداهما لزينب ووالدتها، والثانية لخيرية، على أن يمضين فيه الفترة الأولى لهن في القاهرة.  

انتظمت زينب في التدريبات مع أزاك مدرب الرقص في صالة بديعة مصابني، وعلى رغم رشاقة جسدها وليونة حركتها فإنه وجد صعوبة بالغة في تدريبها، فلم تكن تتخيل أن ترقص أمام جمهور، بل أقصى شيء هو أن تقف أمامه وتغني، لذا كان إحساسها بالرقص بطيئاً. ساعدها على تقبل الموضوع وعدم ملاحظة بديعة ذلك، أنها رقصت في البداية ضمن مجموعة خلفها على خشبة المسرح، فلم يكن ملحوظا أنها لا تجيد الرقص، كما لم يلحظ الجمهور ذلك، ليس رقص زينب فحسب، بل كل من هن خلف الملكة بديعة، التي كانت أفضل من يرقص وهي تحمل {الفنيار} أو {الشمعدان} في بر مصر والشام، في الوقت الراهن.

راقصة صولو

أحبت بديعة زينب بشكل كبير، وقربتها منها دون بقية الفتيات اللاتي كن يرقصن الرقص الجماعي في الفرقة خلفها، وقررت أن تميزها:

* سي أنطوان قاللي انك عايزاني.

= تعالي يا زينب. أقعدي... كنت عايزة أكلمك في موضوع.

* تحت أمرك يا ملكة.

= أنا اخترت من بين البنات إنك ترقصي بالشمعدان.

* أنا؟

= أيوا انت. ما شاء الله جمال ودلال وعودك حلو... يعني تنفعي ترقصي بالشمعدان وصولو كمان.

* أيوا يا ملكة بس أنا لسه يعني...

= ما فيش لسه ولا يعني... انت هتتدربي من بكره مع إيزاك على الرقص بالشمعدان. وانت بتحضري النمرة بتاعتك معايا زي ما انت... لحد ما تتدربي عليها وبعدين نشوف.

لم تستطع زينب أن تراجع كلام بديعة، غير أنها خرجت من عندها وهي تفكر ماذا ستفعل، ففي الوقت الذي قررت فيه مفاتحة بديعة في أمر هي ترغب فيه، فاجأتها بديعة بأمر آخر.

رقص كوميدي

لم تجرؤ زينب على أن تفضفض بما يجيش في صدرها، مع أي ممن تعملن في الصالة، خشية أن يصل الكلام إلى أنطوان، ابن شقيق بديعة، والذي يعمل مديراً للصالة. بالتالي، سيصل الكلام إلى بديعة. كذلك خشيت أيضاً أن تفضفض به إلى صديقتها خيرية، التي وجدتها تميل ناحية أنطوان، فلم تجد سوى والدتها تشكو لها همها وما يدور في رأسها:

= دا معناها أن الست بتحبك وبتفضلك على كل اللي بيشتغلوا معاها.

* أنا عارفة كدا. بس أنا مش قادرة.

= مش قادرة على إيه؟

* مش قادرة استمر في الرقص. أنا يا دوب برقص وارها بالعافية وأنا متدارية في زمايلي. تقوم تخليني أرقص بالشمعدان... ولوحدي كمان!

= كتر خيرها يا بنتي... أمال انتي عايزة إيه؟

* كنت عايزة أكلمها تخليني أقول مونولوجات زي حسين المليجي ولا إسماعيل ياسين. أنا مش قادرة استمر في موضوع الرقص.

= اللي يعجبك. بس اللي أعرفه انك تخليك معاها لحد ما ربنا يسهل وتوافق... أو يفرجها عليك في مكان تاني.

اقتنعت زينب بكلام معلمتها الأولى، والدتها، وانتظمت مع بديعة كراقصة، بل وانتظمت مع أزاك في التدريب على الرقص بالشمعدان، والمدهش أنها على عكس ما توقع البعض، بل على عكس ما توقعت هي لنفسها، أظهرت تقدماً كبيراً في الرقص بالشمعدان قبل أن يمر أسبوع، ما أبهر أزاك وجعله يؤكد لبديعة أن زينب تفوقت على نفسها وكل زميلاتها، وأنها جاهزة لتقديم فقرة صولو بمفردها، وهو ما فعلته زينب، وظهرت للمرة الأولى أمام الجمهور راقصة بمفردها لتقديم رقصة الشمعدان. كانت المفاجأة غير المتوقعة أنها ارتبكت ارتباكاً شديداً، حتى كاد الشمعدان يسقط عن رأسها أكثر من مرة، وهو ما لاحظته بديعة وهي تقف خلف الكواليس تتابعها، وتتابع رد فعل الجمهور عليها في الليلة الأولى لها منفردة.

سينما وتمثيل

انتهت فقرة زينب، وضحك الجمهور أكثر مما صفق لها، فقد كانت زينب تأتي بحركات كوميدية من دون أن تدري، فلم تكن راقصة بقدر ما حاولت أن تجسد دور الراقصة، وهو ما أتى بحركات كوميدية أضحكت الجمهور، غير أنها لم تدرك ذلك بل شعرت بأنها تكتب بداية فشلها، ما جعلها تركض إلى غرفتها وتبكي.

احتضنت خيرية صديقتها زينب وحاولت أن تهدئ من روعها، وتخفف عنها صدمة الفشل:

= ما تفكريش في اللي حصل. ارمي ورا ضهرك.

* أزاي؟ دا صوت ضحك الجمهور لسه بيرن في ودني.

= وإيه يعني؟ كانوا مبسوطين.

* لا كانوا بيضحكوا عليا.

= صدقيني الجمهور حبك... الجمهور كريم... بيضحك للي بيحبه.

* بس حاسه أني فشلت... مش هقدر أطلع تاني على خشبة المسرح وأرقص.

= بلاش عبط. تعالي بس تعالي. أنا عزماكي النهاردة على السينما.

* سينما. ومين فايق بس يشوف حاجة.

= لا دا النهاردة فيه حاجة تتشاف جديدة.

* جديدة يعني إيه؟!

= النهاردة هيتعرض أول فيلم مصري ناطق. يعني ها نسمع صوت الممثلين لأول مرة

* معقول؟ فيلم إيه دا؟!

= فيلم اسمه ولاد الذوات.

في يوم الاثنين السابع من نوفمبر عام 1932‏، عرض ‏فيلم {أولاد‏ ‏الذوات}،‏ وهو‏ ‏أول‏ ‏فيلم‏ ‏مصري‏ ‏ناطق، بعد عدد كبير من الأفلام المصرية الصامتة. غير أنه لم يكن ناطقاً بأكمله، بسبب التكلفة العالية لصنع فيلم ناطق، فتم تقديم 40 دقيقة فقط ناطقة من أصل 120 دقيقة، هي مدة عرض الفيلم. ‏قام ‏بالبطولة‏ كل من يوسف وهبي وأمينة رزق،‏ و‏شهد‏ ‏الفيلم ‏ظهور ‏أول‏ ‏مطربة‏ ‏مصرية‏ على شاشة السينما هي نادرة التي قدمت أكثر من أغنية في الفيلم في الجزء الناطق، ما أفاض السينما بسحر خاص، واستحوذت نادرة على عقول وقلوب الجمهور الذي سمعها وشاهدها للمرة الأولى على شاشة السينما.

ظلت زينب طوال فترة عرض الفيلم صامتة... تسمع بأذنيها وترى بعينيها، غير أن عقلها يسبح في عالم آخر، فقد دخلت بعقلها وبروحها إلى عالم الفيلم، شعرت بأنها واحدة من أبطاله، تتحرك معهم وتنفعل انفعالهم نفسه، كأن كلامهم يُقال على لسانها. إحساس غريب انتاب زينب للمرة الأولى بسبب الحالة التي كانت تعيشها بسبب مشاهدة السينما.

خرجت من السينما، وهي لا تزال على حالتها نفسها، راحت خيرية تتحدث في أحداث الفيلم، وتبدي انبهارها بشخصية يوسف بك وهبي، وكيف أنه ساحر حقيقي يأخذ بلب من تنظر في عينيه، فيما كانت زينب تسير إلى جوارهما بالجسد فحسب، بينما روحها وعقلها لا يزالان هناك... دخل دار العرض، التفتت إليها:

= إيه دا؟ عماله أهاتي من بدري وانت ولا هنا. انت رحتي فين يا زوزو؟

* إيه؟ بتقولي إيه؟

= لا أقطع دراعي من قبل الرقبة بشوية إن ما كان دا حب.

* حب... حب إيه؟

= حب... حب من بتاع يوسف بيه وأمينة رزق.

* أنا... أنا مش بتاعة حب ولا عايز أعرفه.

= ليه يا حبيبتي؟ حد يكره الحب؟ ما أجمل الحب مع الترمس والفول السوداني.

* أنا فعلا وقعت في الحب.

= أوعدنا... قولي قولي... أحنا ستر وغطا عليك.

* أنا شفت السينما قبل كدا في إسكندرية لكن أول مرة بحس بيها... حبيتها... حسيت أني واحدة من اللي جوه الفيلم. كان هاين عليا أدخل الشاشة الكبيرة دي وأكون معاهم.

لم يكن التمثيل غريباً على زينب، فقد سبق لها أن رأته عن قرب، وشاهدت من يعملون به عشرات المرات من خلال عملها في المسارح والكازينوهات والتياتروهات، لكن في هذه الليلة وقعت في غرامه، لا تعرف كيف؟ ولكنه حدث. لم تكن تعرف شيئاً عن تفاصيله، ولم تهتم أن تسأل يوماً عنها، ولا أن تسأل عمن يعملون فيه، ولها منهم أصدقاء، كيف يقومون بعملية التمثيل، سواء على خشبة المسرح أو على شاشة السينما. والسؤال الأهم هو لماذا هذا التأثير الذي وقع ذلك اليوم تحديداً؟ وقد سبق أن شاهدت السينما في الإسكندرية!

أسئلة عدة راحت تدور في رأس زينب، حول التمثيل وليس السينما في حد ذاتها، يبدو أنها انتبهت فجأة إلى هذا الفن الذي ربما لم يخطر لها على بال يوماً، على رغم أنها تعيش بين من يعملون به، بل إنها عندما انضمت سابقاً إلى {معهد التمثيل والخيالة} الذي أنشأه زكي طليمات في الإسكندرية. لم يكن ذلك بغرض تعلم التمثيل، بل كانت تسعى إلى تعلم الموسيقى والغناء بشكل مسرحي، لتأكيد وجودها كمطربة، وأن يكون لها وجود بين كبار المطربين والمطربات.

(البقية في الحلقة المقبلة)

رقصة الشمعدان

بدأت رقصة {الشمعدان} الأكثر شهرة في تاريخ الرقص الشرقي مع الراقصة المصرية شوق التي تتلمذت على يديها راقصة مصرية أخرى هي شفيقة القبطية. وعندما رحلت شوق، أرادت التلميذة أن تقدم جديداً لم تأت به المعلمة الأولى، خصوصاً أن الساحة كانت قد خلت لشفيقة لتتربع على عرش الرقص الشرقي في فترة قصيرة جداً. لمع اسمها، وأصبحت الأسر الكبيرة تباهي بأنها جاءت بشفيقة القبطية في أفراحها، وأرادت الأخيرة أن تجري تجديداً يتناسب مع شهرتها، فكانت تميل بجسدها إلى الخلف وتحمل على بطنها {منضدة} صغيرة تضع عليها أربعة أكواب مملوءة بالشراب، ثم ابتدعت {رقصة الفنيار} حيث تضع على جبينها فنياراً (شمعدان) مضاء بالشموع، ثم ترقص وفي يدها الصاجات على هذه الحال. سرت شهرة هذه الراقصة، فسعى إليها أصحاب الملاهي الكبرى يغرونها بالأجور لترقص في ملاهيهم، حتى استطاع ملهى {الإلدورادو} أن يظفر بالتعاقد معها. بذلك بدأت حياة جديدة وأخذت الثروة تتدفق عليها، وكانت عندما تقف على خشبة المسرح لترقص تتناثر الجنيهات الذهبية تحت قدميها تحية لها من المعجبين والعشاق. ولكنها كانت لا تمد يدها إلى شيء منها، بل كانت تستخدم ثلاثة من الخدم يجمعون الجنيهات ويقدمونها لها بعد انتهاء وصلة الرقص، وهو ما عرفته جيداً بديعة فأصبحت خليفة شفيقة سواء في الرقص {بالفنيار} أو الصيت الذائع.

back to top