فجر يوم جديد: :أفلام وألغام في دبي (2- 4) «الصدمة»
ثاني الأفلام التي أثارت جدلاً وتحولت إلى قنبلة موقوتة اختير لها أن تنفجر في الدورة التاسعة لمهرجان دبي السينمائي الدولي فيلم «الصدمة»، الذي عُرض ضمن برنامج «ليالي عربية» من إخراج اللبناني زياد دويري وإنتاج لبنان وفرنسا وبلجيكا وقطر ومصر, وحصد قبل أيام من عرضه في «دبي» الجائزة الكبرى للدورة 12 للمهرجان الدولي للفيلم في مُراكش.بدا الفيلم ملتبساً بشكل كبير، وفي حين أشاد «البعض» بموضوعيته في الطرح، اتهمه آخرون بالتطبيع، ليس فحسب لأنه صور غالبية مشاهده في «تل أبيب»، واختار غالبية ممثليه من الجانب الإسرائيلي، وغلب على حواره الحديث بالعبرية، بل لأنه أظهر «الإسرائيليين» في صورة «المتحضرين» في حين أقر بوحشية «الفلسطينيين» الذين لا يمكن لأحد أن يأمن غدرهم وشرهم أو يسبر أغوار حقدهم «التاريخي»! بداية يلفت النظر أن الترجمة الصحيحة للعنوان الإنكليزي للفيلم هي «الهجوم» بينما «الصدمة» هو عنوان الرواية، التي كتبها الجزائري محمد مولسهول تحت اسمه المستعار «ياسمينة خضرا»، وصدرت طبعتها العربية عن دار «الفارابي» اللبنانية. فالمخرج الذي كتب السيناريو مع زوجته جويل توما سعى إلى إرضاء الجمهور الغربي بعنوان «الهجوم» ومخاطبة ود المؤلف بالاحتفاظ بعنوان روايته، وهو يُقدم الفيلم للجمهور العربي، وبالطريقة المراوغة نفسها جامل الإسرائيليين، وألقى باللائمة على الفلسطينيين قبل أن يتراجع عنها!
كانت المراوغة سبباً أيضاً في ترويج «دويري» لأكذوبة كبيرة بإدعائه أن جمعية الجراحين الإسرائيليين منحت جائزتها، التي تضاهي في أهميتها جائزة «الأوسكار» للجراح «العربي»، الذي لم يجرؤ على القول إنه فلسطيني، وتبنى الخطاب الإسرائيلي نفسه عندما وصف العملية «الاستشهادية بأنها «انتحارية» و»بربرية» أودت بحياة 17 إسرائيلياً من بينهم 11 طفلاً، ولم يمانع في القول، على لسان أحد ضباط «الشاباك» أو»الشين بيت» (جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي)، إن أعضاء «حزب الله» و»حماس» و»الجهاد الإسلامي» جماعة من «المعتوهين»، وأن عرب الأراضي المحتلة لا يستحقون ثقة دولة إسرائيل، وتعاملها الحضاري معهم، وإن «الانتحاريين»، ومن بينهم وفاء إدريس ومن حذا حذوها، هم ثلة من الفاشلين اجتماعياً، والمُصابين بأمراض نفسانية! في الرواية التي كتبها «ياسمينة خضرا» يكتشف الجراح العربي الناجح، الذي يحظى بحفاوة وحسن ضيافة «أصدقائه الإسرائيليين»، أن زوجته الشابة مسؤولة عن التفجير الذي وقع في أحد مطاعم «تل أبيب»، وتنتابه مشاعر الصدمة لأن زوجته «خدعته»، وأثناء بحثه عن الحقيقة والدوافع التي أدت بها إلى هذا المصير الذي ينكره ثم يرفضه، تتغير قناعاته ويستعيد هويته، وعلاقاته المفصومة بأهله وعشيرته، لكن السيناريو الذي كتبه دويري وزوجته يُقدم رؤية «كوميدية» عندما يجعل من الزوجة «المسيحية» بطلة للعملية الاستشهادية، بمباركة من قس الكنيسة في نابلس، رغم تناقض هذا مع المعتقدات الدينية المسيحية، التي لا تؤمن بالعمليات الاستشهادية، ويُظهر «الشيخ» بوصفه «إرهابي» يقود «ميليشيات» تعصف وتنكل بمن يقترب منه حتى لو كان يريد أن يحاوره! الأمر المؤكد أن زياد دويري سعى في فيلمه إلى نبذ العنف، والدعوة إلى الحوار، والتأكيد على أهمية تبادل الثقافات، لكنه في سبيل الوصول إلى غايته ساوى بين «السجين» و»السجان»، وأسقط من حساباته أحقية الشعب الفلسطيني في انتزاع الحق المسلوب، واجتهد في مطالبتهم بالقبول بالأمر الواقع، وفتح قنوات اتصال تمكنهم من التماهي مع المجتمع الإسرائيلي، والاندماج في نسيجه، والترويج لديمقراطيته،وتحضره وتسامحه وبعدها يمكنهم أن ينالوا حق الوجود!فعل «دويري» هذا في «الصدمة»، لكنه في تكريس صارخ للمراوغة، التي لجأ إليها لتمييع موقفه حاول الإيحاء بأن بطله تذكر أخيراً أنه فلسطيني، وأدرك حقيقة الوهم الذي كان يعيشه، وفتح عقله قبل قلبه لأهله وأبناء جلدته، الذين كانوا دائماً موضع اتهام، وهي الحيلة التي لا تبرر مطلقاً روح التسامح والسماحة وملامح البشاشة والتحضر، التي ظهر عليها الإسرائيليون الذين لم يبخلوا على «العربي» بالجنسية والقيمة والمكانة، ولم يجدوا منه سوى الغدر والخيانة!بالطبع ستجد الجرعة العاطفية المكثفة، والحرفية الفنية التي تبرهن على مقدرة المخرج زياد دويري وموهبته، من ينبهر بها بين الجمهور العربي الذي يعشق «الصدمة»، لكن المشاهد الغربي الذي لا يرضى عن الموضوعية والعقلانية بديلا، سيُدرك مغزى الرسالة، ويعلم أن «الهجوم» أظهر وحشية ودموية «الفلسطينيين» الذين لا يتورعون عن خيانة أقرب الناس إليهم.