الحكم الصادر من المحكمة الدستورية ببطلان مجلس ديسمبر 2012 بعد قضائها بعدم دستورية المرسوم بقانون الخاص بإنشاء اللجنة الوطنية العليا يمثل مادة علمية مهمة صدرت بعد أكثر من 50 عاما من صدور الدستور، وبعد 40 عاما من إنشاء المحكمة الدستورية لما يمثل من أهمية قانونية كبيرة من شأنه أن يحدد طريق العلاقة بين السلطات التي تمارسها السلطة التنفيذية في غياب مجلس الأمة.
إلا أن الحكم وعلى الرغم مما تضمنه للعديد من المعالجات لعدد من القضايا المفصلية بشكل إيجابي فإنه وبرأيي توسع في تناول جزئيتين مهمتين من شأنهما أن تمنحا صلاحيات أوسع للسلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية وهي أولا ما يتعلق بإلتزام الحكومة بنص المادة 107 من الدستور وثانيا توسع المحكمة في تعريف الحدث الذي استلزمته المادة 71 من الدستور.فالمحكمة الدستورية قررت في حيثيات حكمها أن سلطة الحل الممنوحة للسلطة التنفيذية هي حق دستوري مقرر للسلطة التنفيذية ولها ممارسته إذا حدث خلاف بينها وبين البرلمان أو اختل التناسب والانسجام بينهما أو اقتضت الضرورة له ومثل هذا التوسع الممنوح من المحكمة للسلطة التنفيذية في تقديم المبررات نحو حل مجلس الأمة سيجعل من ممارسته حقا حكوميا مطلقا بلا قيد لها في ذلك فلها أن تحل المجلس لاي أسباب تراها وتحت اي دواع، إلا أن المحكمة رخصت السلطة التنفيذية من تحديد الاسباب الموجبة لحل مجلس الامة وهو ما سيكون مبررا لها للتخلص من المجالس بأسرع وقت ممكن.الأمر الآخر الذي توسعت فيه المحكمة الدستورية هو تفسير الحدث الذي نصت عليه المادة 71 من الدستور وتحديدا كلمة إذا حدث، فرأت المحكمة «أن معناها ينصرف الى شمول الاحداث والظروف العارضة وما تقتضيه المصالح الملحة والاخطار المهددة بما فيها الاحداث المتفاقمة والمستمرة التي تاخذ حكمها دون قصر فهم المعنى على لزوم أن يجد حادث جديد»، بينما ورد النص بشكل من الوضوح التام في المادة 71 من الدستور بأن يكون هناك شرطان لممارسة التشريع الاستثنائي وهما غياب المجلس وحدث يقع بعد هذا الغياب فنصت المادة «إذا حدث في ما بين أدوار انعقاد مجلس الامة او في فترة حله» ويتضح هنا القيد الزمني الذي حددته المادة 71 من الدستور فاشترطت أن تباشر السلطة التنفيذية حق تفعيل المادة 71 من الدستور خلال تلك الفترتين التي يغيب فيهما مجلس الامة، بينما إذا كان الحدث موجودا في ظل وجود مجلس الامة كما كان مجلس 2009 موجودا وقائما لكن لم يكتب له الانعقاد فلا يمكن للحكومة أن تتخلص منه وتقوم هي بمعالجته وكان الاولى منها أن تحل المجلس وتدعو لانتخابات جديدة ليأتي الأخير ويواجه تلك الأحداث، إلا أن المحكمة سمحت في حكمها بحل المجلس ومواجهة الحكومة للحدث بنفسها بتفسيرها الواسع لمضامين كلمة الحدث التي استهلت بها المادة 71 من الدستور. واللافت ايضا ان المحكمة لم توضح في حكمها ما هو الحدث الذي كان مستمرا في ظل وجود مجلس الامة، وكيف تفاقم في ما بعد حتى كان يتعين على الحكومة مواجهته؟ ومدى ارتباط الحدث الذي وقع بالتشريع الذي تم تعديله؟ كيف تسنى للمحكمة ربط المظاهر التي أسمتها الحكومة بتشريعها بالسلبية والمؤثرة على الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي بخروج البعض بمسيرات مخالفة للقانون وتمت احالتهم بتهم مخالفة قانون التجمعات والجزاء وليس قانون الدوائر.
مقالات
مرافعة : تساؤلات في حكم الدستورية!
23-06-2013