شوهت الأزمة الاقتصادية الأوروبية وسياسات التقشف التي رافقتها الديمقراطية في جميع الدول الأعضاء تقريباً، واضطر السياسيون في السلطة إلى الدفاع عن قرارات حتمية لا يمكن تجنبها، مع أنهم يعتبرونها خاطئة في مجالسهم الخاصة، وذلك على أمل كسب بعض الشعبية بسبب نجاحات هامشية في الحد من التخفيضات أو تغييرات عابرة في مجال العمل أو أرقام التبادل التجاري.
وسعى بعض السياسيين الناشطين خارج دوائر السلطة إلى تحقيق الاستفادة القصوى من تلك الحالة باللعب على وتر الاختلافات الصغيرة بينهم وبين أولئك القابضين على السلطة، وذلك عبر تقديمهم وعوداً بتقليص هامش التخفيضات أو فرض التخفيضات بشكل مختلف بعض الشيء. أما البعض الآخر فوجدوا، إما عن قناعة وإما سعياً إلى التفوق على الآخرين، أنها فرصة لا تعوض باستغلال موجة الغضب والاستياء السائدة بين الناخبين لأغراض انتخابية. إنه عنصر انتخابي بامتياز يمكن الاستفادة منه، ويتضح هذا الواقع بشكل أساسي في إيطاليا حيث يتوجه الناخبون (اليوم وغداً) إلى صناديق الاقتراع للمشاركة في انتخابات عامة قد تؤثر نتائجها وتمتد إلى ما وراء حدودها.نجح سيلفيو بيرلسكوني في العودة إلى الساحة السياسية الإيطالية للمرة الألف باعتباره لاعباً أساسياً، وقد طرح نفسه هذه المرة كبطل لعامة الشعب في وجه أوروبا المتوحشة، ولا سيما ألمانيا القاسية جداً. لقد شدد على هذه الرسالة التي تجذب المؤيدين طبعاً من خلال الوعد بإنهاء الضرائب على المنازل السكنية المعلنة في عام 2012 من جانب رئيس الوزراء المنتهية ولايته، ماريو مونتي، وإعادة تمويل مدفوعات السنة الماضية إذا انتصر التحالف السياسي الذي يقوده شكلياً فقط. وفي حال هذا الوضع إلى انتشار الذعر في الأسواق، وهو أمر متوقع، قد ترتفع معدلات الفائدة على السندات الإيطالية إلى مستويات قياسية مجدداً.وحسب قوانين الانتخابات المعمول بها في إيطاليا، فقد توقف نشر استطلاعات الرأي منذ بضعة أيام، لكنها كانت تشير حتى الفترة الأخيرة إلى أن حملة بيرلسكوني تعطي مفعولها. وبدأ التفوق الذي حققه ائتلاف يسار الوسط بقيادة بيير لويغي بيرساني ينهار مقابل تزايد الدعم لمصلحة حزب "شعب الحرية" الذي يرأسه بيرلسكوني وحليفه حزب "رابطة الشمال"، بينما سجل ائتلاف الوسط برئاسة مونتي وحركة "النجوم الخمسة" المستقلة (حركة تعارض الأحزاب السياسية بقيادة الممثل الكوميدي بيبي غريللو)، نسبة تأييد تقارب الـ15 في المئة. لا شك أن هذه الأرقام ليست سارة. قد تحصل إيطاليا في نهاية المطاف على ائتلاف حاكم بين بيرساني ومونتي، وهي نتيجة باهتة لكن مناسبة، أو قد يصل بيرلسكوني إلى الحكم مجدداً حتى لو أصبح هذه المرة وراء العرش بدل أن يكون فوقه.ستكون تلك اللحظة حزينة بالنسبة إلى إيطاليا. قام بيرلسكوني، الذي كان رئيس الحكومة ثلاث مرات، بإطلاق الوعود، ولكنه لم يطبق الإصلاح في أي مجال. هو اتكل على النظام القانوني الإيطالي الذي يفيده شخصياً وقد ظهر في معظم وسائل الإعلام الإيطالية وحوّل الحياة الوطنية إلى مسلسل طويل عن نفسه. إذا عاد إلى السلطة مجدداً، قد يتخذ قرارات يمكن أن تدفع إيطاليا إلى مغادرة منطقة اليورو. في ظل حكمه، قد تطلب إيطاليا خطة إنقاذ. لكن إذا شملت تلك الخطة حزمة تقشف جديدة، قد يعود البلد إلى استعمال عملة الليرة. قد لا تتمكن البنية المتخبّطة المسماة "منطقة اليورو" من احتواء الأضرار اللاحقة.لا مفر من الشعور بالأسف تجاه الألمان المساكين لأن مسؤولية صمود كيان أوروبا تقع على عاتقهم، بينما تلعب إيطاليا بالنار على أحد طرفَي القارة وتقوم بريطانيا بالمثل على الطرف الآخر. لكن لا يعني ذلك أن السياسات التي برعت ألمانيا في تصميمها كانت صحيحة.حمل الحزب الديمقراطي الذي يقوده بيرساني شعار "إيطاليا الصحيحة". قال بيرساني في مقابلة حديثة، إن هذا الشعار يعني "تصحيح البلد من وجهة نظر أخلاقية". خلال حملته الانتخابية، اعتبر أنه تعامل مع "إيطاليا التي تشعر بغضب شديد" ولكنها تفهم أن "الاحتجاجات وحدها لن تحقق شيئاً". هو يُلمح إلى أن "إيطاليا الصحيحة" تحتاج إلى "أوروبا صحيحة" يمكن أن تكون جزءاً منها. تشير أحدث استطلاعات الرأي غير الرسمية إلى أن استعراض بيرلسكوني بدأ يتعثر في الأسبوع الأخير. إذا كان الوضع كذلك، ستتعلق المسألة الأساسية بمعرفة ما إذا كان الناخبون المترددون سيتجهون إلى دعم شخصية غريللو السخيفة أم أنهم سيصغون إلى رسالة بيرساني الحساسة لكن المنطقية.
مقالات
هل يصمد شعار «إيطاليا الصحيحة» أمام الملياردير الشعبوي؟!
24-02-2013