مشاري العصيمي:

Ad

سمو الأمير أعلن تقبله المسبق لحكم «الدستورية» معتبراً اللجوء إليها تصرفاً حضارياً ودفاع الحكومة يطالب القضاء بعدم نظر المراسيم!

لا رابط بين الأخطار التي يتحدثون عنها وتعديل قانون الدوائر الانتخابية

الكويت واجهت خطراً خارجياً واحداً هو الغزو وحينئذ تضامن كل أبناء الوطن

مع النظام وتعاهدوا حاكماً ومحكوماً في جدة

واصلت المحكمة الدستورية أمس، برئاسة المستشار يوسف المطاوعة، نظر الطعون الانتخابية التي أقيمت على انتخابات مجلس الأمة التي أجريت في الأول من ديسمبر الماضي والبالغ عددها 56 طعنا انتخابيا، وقررت المحكمة، بعد نظرها ثمانية طعون، إرجاء النظر فيها إلى جلسة الثالث من مارس المقبل لنظرها مع طعون أخرى تمهيداً لحجز كل الطعون الانتخابية في بداية أبريل المقبل للنطق بالحكم.

وقررت «الدستورية» أمس، في الطعنين المقامين من المرشحين حمد التويجري وباسل الجاسر أمس، فتح صناديق الدائرة الثالثة والاطلاع على المحاضر للتأكد من سلامة الطعن المقام ببطلان عضوية المرشح سعدون حماد العتيبي الذي كان حاضرا بجلسة المحكمة، طالبا الحكم برفض الطعون المقامة ضده.

وشهدت المحكمة أمس مرافعة من النائب السابق المحامي مشاري العصيمي طالبا الحكم بعدم دستورية المرسوم بقانون الخاص بتعديل المادة الثانية من قانون الدوائر الانتخابية بتخفيض عدد أصوات الناخبين إلى صوت واحد.

وأكد العصيمي، في مرافعته عن الطعن المقام من ناخب في الدائرة الثالثة شاركه فيه المحامي حسين الغريب أمام المحكمة الدستورية، أن «تضمين مذكرة الدفاع المقدمة من إدارة الفتوى والتشريع النص الكامل لخطاب سمو الأمير بهدف إقحام سموه في هذا النزاع القضائي الدائر بين الشعب والحكومة، مستنكر ونحن نربأ بسموه أن يكون طرفا، لأن ذات سموه مصونة لا تمس، وهو يمارس سلطاته بواسطة وزرائه وهو والد الجميع».

ولفت إلى أن إدارة الفتوى والتشريع أكدت في دفاعها المقدم للمحكمة أن الأعمال الصادرة من الأمير تعد من قبيل أعمال السيادة وأنه يتوجب على القضاء أن يمتنع عن نظرها، في حين أن سمو الأمير وفي أكثر من ثلاث مناسبات وبعد صدور مرسوم الضرورة صرح بأنه قابلٌ مسبقا بقرار المحكمة الدستورية «وأنها إذا جاءت وقررت عدم سلامة المرسوم الصادر فأنا قابل به لأن العودة للحق فضيلة»، كما أن سموه أشاد بعزم عدد من المواطنين اللجوء للطعن على القرار أمام المحكمة الدستورية قائلا إنه تصرف حضاري، في حين أن مذكرة الحكومة تتحدث عن عدم سلامة الطعن وبأنها من قبيل أعمال السيادة.

وأكد العصيمي، في مرافعته، أن الحكومة تحدثت في مذكرة دفاعها عن وجود أخطار داخلية وخارجية دعت إلى تغيير قانون الدوائر، في حين أن الحكومة لم توضح ماهية الأخطار علاوة على أن قصة الأخطار الداخلية والخارجية هي أكبر شماعة استخدمتها الحكومة في السابق للتخلص من الرقابة الشعبية، لافتا إلى أن الخطر الخارجي الوحيد الذي تعرضت له البلاد كان بالغزو العراقي الغاشم عليها، وعندما وقع هذا الخطر وقف الشعب الكويتي كله موقفا واحدا إلى جانب النظام وتعاهدوا حاكما ومحكوما بالوقوف صفا واحدا في مؤتمر جدة، متسائلاً: «أي أخطار خارجية هذه التي تتحدث عنها الحكومة؟».

وقال إن «إقحام خطاب سمو الامير في هذا النزاع القضائي لا محل له على الاطلاق، فالحكومة كأنما أعوزتها الحجة لبيان الاسانيد الدستورية التي تستند اليها في دفاعها، أو شعرت بأن حجتها ضعيفة فلجأت الى التمسح بما ورد فى خطاب سمو الامير لتعزز به حجتها فأوردت الخطاب كاملاً في صلب المذكرة، كما أعادت تقديمه في حافظة المستندات المرفقة بالمذكرة ذاتها، محاولة بذلك أن توحي بأن الالتجاء الى القضاء للاعتراض على المرسوم الاميري رقم 20 لسنة 2012 فيه اعتداء على سلطات سمو الامير التي تعد من اعمال السيادة التي تنحسر عنها رقابة القضاء أو فيه مساس بذاته الأميرية المصونة».

وأضاف «مع أن المتابع لخطابات سمو الامير، خاصة في الفترة الاخيرة عقب صدور المرسوم المطعون فيه، يتبين أن موقفه الثابت الذي لا يتبدل هو احترامه الكامل للقضاء والتزامه الكامل بتطبيق احكامه، وقد توقع الطعن على المرسوم بقانون الماثل ورحب بذلك الطعن بل وأشار إليه بوصفه وسيلة حضارية»، لافتا إلى أن الخطابات التي صدرت عن سمو الأمير بعد صدور مرسوم الضرورة تؤكد ان سمو أمير البلاد يعلم سلفاً أن الاحتكام الى القضاء هو المخرج الوحيد من الازمة التي صاحبت صدور المرسوم بقانون محل الطعن الماثل وأنه يسلم مسبقاً بما يقضي به القضاء، وقد تفضل مشكوراً بالتعهد بتنفيذ حكم القضاء ولو كان على غير ما يرغب وأنه يعلم تمام العلم كذلك أن المرسوم بقانون محل الطعن الماثل يخضع لنوعين من الرقابة: الرقابة القضائية التي تتمثل في المحكمة الدستورية، والرقابة السياسية التي تتمثل في مجلس الامة، وأنه يرى أن الالتجاء للقضاء للاعتراض على المرسوم بقانون المشار اليه تصرف حضاري دعا سموه الى الاشادة به».

لا ارتباط

وذكر العصيمي، في دفاعه بالرد على الدفع المقام من الحكومة في مذكرتها بعدم اختصاص المحكمة الدستورية بنظر النزاع لتعلقه بأعمال السيادة، أنه لا ارتباط بين الأخطار التي تحدثت عنها الحكومة وبين الأسباب التي تضمنتها المذكرة الإيضاحية لمرسوم الضرورة، فضلاً عن عدم وجود ارتباط بين الأخطار الخارجية والداخلية التي تمس كيان الدولة والأمن الاجتماعي والاقتصادي فيها، والتي أشار إليها خطاب سمو أمير البلاد في 19/10/2012 وبين المرسوم بقانون محل التداعي، لأن المذكرة الإيضاحية لذلك المرسوم حين كشفت عن الغاية من اصدار ذلك المرسوم وبينت بواعث إصداره لم تشر من قريب أو بعيد إلى الأخطار الخارجية والداخلية التي تحيق بالبلاد التي أشار إليها خطاب سمو الأمير، بل تحدثت عن السلبيات والمثالب المتعلقة بالعملية الانتخابية التي هددت وحدة الوطن ونسيجه الاجتماعي، الأمر الذي استوجب إعادة النظر في هذه المادة لمعالجة أوجه القصور والسلبيات التي تشوبها للحد من آثارها والارتقاء بالممارسة البرلمانية لتحقق الغايات الوطنية المنشودة وأهمها تحقيق المشاركة الفعالة لجميع أبناء الوطن في إدارة شؤون البلاد، وبما يحافظ على وحدة الوطن والقضاء على أمراض العصبية الفئوية ومظاهر الاستقطاب الطائفي والقبلي التي تضعف مقومات الوحدة الوطنية وتؤدي إلى فرقة المجتمع وتفتيته وتخل بتمثيل البرلمان للامم تمثيلاً صحيحاً.

وقال إن هذا التعديل الذي جرى على قانون الدوائر لا علاقة له بالأخطار الخارجية والداخلية التي تحيق بالوطن، فليس من شأنه أن يدفع هذه الأخطار، أو أن يحد من تأثيرها، وإنما هو مجرد تنظيم وتحسين للنظام الانتخابي جاء بعد دراسة عميقة ومتأنية.

وأوضح أن مثل هذه الدراسة العميقة المتأنية لا تتم في الاحوال التي يكون المطلوب فيها تدبيراً عاجلاً لمواجهة خطر داهم آتٍ من الخارج أو الداخل، وإنما هذه الدراسة العميقة المتأنية يتطلبها الإعداد لتشريع يستهدف وضع نظام انتخابي يرسخ المفاهيم الدستورية والديمقراطية الحقة، وهو ما يحتاج إلى تشريع دائم مستقر غير معلق على تصديق مجلس الأمة في أول انعقاد له، ويصدر بأداة التشريع الأصلية، وليس بالأداة الاستثنائية التي أجازها الدستور بشروط خاصة، أهمها أن يحدث ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير.

وبين أن «التجارب السابقة كشفت أن السلطة التنفيذية كثيراً ما تذرعت بذات الذرائع كلما أرادت أن تخرج على الشرعية الدستورية، فتبرر أي إجراء استثنائي تتخذه بأنه لمواجهة تلك الاخطار، ومع ذلك اثبتت الايام أن ذلك الاجراء لم يواجه الاخطار التي صدر من أجلها، وإنما ابقاها كما هي، بل وزادها خطورة».

وأكد العصيمي في مرافعته أن «مرسوم الضرورة الصادر الذي كان الهدف منه الحفاظ على الوحدة الوطنية تبين انه مزق الوحدة الوطنية وزادها انقساما وتشرذما وتناحراً وتصارعاً حتى بين أفراد الأسرة الواحدة، ومن ثم يكون ما جاء في مذكرة دفاع الحكومة من ربط بين الاخطار الخارجية والداخلية وبين صدور المرسوم رقم 20 لسنة 2012 توصلاً لاعتبار ذلك المرسوم من أعمال السيادة أمراً لا أساس له من الواقع على ما تقطع به المقارنة بين تلك الاخطار التي أشار اليها خطاب سمو الامير وتحديد الاهداف التي صدر من أجلها المرسوم محل النزاع، حسبما كشفت عنه مذكرته الايضاحية، كما أن التجربة العملية أثبتت أن مثل هذا الاجراء لم يفلح في مواجهة مثل تلك الاخطار».

 نتيجة شاذة

بدوره أكد المحامي حسين الغريب، في مرافعته امام المحكمة بذات الطعن، أنه لايمكن القبول بالراي القائل، كما تتمسك الحكومة، إن مرسوم الصوت المطعون عليه يعد من أعمال السيادة «لأننا لو افترضنا جدلاً أن مرسوم الصوت الواحد المشار إليه لم يصدر من سمو الامير كمرسوم من مراسيم الضرورة وإنما صدر من السلطة التشريعية الاصيلة وهي مجلس الأمة فإنه لم يكن من الجائز في تلك الحالة أن نمنع المحكمة الدستورية من بسط رقابتها على ذلك القانون، بزعم انه عمل من أعمال السيادة، وإذا كان الامر كذلك، أي أننا لو اخضعنا ذلك القانون للرقابة على دستورية القوانين إعمالاً للدستور ولقانون المحكمة الدستورية العليا لصار التشريع الذي يصدر من السلطة التشريعية الأصيلة، وهي مجلس الأمة، في مرتبة أدنى من التشريع الاستثنائي الذي يصدر في غيبة مجلس الأمة، وهي نتيجة شاذة تكشف عن فساد الرأي الذي ذهبت إليه مذكرة الحكومة.

وقال الغريب إن التشريع الذي يصدر من السلطة الأصيلة وهي مجلس الأمة أو من السلطة البديلة وهي السلطة التنفيذية في أحوال الضرورة لا يمكن أن يعد من أعمال الإدارة، وإذا كان جانب من الفقه والقضاء قد اعتبر بعض التشريعات من أعمال السيادة فإن هذا الاتجاه لم يكن منظوراً إليه من زاوية الجهة التي أصدرته أو صفتها حين اصداره، وإنما كان منظوراً إليه من حيث طبيعته التي عرفها حكم المحكمة الدستورية الذي أوردته الحكومة في مذكرتها، ومعنى هذا أن العبرة بتحديد ما يعد من أعمال السيادة أو ما لا يعد كذلك ليست بالجهة التي تصدرها أو بالصفة التي تصدرها بها أو مدى اختصاصها بإصدارها، وإلا اعتبرت جميع الأعمال التي تصدر من السلطة التشريعية سواء الأصلية (مجلس الأمة) أو البديلة (السلطة التنفيذية في حالة الضرورة ) أعمال سيادة، مما يمتنع معه على المحكمة الدستورية ان تبسط رقابتها عليها في أي حالة من الحالات، وهو ما لا يمكن التسليم به بل ولم تسلم به مذكرة الحكومة ذاتها.

وأضاف أنه «ليس أدل على عدم صحة الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر النزاع من أحكام المحكمة الدستورية ذاتها التي استشهدت بها الحكومة في مذكرة دفاعها موضوع الرد الماثل وأحدثها حكمها الصادر في الطعن رقم 26 لسنة 2012 بجلسة 25/9/2012 والذي كان يتعلق بطعن مماثل للطعن الحالي، وقضت فيه المحكمة الدستورية برفض الطعن تأسيساً على أن تحديد عدد الدوائر الانتخابية يدخل في مجال السلطة التقديرية للمشرع – ولو كان صحيحاً ما تذهب اليه الحكومة في مذكرتها محل الرد الماثل من أن تحديد عدد الدوائر يعد عملاً من أعمال السيادة لصدر الحكم بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر النزاع لأنه يتعلق بعمل من أعمال السيادة، ولما تصدت للموضوع وبينت أن الدستور لم يحدد عدد الدوائر وترك تحديدها للمشرع العادي، ومن ثم قضت برفض الدعوى.

سياسي لا قانوني

وعن الدفع بعدم اختصاص المحكمة بتقدير حالة الضرورة، قال الغريب إن الحكومة تؤكد ان حالة الضرورة الموجبة للتشريع الاستثنائي هي شرط سياسي لا قانوني، وهي بذلك تدخل في نطاق العمل السياسي الذي ينفرد رئيس الدولة بتقديره، وهذه الرقابة على العمل السياسي متروكة أصلاً للسلطة التشريعية دون القضائية في الأحوال العادية واستشهدت في ذلك بحكم صادر من لجنة فحص الطعون بالمحكمة الدستورية في الطعن رقم 2 لسنة 1982 بجلسة 28/6/1982، كما استشهدت كذلك بما جرت عليه المحكمة الاتحادية العليا الأميركية التي وضعت ضوابط تمنع من بحث ملاءمة التشريع أو التغلغل في بواعث إصداره، وهذا الدفع مردود عليه لأن الحكم المستشهد به صادر عام 1982وقد تعرض لنقد شديد من الفقه الدستوري، على ما تناولناه تفصيلاً في صحيفة الدعوى، وفي تأصيل هذه المسألة، قال الخبير الدستوري د. عثمان عبدالملك في مؤلف الدستوري إنه «إذا كان المشرع الدستوري يتطلب توفر حالة الضرورة لأعمال السلطة الاستثنائية في إصدار مراسيم لها قوة القانون فإن رقابة المحكمة الدستورية تمتد إلى هذا الشرط للتحقق من قيامه باعتباره من الضوابط المقررة في الدستور لممارسة هذه الرخصة».

وأضاف الغريب أن عبدالملك يؤكد انه «إذا كان الدستور يتطلب هذين الشرطين (وهما غيبة المجلس التشريعي وتوفر حالة استثنائية يتعين مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير) فإن رقابة المحكمة الدستورية العليا تمتد إليهما للتحقق من قيامهما باعتبارهما من الضوابط المقررة بالدستور لممارسة ما نص عليه من سلطات».

وبين أن الدستور في المادة (71) إشترط لإصدار مرسوم بقانون في مثل الحالة المطروحة شرطين: الشرط الأول أن يصدر هذا المرسوم في غيبة مجلس الأمة، والشرط الثاني أن يحدث في غيبة المجلس ما يستدعي اتخاذ تدابير عاجلة لا تحتمل الانتظار إلى أن يعود مجلس الأمة من غيبته، لافتا إلى أنه ولمراقبة مدى توفر هذين الشرطين لا تعد من الملاءمات المتروكة للسلطة التنفيذية وإنما هما شرطان فرضهما الدستور يتعين مراقبة مدى توفرهما وينعقد الاختصاص بهذه المراقبة للمحكمة الدستورية الأمينة على تطبيق أحكام الدستور تطبيقاً سليماً مبرأ من كل عيب، ومن ثم فإن القول بأن الرقابة على توفر حالة الضرورة التي تطلبها لإصدار مراسيم بقوانين في غيبة مجلس الأمة تعد رقابة على الملاءمة لا يكون له أساس من الواقع.

وأوضح الغريب أن الرقابة القضائية على المراسيم بقوانين هي الضمانة الدستورية الحقيقية للفصل بين السلطات، فهي تهدف الى مقاومة الميل الطبيعي للسلطة التنفيذية الى التغول على اختصاصات السلطة التشريعية الذي كان – ومازال – هدفاً اساسياً للحكومة من خلال تنقيح المادة 71 والمحاولات السابقة في عدد من المجالس السابقة.