ما قل ودل: أزمة القضاء والتيار الإسلامي في مصر

نشر في 12-05-2013
آخر تحديث 12-05-2013 | 00:01
 المستشار شفيق إمام رجال القضاء والعمل السياسي: من الضمانات الأساسية لاستقلال القضاء النأي برجاله عن العمل السياسي، وأن يظلوا بعيدين عن الصراعات السياسية والخلافات الحزبية، غير خاضعين لأى تأثير من جانب أي من القوى السياسية حتى يستطيعوا أن يفصلوا فيما يطرح عليهم من منازعات بتجرد، وحَيْدة تامة بين الأطراف المنتمية لاتجاهات وأحزاب سياسية مختلفة، وحتى يكون قضاؤهم نابعاً من تطبيقهم السليم للدستور والقانون ومن وحي ضميرهم الحي، بعيداً عن الميل أو الهوى لاتجاه حزبي أو تيار سياسي، وحتى يكونوا قادرين على حماية حصن استقلالهم أمام الحكومات المتعاقبة ذات الميول الحزبية والسياسية المتضاربة، ولعل المعركة الطويلة التي خاضها القضاء الإيطالي ضد الفساد، والتي واجهت التحدي من قبل الأحزاب السياسية لهي خير دليل على ذلك، فقد استطاع أصحاب الأيدي النظيفة من القضاء الإطاحة بعدد من رموز الحياة السياسية في إيطاليا والذين ينتمون إلى عدد من الأحزاب الكبرى ذات النفوذ، ولم يجد سيلفيو برلسكوني رئيس الوزراء السابق وسيلة للدفاع عن نفسه إلا اتهام قضاة ميلان بأنهم كانوا يلاحقونه لأسباب سياسية، ومن هنا حرصت قوانين تنظيم القضاء في كثير من الدول على اعتبار انتماء الشخص إلى أحد الأحزاب السياسية، مانعاً من تعيينه في المناصب القضائية، نأياً بهم عن الشبهات وتوكيداً للمبادئ الديمقراطية وصوناً للحقوق الدستورية للمواطنين التي تكفل لهم المساواة أمام القضاء، ولا يمكن أن تتحقق هذه المساواة، إذا بدا ميل من القاضي إلى أحد، وخاصة في المنازعات التي تشجر بين الأحزاب بعضها ببعض في الانتخابات البرلمانية أو في الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية أو الرقابة القضائية على دستورية القوانين.

الفكر الماركسي:  وهو فكر يختلف تماماً عن الفكر الماركسي الذي عبر عنه لينين بقوله إن المحكمة هي أداة البروليتاريا والطبقة العاملة، كما عبر عنه فقيه سوفياتي بارز هو فيشنكي بقوله: إن القاضي السوفياتي يجب ألا يخضع للمنطق القانوني المجرد، بل عليه التعبير عن سياسة الحزب، وأنه في حالة التنازع بين القانون وتعليمات الحزب، فعلى القاضي ألا يتردد في رفض تطبيق القانون والخضوع تماماً لتوجيهات الحزب التي تمثل بالنسبة إليه القانون الأسمى، وهو فكر يكاد يكون قد اختفي من البلاد التي كانت تدين به بعد انحلال الاتحاد السوفياتي وانفتاحه على التعددية السياسية والحزبية.

المشروع الإسلامي:  ولكن هذا الفكر يعود إلى مصر تحت عباءة "المشروع الإسلامي"، وهي المعادلة الصعبة التي فجرت الأزمة بين القضاة ونظام الحكم في مصر، فالقضاة يطبقون القانون ولا يصنعونه، ونظام الحكم في مصر عاجز في هذه المرحلة حتى الآن عن وضع القوانين التي يطالب بها التيار السلفي، والقاعدة العريضة من أنصاره في حزب الحرية والعدالة، بالتضييق على حرية الفكر وحرية الرأي وحق التعبير، وحرية الفن وحرية السينما والمسرح والإعلام، وقد أعلن الرئيس أمام العالم أجمع، أن مصر دولة مدنية.  ومن هنا يقود التيار الإسلامي في مصر حركة الاحتجاج على الأحكام القضائية، التي لا تطبق آراء أحزابهم وأفكارها، ومن هذه الآراء التي يتفاخرون بها قذف المحصنات من الفنانات.

الفنانة إلهام  شاهين:  ومن هذه الأحكام الحكم الذي أصدرته إحدى المحاكم في مصر والذي تأيد استئنافيا، وذلك بحبس الشيخ عبدالله بدر لمدة سنة، لقذفه الفنانة إلهام شاهين، واتهامها بالزنى في ما تمثله من أدوار في الأفلام السينمائية التي تقوم ببطولتها.  وقد جاء هذا القذف علناً على إحدى القنوات الفضائية، والمتهم يقضي الآن عقوبته في السجن، وهو ما أدى إلى اندلاع مظاهرة للتيار الإسلامي احتجاجاً على الحكم الذي أصدرته المحكمة، من قضاة يطبقون القانون ولا يصنعونه.

ولكن للنظام مآرب آخرى:  وطالب المتظاهرون الرئيس بعفو رئاسي عن العقوبة المقضي بها، مما أوقع الرئيس في حرج بالغ أمام التيار الإسلامي، فصدور هذا العفو يتناقض والحريات في الدولة المدنية، ومنها كفالة وحماية حرية الفن وحرية السينما، والدولة المدنية هي شعار النظام. ولكن النظام الحاكم، بالرغم من ذلك، فإنه يشجع على هذه التظاهرات، ليحقق مآربه الأخرى وهي:  1- تنفيذ خطته في عزل 3500 مستشار، باعتبار أن احتجاج هذه التظاهرات على هذه الأحكام، وما تطالب به من تطهير القضاء، يضع بين يديه مبررات عزل 3500 مستشار، وهي أنها استجابة للمطالب الشعبية.

2- تنفيذ خطته في إحلال من يحل من التيار الإسلامي محل القضاة المعزولين، ليطبق قضاته أفكارهم ومعتقداتهم، في كبت ومصادرة الحريات العامة وحق التعبير، ولو تعارضت أحكامهم مع أهداف ومقومات الدولة المدنية، ويومها سوف يبرر النظام الحاكم موقفه بأن القضاء مستقل وأن القضاة مستقلون بنص الدستور.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top