ما الذي حدث بالضبط مع الذهب «الحبيب إلى القلوب»؟
استقر في أحضان السوق الهابط بعد أسرع هبوط منذ الثمانينيات
أدت الأزمة في قبرص إلى عودة مشاعر القلق حول منطقة اليورو - وكان يبدو عليها أنها تؤكد أسوأ مخاوف لعدد من مستثمري الذهب الذين يعتقدون أن السوق صاعد - ومع ذلك لم يتعرض الذهب إلى تأثير يُذكَر. ثم اشتعل التوتر مع كوريا الشمالية واتخذت البيانات الاقتصادية الأميركية منحى سلبيا أكثر من ذي قبل، ومع ذلك لم يتأثر الذهب.
هناك حكمة قديمة تجري على ألسن المتداولين، مفادها أن السوق إذا لم يكن صاعدا فلابد أنه هابط.توقف الذهب عن الصعود في سبتمبر 2011، حين لامس أعلى مستوى قياسي عند 1920 دولارا للأونصة. لكن ما كان بالأمس تراجعا محسوبا تحول إلى اندحار، إذ تهاوى المعدن الثمين أكثر من 100 دولار للأونصة خلال ساعات ليصل إلى أدنى مستوى له منذ سنتين، عند 1355 دولارا، ما يعتبر أسرع هبوط منذ نهاية السوق الصاعد في الثمانينيات.ويقول ديفيد جوفت، رئيس قسم المعادن الثمينة في شركة مارِكس سبِكترون للوساطة: «أنا أقول بِصِدْق إني لا أتذكر حركة مثل هذه منذ زمن طويل للغاية».وسببت شدة الهبوط، التي لم تكتسح الذهب وحده، وإنما جرجرت معه معادن ثمينة أخرى ومجموعة من السلع، صدمة لكثير من مستثمري الأجل الطويل في الذهب.وبحسب جوناثان سبول، مدير قسم المعادن الثمينة لدى بنك باركليز، أخذ الناس على حين غرة جراء السرعة الشديدة التي تحركت بها السوق. وقال: «هناك من يسألني، يا للهول ما الذي حدث»؟إذن، ما الذي حدث بالضبط مع الذهب وهو الاستثمار الحبيب إلى قلوب شركات التقاعد الألمانية المحافظة، والمضاربين الصينيين، وحزب الشاي الجمهوري على حد سواء؟واعتبر توم كِندال، المحلل الاستراتيجي للمعادن الثمينة لدى بنك كريدي سويس في لندن: «أن البحث عن العامل المساعد الوحيد «الذي تسبب في سقوط الذهب» ربما لا يكون هو المنهج السليم».مشاعر سلبيةبدلا من ذلك يقول المتداولون كان هناك تيار من المشاعر السلبية يكتسب زخما في سوق الذهب منذ بضعة أسابيع. وكان المستثمرون قد فقدوا الاهتمام أصلا بالمعدن الثمين مع مطلع العام، حين كانوا يرون فرصا أفضل في أسواق الأسهم وسط علامات على الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة. فقد شهدت صناديق الذهب «التي يجري تداولها كالأسهم» تدفقات خارجية صافية سجلت رقما قياسيا بلغ 9.2 مليارات دولار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2013، وهي أكبر تدفقات خارجية فصلية في التاريخ، وفقا لـ «إي تي إف سكيورِتِز».وفي الفترة الأخيرة أخفقت مجموعة من الأنباء التي يفترض أنها تتحدث عن سوق صاعد، في تحفيز اندفاع للذهب. أزمة قبرصوأدت الأزمة في قبرص إلى عودة مشاعر القلق حول منطقة اليورو - وكان يبدو عليها أنها تؤكد أسوأ مخاوف لعدد من مستثمري الذهب الذين يعتقدون أن السوق صاعد، وهي مخاوف تتعلق بميل الحكومات إلى وضع يدها على ثروات المواطنين - ومع ذلك لم يتعرض الذهب إلى تأثير يُذكَر. ثم اشتعل التوتر مع كوريا الشمالية واتخذت البيانات الاقتصادية الأميركية منحى سلبيا أكثر من ذي قبل، ومع ذلك لم يتأثر الذهب. ووفقا لديفيد روز، رئيس القسم العالمي لتداولات المعادن في «إتش إس بي سي»: «كانت المشكلة عجْز الذهب عن الاندفاع، بسبب أي شيء يمكن أن يُعتبَر من السوق الصاعد خلال الأسابيع القليلة الماضية».وتبين في الأسبوع الماضي أن قبرص وافقت على بيع نحو عشرة أطنان من احتياطي الذهب، مساهمة منها في عملية إنقاذ دولية - ما أرسل موجة من الخوف بين متداولي الذهب الذين كانوا يفترضون في السابق أن احتياطيات الذهب في منطقة اليورو من الأمور التي لا يجب المساس بها. ويقول سبول: «أعتقد أن موضوع قبرص أمر كبير بالفعل». بالتالي حين بدأت الأسعار بالهبوط يوم الجمعة الماضي لم يكن هناك ميل للمستثمرين للتدخل والشراء. ويقول متداولون: إن المستوى الأدنى للسوق، على المدى القصير، يرجح له أن يتقرر بقوة الشراء من المستهلكين الذين يشترون الذهب بشكله المعدني، مثل الهند والصين، إلى جانب البنوك المركزية في بلدان الأسواق الناشئة التي تستمر في تكويم الذهب.طلب هندي لكن في حين أن الطلب الهندي قفز في الأيام الأخيرة، بسبب التراجع في الأسعار، يظل الطلب من الصين خافتا، كما يقول متداولون. وبحسب كِندال: «الأمر إلى حد ما يعود إلى إضراب المشترين. كل مستوى فني كان الناس يعتقدون أنه متين، تم اختراقه بسهولة». وبعض الناس على الأقل لا يزالون عند إيمانهم بالذهب. ومن هؤلاء جون بولسون، وهو من أبرز المستثمرين في الذهب، الذي لا يزال يعتقد، وفقا لأشخاص مطلعين على طريقته في التفكير، أن التوسع في الميزانيات العمومية للمصارف من خلال «التسهيل الكمي» والسياسات الأخرى في الولايات المتحدة واليابان وسويسرا وبريطانيا ستشعل فتيل التضخم وتعزز أسعار الذهب. لكن عددا متزايدا من مستثمري الأجل الطويل يشككون في هذه الحكاية. ويقول ألان رَسْكِن، وهو محلل استراتيجي لدى دويتشه بانك في نيويورك: «هذا ليس سوقا يخاف من تضخم أسعار السلع». ويضيف: «المخاوف التضخمية في السوق وأثر التسهيل الكمي على تضخم أسعار السلع تم تأجيلهما، وفي أثناء ذلك فإن الأثر المباشر للتسهيل الكمي هو دفع التضخم في الأصول «الأسهم والإسكان» إلى أعلى». والواقع أن الهبوط الشديد بالأمس لم يكن مقصورا على الذهب، لأن أسعار السلع الأخرى تراجعت أيضا. وكان الهبوط في سعر الفضة عجيبا تماما، إذ هبط في مرحلة معينة بنسبة تزيد على 10 في المئة، وتراجع النفط نحو 3 في المئة، وفقدت المعادن ما بين 3 و7 في المئة خلال يوم. ويقول كِندال من كريدي سويس: «هناك خوف كامن يستولي على الناس، مفاده أن الانكماش الاقتصادي سيعود إلى السوق. تستطيع البنوك المركزية أن تضمن السيولة والمخاطر المالية، لكنها تستنفد الآن مواطن قوتها فيما يتعلق بإبقاء الاقتصاد مستمرا في العمل». والأسئلة التي تثار الآن بخصوص التبرير الداعي إلى امتلاك الذهب على الأجل الطويل، تفتح إمكانية أن يكون من الممكن أن يشهد السوق موجة أخرى من البيع بمجرد انتعاش الأسعار. ويقول روز من «إتش إس بي سي»: «الأسواق التي كانت متوترة إلى هذا الحد، لفترة طويلة إلى هذا الحد، تستغرق وقتا أطول قليلا من بضعة أيام حتى تتخلص من التوتر وتعود إلى طبيعتها. لكن حين تستقر الأمور سيكون الوضع جذابا».*فايننشال تايمز