عندما تصبغ سماحة الدين بألوان الظلام والعتمة، ويُقذف كل ما هو جميل بتهمة الكفر والزندقة، ويوضع كل فكرٍ مخالف في خانة الشرك والإلحاد، وتُغسل أدمغة البشر بفتاوى التكفير والخروج من الملة، وعندما يغلق تجار الدين كل الطرق المؤدية إلى الجنة، ويوهمون الناس بأن دروب الفردوس الأعلى لا تكون إلا على أنقاض جثث الأبرياء وبين شلالات الدم... حين ذاك تنقلب الموازين، ويُقتل من يشهد أن لا إله إلا الله باسم دين الله وقربه إلى الله.

Ad

 فأولئك التكفيريون مثال حي لمقولة الإمام الحسين- عليه السلام- "الناس عبيد الدنيا والدين لعِقٌ على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معايشهم...". فهم يشرعنون ما يشاؤون من أجل الحفاظ على مصالحهم ولا يترددون في سبيل دنياهم أن يفتتوا كل معالم الدين، ويسحقوا معاني الإنسانية ويذبحوها ويقدموها قرباناً على أعتاب أهوائهم وحسب شريعتهم المريضة!

إن خبر التفجير الإرهابي الذي حصل منذ يومين في مدينة كربلاء المقدسة، وبالقرب من العتبة الحسينية المباركة ليس بالأمر المستغرب، بل على النقيض من ذلك، هو الوقود الحقيقي الذي يحفز تلك الحشود المليونية للسير نحو كربلاء في ذكرى أربعين "أبو الشهداء" كل عام، وهو مصداق لقول الإمام الحسين: "إن الموت لنا عادة، وكرامتنا من الله الشهادة".

كما أنه يمكن اعتبار ذلك تجسيدا عملياً لهذه المناجاة:

تركت الخلق طُرّا في هواك

أيتمت العيال لكي أراك

فلو قطعتني في الحب إرباً

لما مال الفؤاد إلى سواك

فخذ ما شئت يا مولاي مني

أنا القربان وجّهني نداك

أنا المشتاق للّقيا فخذني

وهل لي مُنية إلا لقاك

وإن جاز للمرء أن يستغرب، فالعجب كل العجب يجب أن يصب في رؤوس تلك النفوس البائسة، الرافضة في داخلها لتلك الفعلة الشنيعة التي أراد من قام بها النيل من ضريح سبط رسولنا الكريم، إلا أنها مكبلة بقيود الطائفية المقيتة التي تمنعها من التعبير عن رفضها لتلك الجريمة، خوفا من ردة فعل مجتمعات مريضة أنهكها التفتيت المذهبي، وقسمها ملوك الطوائف إلى كانتونات تسكنها الطفيليات، وكأن الإمام الحسين حكر على طائفة دون غيرها!

وليعلم كل صاحب عقل، أن سيوف الطغاة، وعلى مدى أكثر من ١٤٠٠ عام، لم تتمكن من قتل عطاء الإمام الحسين عليه السلام، ليأتي اليوم من يعتقد واهماً أن عبوة ناسفة تستطيع منع نهر التضحية والإباء الحسيني من التدفق في شرايين كل الأحرار في هذا العالم!