قبرص... الجزيرة التي هزت القارة
عندما تفجِّر دولة صغيرة مشكلة كبيرة
لا يساعد التدخل المقترح في قبرص، المرفوض من قِبَل برلمان نيقوسيا، على خروج منطقة اليورو السلس من موجة الأزمات. وفي الواقع، ينبغي أن يكون هذا المأزق بمثابة درس حول كيفية عدم التعامل مع مشكلات الديون السيادية والمالية.
الجمل، على ما يقال مجازاً، حصان تم تصميمه من قِبَل لجنة، هذا ليس من العدل للإبل، التي تتكيف مع بيئتها القاسية بشكل جيد.الأمر نفسه، مع الأسف، لا يمكن أن يقال مع برامج الإنقاذ في منطقة اليورو.إن التدخل المقترح في قبرص، المرفوض من قِبَل برلمان نيقوسيا، لا يساعد على خروج منطقة اليورو السلس من موجة الأزمات.في الواقع، ينبغي أن يكون هذا المأزق بمثابة درس حول كيفية عدم التعامل مع مشكلات الديون السيادية والمالية. دعُونا نبدأ مع السبب في أن بعض عمليات إعادة هيكلة المصارف، أمر لا مفر منه: حكومة قبرص مثقلة بالديون، ومسؤولة عن القطاع المصرفي على حد سواء، ما يجعل الحالة بالتأكيد أكبر من أن يتم إنقاذها. وفقاً لصندوق النقد الدولي، بلغ إجمالي الدين الحكومي 87 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، وسوف يصل إلى 106 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2017، حال عدم الإنقاذ. التصنيف الائتماني السيادي هو أيضا أقل بكثير من درجة الاستثمار: تصنيف وكالة ستاندرد آند بورز يضع قبرص عند الدرجة: سي سي سي. ليس من المدهش أن: القطاع المصرفي لا يزال يملك أصولاً أكثر بسبع مرات من الناتج المحلي الإجمالي. تقف المصارف على حافة الانهيار، ولكن البنك المركزي الأوروبي، هو من سحب السدادة من خلال التهديد بعدم قبول دين القبارصة الحكومي، كضمان مقابل دعم السيولة. يجب على المصارف إعادة الرسملة، ولا يمكن لدافعي الضرائب القيام بذلك، من تلقاء نفسهم، دون فرض ضرائب على المودعين، ينبغي أن تكون حزمة الإنقاذ المقترحة بقيمة 17.2 مليار يورو، بدلاً من 10 مليارات يورو، أي نحو 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. قد يؤدي هذا إلى بلوغ الديون السيادية نحو 160 المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو عبء لا يمكن تحمّله. في الواقع حتى خطة الإنقاذ الفعلية تبدو كذلك فوق التحمّل، لأنها على ما يبدو تدفع إجمالي الدين إلى 130 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. في إطار البرنامج، يفترض أن ينخفض الدين العام إلى 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2020. يتطلب تحقيق ذلك تشديد مالي كبير وإقراض قبرص بشروط ميسرة، ولكن لا تزال إعادة هيكلة الدين العام مجرد أمر محتمل، وفق نصيحة هاملت: إن لم يكن الآن، سيحدث ذلك لاحقاً. هل هناك أي بديل للإنقاذ الداخلي؟ نعم: إعادة رسملة المصارف مباشرةً بواسطة منطقة اليورو، وبالنسبة لها فإن المبلغ المطلوب أمر سهل. إذا فعل الاتحاد المصرفي هذا، قد يحدث ذلك، وإن لم يفعل، فقد يكون السبب هو أن البلدان الأساسية، لا تريد إنقاذ الأنظمة المصرفية المُدارة بشكل سيئ، مثل مخبأ الرساميل الروسية في الخارج، الكامن في الصيرفة القبرصية. لن يتحقق الاتحاد المصرفي قبل تجاوز أخطاء الماضي، ووضع ترتيبات جديدة.ننتقل إلى إذا كان ما حدث صحيحاً. الجواب هو: نعم، على الرغم من أنه كذلك إلى حد ما، فحسب. يصرّ العديد على أن أي ضريبة على الودائع هي بمثابة سرقة، هذا هراء، المصارف ليست مجرد خزائن. إنهم مديرون لموجودات مرسملة رقيقة يقطعون وعداً بإعادة أموال المودعين عند الطلب وبسعر الإصدار، ولا يمكن أن يبقى ذلك دائماً دون مساعدة من دولة ميسورة. أي شخص يقرض المصارف يجب أن يفهم ذلك، من غير المعقول أن المصارف - الأعمال المالية المنطوية على المجازفة - يمكن أن تعمل دون تعريض بعض فئات المقرضين، على الأقل للخسائر. بخلاف ذلك، ديون المصرف هي ديون حكومية، لا يمكن السماح لأي أعمال خاصة بالمقامرة بأموال دافعي الضرائب بهذه الطريقة، ذاك من الواضح. تلك المسألة إذن ليست بشأن مبدأ أن المقرضين يمكنهم مواجهة خسائر، بل هي بشأن أي منهم قد يفعل ذلك وإلى أي مدى؟ على ما يبدو، ووفقاً لإصرار نيكوس أناستاسياديس، رئيس جمهورية قبرص، سيتم فرض الخسائر على الودائع دون 100 ألف يورو، أي الحد الأعلى للتأمين على الودائع في منطقة اليورو. الفكرة هي فرض الضرائب على الودائع الصغرى في حدود 6.75 في المئة، والكبرى منها عند 9.9 في المئة. قد يتغير ذلك الآن - ولأسباب وجيهة، ولكن التخلي عن السابق قد يعني رفع سعر الودائع فوق 100 ألف يورو إلى 15 في المائة، لرفع المبلغ المطلوب إلى 5.8 مليارات يورو. شيء جيد، كما أزعم، لكن الحكومة الروسية غير موافقة على ذلك، وكذلك القبرصية.السؤال الكبير هو: لماذا ينبغي على دافعي الضرائب القبرصيين العاديين إنقاذ المصارف؟ مع عدم الإنقاذ والحماية الكاملة للودائع تحت 100 يورو، قد ترتفع الضريبة على المتبقي (بعد السماح بـ 1.4 مليار يورو من محو صغار الدائنين) سيرتفع لأعلى من ذلك بكثير. هذا ظلم؟ لا. الحجّة الوحيدة ضد ذلك هي أن الحكومة، كوكيل لدافعي الضرائب، تخلق نظاماً مالياً خطراً. وفي الوقت نفسه يجب على دافعي الضرائب تحمل جزء من التكلفة. حتى الآن يؤدي الإنقاذ الداخلي إلى المخاطر. الحزمة الفعلية قيد المناقشة، هي التوازن بين الخوف من تلك التي تخلق المزيد من الذعر، وغيرها المصممة لمعالجة ‹›الخطر الأخلاقي››، قد تكون النتيجة أسوأ ما في الخيارين. إنها قد تدفع حقيقةً، بالمودعين الذين في مأزق، إلى الطيران نحو أماكن أخرى. في الوقت الذي ما زال دافعو الضرائب يتحمّلون جزءًا كبيراً من تكاليف الفشل.يدفعني ذلك إلى بعض من المخاوف الكبيرة.القلق الأول هو الصفقة نفسها. قرار فرض الخسائر على الودائع المؤمّنة، هو في الواقع خطأ كبير.(نعم، ذلك عجز، وليس ضريبة). لكن القرار بإنقاذ بعض الودائع لم يكن خطأً.على الرغم من أنه قد لا يحظى بالشعبية، إلا أن نظام اتخاذ قرار يحقّق ذلك، أمر ضروري، في قبرص وأماكن أخرى. هناك قلق آخر، ألا وهو التغطية الشاملة للضريبة، الذي لا يختلف من مصرف لآخر، إنه يسلب حتى كبار المودعين من حافز مراقبة اليسار المصرفي. ويأتي القلق الأكبر من ‹›الأزياء المصرفية الجديدة››، وهو كتاب من تأليف آنات آدامتي من ستانفورد ومارتن هيلونج من معهد ماكس بلانك، راجعته في وقت سابق من هذا الأسبوع. لدى المصارف القليل جداً من القدرة على امتصاص الخسائر، حيث تقف بشكل دائم على حافة الكارثة. حالة قبرص تُعتبَر مثالاً صارخاً. وراء كمية صغيرة من الأسهم، يقف نحو 2.7 مليار يورو في سندات غير مضمونة (2.5 مليار يورو للصغار و200 مليون يورو للكبار)، لتحمي 68 مليار يورو من الودائع. بشكل صحيح أو دونه، حتى القروض بين المصارف، تحتمت عدم قابليتها للمساس.هذا الهيكل يضع السلطات ليس في قبرص فحسب، ولكن في كل مكان تقريباً، أمام معضلة رهيبة: إما إنقاذ جميع المؤسسات، وبالتالي التأكد من صحة نماذج الأعمال المعرّضة للخطر، أو في أسوأ الأحوال، وضع ملاءة الحكومات في خطر، أو رفض إنقاذها، وبالتالي المخاطرة بالتسبب في أزمة اقتصادية في الداخل والذعر في الخارج، ولا سيما في منطقة اليورو المتكاملة بإحكام. يجب على منطقة اليورو: إما أن تجعل الصناعة أكثر عنفواناً، عن طريق زيادة رأس المال بصورة هائلة، أو عبر تعزيز القدرات المالية وتشديد التنظيم الرقابي، لضمان ما يكفي من الإشراف واسع النطاق والدعم المالي لمنطقة اليورو. ما يدعو للخوف ليس دخول قبرص الصغيرة في أزمة، ولكن كونها مصدراً للخطر على نطاق أوسع. الصيرفة أمر خطير في كل مكان. إنها لا تزال تهدد بقاء منطقة اليورو، وهو وضع ينبغي أن يتغيّر، قريباً جداً.* (فايننشال تايمز)