لكي تستقيم الحياة، وتستقر، وتتوازن، فلابد أن يُعاقَب الطغاة. كان ذلك حلماً مُعلَناً للمصلحين السلميين، الذين لاحظوا عبر الأزمان أن كثيراً من الطغاة الذين ارتكبوا مجازر وإبادة جماعية ضد البشر، يجدون في الغالب ملجأً لهم، ومخرجاً آمناً، وربما "حياة كريمة" إما عن طريق تسوية سياسية، أو عن طريق فرار مفاجئ، أو إخراج قسري من ساحة الوغى، على طريقة المثل "كل ساقط له لاقط".

Ad

الإفلات من العقاب كان، وربما مازال، يمثل نقطة الانطلاق لارتكاب جرائم أكثر بشاعة، بل قد تجد طاغية مجرماً، قتل من الناس أكثر مما أحيا، وسفك دماء دون حدود، وامتهن إبادة جماعية، قد يتحول بين عشية وضحاها إلى بطل بسبب تبدُّل الأحوال السياسية وتغيّرها.

نظام معاقبة الطغاة بسبب ارتكابهم جرائم حرب أو إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية، كما يطلق عليها القانون الجنائي الدولي، قد عانى أشد المعاناة من الإهمال المقصود، والحرب الشعواء من الطغاة أفراداً وجماعات، ومن الأنظمة ديكتاتورييها وديمقراطييها على حد سواء، إلا أن عظمة الفكرة وقوتها تكسب أرضاً كل صباح، رغماً عن الوعثاء وطول السفر. فلم يكن مستغرباً أن تتفق إسرائيل وأميركا والدول العربية (عموماً) على مناكفة ورفض الانضمام إلى اتفاقية روما التي أنشأت المحكمة الجنائية الدولية سنة 1998، وهي مسألة وقت فقط حتى يبدأ الرافضون في التراجع، والانضمام إلى الاتفاقية ومحاولة التفاهم مع قوة الفكرة وتهافت معارضيها وتساقط حججهم، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة التي مازالت تبذل كل ما بوسعها لإفشال المحكمة، عن طريق إبرام الاتفاقيات الثنائية مع دول العالم لإعاقة تطبيق الاتفاقية عليها، أو محاولة استغلال المحكمة لتحقيق هدف سياسي محدود هنا أو هناك.

النظام الدولي لمعاقبة الطغاة لم يعد حلماً بل أمراً واقعاً يسير على قدمين، يتطور ويقوى مع الوقت، ولم يعد مجرد أفكار من عند أشخاص مثاليين حالمين لا يدركون الواقع، بل صار له مساجين وراء القضبان، ولذا صار على الطغاة أن ينتبهوا، فالطائرة توشك أن تقلع، وصار عليهم أن يربطوا أحزمة الأمان جيداً، قبل الارتطام، وارتطامهم هذه المرة سيكون فيه خير للبشر والإنسانية جمعاء.

وللحديث بقية