«أتمنى أن يبقى الجيش بعيداً عن السياسة لكنه سيتدخل إذا حدث عنف ضد المعارضين»
في المقر المتواضع لـ«التيار الشعبي» بالقاهرة يخرج المعارض المصري البارز حمدين صباحي من لقاء مع عشرات الشباب المجتمعين للتخطيط لتظاهرات مليونية «إسقاط دولة الإخوان» المقررة غداً، في ذكرى ثورة 25 يناير، إلى اجتماع آخر مع قيادات عمالية وفلاحية ترغب في الترشح للانتخابات البرلمانية على قوائم «جبهة الإنقاذ الوطني» المتحدية لسطوة الجماعة نفسها، لا يقطع اجتماعاته الطويلة إلا لأداء الصلاة أو تلقي تقرير من أحد مساعديه الذين ينادونه باسمه الأول مجرداً من أي ألقاب.الرجل الخمسيني الذي تحولت صورته إلى أيقونة لدى الشباب المصريين لا يبدو نادماً على رفضه منصب نائب رئيس الجمهورية الذي عرضته عليه «الإخوان» مرتين، ويقول القريبون منه، إنه غير مكترث بحملة «التشويه» التي تشنها ضده الجماعة منذ اختار طريق معارضة الرئيس محمد مرسي، مكتفياً بـ»التفاف المصريين حوله حباً ومساندة في أي مكان يذهب إليه».التقت «الجريدة» صباحي الذي جاء مرتدياً بزة رسمية فوق بنطال «جينز» وكأنه دون أن يقصد يشير من جديد إلى حيرة بين طريقين: الانتخابات أم استكمال الثورة، لكنه يؤكد في حواره أن سقف التظاهرات لن يحدده هو رغم قيادته المعارضة بل هو قرار المتظاهرين أنفسهم.وفجر حمدين صباحي مفاجأة بإعلانه أنه يرغب في تأسيس تحالف سياسي مع السلفيين بعد الانتخابات لتشكيل حكومة ائتلافية.وفي ما يلي نص الحوار:• دعنا نبدأ من آخر الاتهامات الموجهة إليك بعد سقوط تهمة التنسيق مع الفلول، الآن الانتقاد الأساسي، هو أنك مع قادة "جبهة الإنقاذ" تخاذلتم عن إسقاط الرئيس محمد مرسي يوم الثلاثاء 4 ديسمبر، حين وصل ملايين المتظاهرين إلى القصر الرئاسي واضطر مرسي للهروب؟- هذا الكلام مردود عليه، لأن النخب لا تحرك الكتل الجماهيرية العريضة، التي تصنع الثورات، والناس اختارت الذهاب إلى قصر الرئاسة ومحاصرته دون دعوة صريحة من جبهة الإنقاذ، وهذا طبيعي لأن الجماهير في الحالة الثورية تسبق الطلائع والقيادات، والشعب هو القائد الحقيقي منذ 25 يناير حتى الآن ولا يستطيع أحد أن يدعي غير ذلك.• هل يعني ذلك أن الموقف يمكن أن يتكرر غداً في مليونية ذكرى الثورة، وأنكم قد تخذلون الجماهير مرة ثانية؟- الوصف الحقيقي ليس خذلاناً، ولكن هو أننا ليس لنا سلطان على الجماهير، ومن الآن أؤكد لك أن العامل الحاسم هو موقف الشارع وليس النخب، فالتغيير يحدث منذ اندلاع الثورة، بسبب إيمان قطاعات شعبية واسعة بأن الأوضاع السائدة لا يمكن أن تستمر، هنا يلبي التغيير حاجة اجتماعية لجماعات من البشر فاض بها الكيل وتشعر أنها لا تستطيع أن تحيا بكرامة وبلقمة عيش كافية. النخبة هنا يقتصر دورها على حشد الهمم وتقديم اقتراحات. نجاح الحالة الثورية يتوقف حسب إيماني وتجربتي على ما أطلق عليه "المدد الرباني" وهذا هو ما ننتظره في 25 يناير.• وبالتالي هل سقف تظاهرات ذكرى الثورة يصل إلى دعوة لإسقاط النظام أم يكتفي بمطالب إصلاحية؟- جبهة الإنقاذ لم تدع في أي بيان رسمي لإسقاط النظام، الجبهة دعت لإسقاط الإعلان الدستوري، دعت لمنع جريمة تمرير دستور غير توافقي عبر الاستفتاء، أدانت محمد مرسي، ووصفته برئيس يفقد شرعيته الأخلاقية والسياسية ويفقد رضا الشعب، قالت إن مشروعيته القانونية تهتز، ولكن في الوقت نفسه أنا كنت مشاركاً في ميدان التحرير وكانت الهتافات هي إسقاط حكم المرشد. • هل استطاع الرئيس أن يرمِّم شرعيته الأخلاقية والسياسية بعد إلغاء إعلان نوفمبر؟- على العكس تماماً، أعتقد أنه زاد الشرخ، لأن ما حدث هو نوع من التحايل غير المقبول، ومحاولة الالتفاف هي نوع من عدم احترام ذكاء الشعب، الذي يحكمه والقوى السياسية التي تختلف معه، وما حدث هو أن عدوانه على القضاء واجتراءه على تعيين النائب العام، كما لو كان مجرد موظف في رئاسة الجمهورية دون احترام للفارق بين السلطة التنفيذية والقضاء المستقل، هذا الاعتداء على القضاء لم يمسه أي تصحيح، المدهش أنه يعترف بخطأه لكنه يستنكف أن يخرج على الشعب ويقول أسأت التقدير، لذلك لم يعتذر واختار المناورة بإلغاء الإعلان غير الدستوري، الذي أصدره وفي الوقت نفسه أبقى على آثاره ودعا لاستفتاء على دستور غير توافقي.• هل خسرتم هذه المعركة؟- بالتأكيد الخاسر الأكبر هو الرئيس، فقبل المعركة كان محمد مرسي رئيساً نختلف معه ولم نتحدث أبداً عن شرعيته القانونية أو السياسية أو الأخلاقية، وكنا نقبل دعوته لنا في القصر الجمهوري ونثق فيه رغم خلافنا، لكن بعدها، فقد كل ذلك، ولم يعد محل ثقة، وشرعيته صارت مجروحة، وكل ذلك بسبب أعماله، محمد مرسي كان رئيساً يؤيِّده البعض ويعارضه الآخرون، لكنه تحول إلى رئيس تذهب التظاهرات إلى قصره وتنعقد المليونيات أمام الأسوار، وأصبح رجلاً معلقاً في رقبته دم الشهداء الذين سقطوا حول سور القصر، ولا يوجد جدال حول أن هذه المعركة عبرت عن روح المقاومة لدى الشعب المصري، بعد أن كان هناك اعتقاد أن وصول مرسي للسلطة أمم التفاعل الشعبي والسياسي في مصر في مسار وحيد سيقوده الإخوان، لكنهم تجاهلوا الشعب المصري وقواه المعبرة عنه، فكانت النتيجة أنهم خسروا.• تتحدث عن الديمقراطية والعدالة ولكن هناك أيضا هدف الكرامة الوطنية... هل لديك مخاوف على استقلال مصر من مشروع الصكوك الإسلامية؟- إذا كان هذا المشروع يسمح ببيع أو تأجير أو حتى حق الانتفاع للملكية العامة في مصر، فأنا أعتقد أنه خطر على الاستقلال الوطني، لأننا نعرف حجم الأزمة الاقتصادية التي نعيشها، لو سمحنا ببيع أصول مصر فالأغلب أن المشتري سيكون جزءاً من المال السياسي الذي تدفق ليملك الاقتصاد ويؤثر على القرار.• تتحدث عن مال سياسي، فهل تلمح إلى طرف خليجي، تحديداً إلى قطر؟- لا نحتاج إلى تلميح، قطر لعبت دوراً يثير تساؤلات، الأدوار المعلنة التي لعبتها قطر، وأنا لا أتحدث عن تمويل سياسي للإخوان في الانتخابات، أتحدث فقط عن أن الإدارة القطرية أعلنت مراراً عن أرقام لدعم الاقتصاد المصري وهي مشكورة ونتمنى أن تساند كل الدول العربية مصر، لكن المشكلة هي الطريقة التي أدارت بها قطر هذه الإعلانات المتتالية عن المليارات وارتباطها بالدور الذي تلعبه قطر ما حوّل الأمر من مساندة - يمكن أن يعتبرها المواطن المصري نوعاً من رد الجميل من جانب أصغر دولة عربية تعبر عن امتنانها لأكبر دولة عربية - إلى شيء آخر تماماً يشعر فيه المواطن بالقلق كلما زاد الكلام عن الأموال القطرية، وفي كل الأحوال فإن المؤكد هو أن قطر لا تدعم الشعب بل النظام، والواضح تماماً أن هدفها هو تثبيت الإخوان في الحكم، وليس إنقاذ الاقتصاد المصري أو تحسين أوضاع المواطن.• ولماذا تدعم قطر "الإخوان"؟- هناك مصالح في المنطقة تتجاوز إمكانات قطر فهي تتعلق باتفاق دولي، أميركا طرف أساسي فيه، وهذا ما أعتقده، لأن جملة تحركات قطر مربوطة بالاستراتيجية الأميركية.• هل تتحدث عن سورية؟- أتحدث عن الجميع، سورية وليبيا ومصر والعلاقات بالصهاينة، فأنت أمام ظاهرة، وهو ما يفسر سبب أن المصريين ليسوا سعداء بالمليارات التي يعلن عنها القطريون لأنهم يشعرون أن ما يحدث لا يتضمن احتراماً لهم، والهدف ليس حل مشكلتي كشعب بل تثبيت حليف موجود بالسلطة، اللغة الموجودة بالشارع تقول، إن قطر تريد شراء المصريين، وهي لا تفهم أن المصري ليس معروضاً للبيع، هو يقبل ويرحب بأن يسانده شقيقه رداَ لجميل أو تعاطفاَ أخوياً أو رعاية لمصالح مشتركة أو فهماًَ لحقائق المنطقة، لكن عندما يتصور الشقيق أنه سيشتري قرار مصر بأمواله فهذا مهين جداً، فضلاً عن أنه لن ينجح في تحقيقه.• هل هذا هو مبرر انفتاح جبهة الإنقاذ على أطراف دولية، مثل اللقاء مع السيناتور الأميركي جون ماكين الذي تعمدت أنت شخصياً الغياب عنه؟- أعتقد أن جبهة الإنقاذ تحتاج كي تؤدي دورها إلى توصيل رؤيتها لكل الأطراف، وكل الدول المعنية بمصر، وأنا لست في قطيعة مع أحد ما عدا إسرائيل، وأنا لم أشارك لكنني موافق على الجلسة، ومع اللقاء بكل الأطراف في المجتمع والإدارة الأميركية، لأننا لن نتركهم يسمعون للإخوان فقط.• ما تصورك لمستقبل الدور السياسي للمؤسسة العسكرية؟- دورها السياسي أن تكون مؤسسة قوية معززة محل احترام الشعب المصري.• هذا موقفك لكنني أسأل عن توقعك؟- توقعي إذا أديرت التفاعلات الداخلية الحادة في ظل هذا الاستقطاب في مصر، فلابد أن تكون هناك إدارة تسمح بأن تكون ديمقراطية إما عبر صندوق انتخابات نزيه أو عبر ميدان يعبر عن رأيه سلمياً ولا يجابه بقمع، لكن للأسف تم الإخلال بهذه المعادلة في الحياة السياسية الداخلية في مصر، فالصراع الآن بلا قواعد، وحقوق الناس تتعرض للانتهاك، وإذا انزلق الأمر إلى درجات من العنف أعتقد أن الجيش سيكون مستدعى موضوعياً في هذه الحالة للتدخل.• هل التدخل سيحدث عندما قيادة الجيش تتصور أن الظروف تطالبها بذلك أم إذا سمعت نداءات شعبية؟- ليس ضرورياً أن يكون هناك نداء شعبي، لكن لو تحولت البلد إلى نوع من الاستباحة بدون قواعد من الطرف المنظم القوي، سوف تتدخل المؤسسة العسكرية ليس من أجل الحكم ـ فهذا غير وارد وغير مقبول ـ لكن لتحقيق الانضباط، وفقاَ لإرادة الناس ولن يلومه أحد لو حدث هذا التدخل، وما أتمناه أن يبقى الجيش المصري بعيداً عن أي تدخل في الشأن الداخلي، لكن ذلك مرهون بالتفاعل الداخلي، الذي يتم على أساس قواعد الديمقراطية الواضحة وبدون إقصاء لأحد.• ماذا عن اللقاء الذي جمع جبهة الإنقاذ مع قادة وشيوخ السلفيين؟- أنا شخصياً سعيد بهذا اللقاء وكنت حريصاً عليه وهناك ما يجب إيضاحه للرأي العام في مصر، أولاً أن هناك قسمة زائفة جائرة ليس لها أساس قسَّمت المصريين إلى إسلاميين ويساريين أو ناس مع الدين وناس ضده، وكلنا نعرف أن هذا الكلام إفك، روّجته بعض الجماعات التي تستفيد من هذه القسمة، عند المواطن العادي، نحن نعيش في بلد كل أهله متدينون مسيحيين كانوا أو مسلمين، أتحدث عن التيار الشعبي وعن نفسي وعن مكونات "جبهة الإنقاذ" لأن هؤلاء يؤمنون بدينهم وحريصون على الشريعة، ولا ينبغي تسليم الدين لطرف في مصر ليستخدمه ويستغله، هذه القسمة زائفة ولابد من التعبير عن ذلك عبر البدء في حوار بيننا مع أطراف محسوبة على البلد.• وهل أثمر الحوار؟- من أهم إنجازات هذه الجلسة أننا اتفقنا على أننا بحاجة إلى مدونة سلوك بين الجميع تنص على رفض التكفير والتفسيق والاتهامات الطائشة وكذلك التخوين، وبعد ذلك سنجد مساحات واسعة للاتفاق والاختلاف ولكن فوق هذه الأرضية، وفي رأيي أن مصر تحتاج إلى هذا التفاهم وأن يمتد للكل، لكن ما يحول بيننا وبين مثل هذه التفاهمات مع "الإخوان" أنهم سلطة مستبدة وليس أنهم إسلاميون، وما يدفعني للجلوس مع السلفيين والجماعة الإسلامية وأي طرف آخر أنهم مصريون مثلنا ومسلمون مثلنا وليسوا في السلطة مثلنا.• وهل من الوارد أن يحدث تحالف انتخابي؟- ليس من الوارد حدوث تحالف أثناء الانتخابات، لكن الاحتمال الأكبر هو التحالف بعد الانتخابات أثناء تشكيل الحكومة.• هل تقصد تحالف لتصعيد نسبة الجبهة لتتجاوز نصف عدد البرلمان؟ - ليس هذا فقط، ولكن حتى لو فزنا بأكثر من نصف مقاعد البرلمان، وهذا احتمال قوى جداً لو أحسنا إدارة المعركة الانتخابية وتوقعاتنا أننا سنحصد ما بين 50% إلى 55% من المقاعد، ووقتها سيكون أيضاً من الأفضل أن نتحالف مع قوى آخرى لتشكيل حكومة مستقرة لا تعتمد على أغلبية محدودة، وسيكون هدفنا دائماً هو تشكيل تحالف برلماني واسع يصل إلى ثلثي مقاعد البرلمان لتشكيل حكومة قادرة على الإنجاز وتحسين أوضاع المواطنين.• تتحدث عن تخطيط من الآن لتشكيل حكومة ائتلافية بين الجبهة والسلفيين؟- بعيدا عن لغة المكاسب والخسائر ثبت للجميع الآن أن هناك توازنا قائما في المجتمع وفي الشارع والميدان وحتى في العنف، وواجبنا أن ننقل هذا التوازن إلى مؤسسات الدولة لتكون تعبيرا أكثر صدقا عن وضع المجتمع، ولهذا نعمل بجدية لإعداد مرشحينا في الانتخابات وتجهيز قوائم قوية، ومن غير المقبول أن يكون رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان والحكومة والشورى من نفس الجماعة ويحركهم هيئة غير منتخبة، وعلى الأقل في البرلمان والحكومة سيكون هناك توازن يفيد مصر، ولتحقيق هذا الهدف سنتحالف مع كل القوى في البرلمان ما عدا الإخوان، ولذلك فدعوتي الآن واضحة لابد أن نفتح حوارا منتظما مع كل القوى السياسية خارج السلطة للتفكير في كيفية إنقاذ مصر من استبداد "الإخوان".هل «الإخوان» عائق يعرقل أهداف الثورة؟بسؤالنا هل نستطيع أن نقول إن هذه المعركة أخرجت الإخوان المسلمين من معسكر الثورة وصاروا عائقاً يعرقل تحقيق أهدافها؟ أجاب: محمد مرسي كرئيس يعرف أن أول مطلب هو إقامة نظام ديمقراطي يصون الحرية والكرامة، لكنه يؤسس الآن نظاماً تسلطياً استبدادياً يعبر عن وجهة نظر جماعة أكثر مما يستوعب التنوع الموجود في مصر. ويعصف بمطلب الديمقراطية، أما العدالة الاجتماعية فمحمد مرسي وجماعته ليسوا من أنصارها، ولذا نجد أن الشعب المصري يعاني من ارتفاع الأسعار وانهيار قيمة الجنيه نتيجة انعدام الرؤية وغياب القرارات التي تحقق العدالة الاجتماعية والتنمية، والسؤال هنا لو كان هذا الرئيس لا يسعى في الاتجاه للديمقراطية أو للعدالة فكيف يستطيع أحد أن يصفه بأنه ينتمي الآن إلى الثورة؟ فمنذ الإعلان الدستوري نعتبر أن مرسي ضحَّى بالثورة من أجل حساب السلطة، وهو الآن مشروع مُستبد وديكتاتور صغير.
دوليات
صباحي لـ الجريدة•: نسعى إلى حكومة ائتلافية مع السلفيين
24-01-2013