«لا بدّ من مساعدة الآباء»، يدقّ عنوان كتابك الجديد ناقوس الخطر، هل تبدو الأمور بهذا السوء؟

Ad

لست أنا من يقول هذا الكلام، إنه الشعور بالضيق يسيطر على المجتمع  فنعانيه جميعًا ويقع الأطفال ضحيته الأساسية. ساهم صعود ما يسمى بـ{قلة الأدب» وغياب الاحترام في رفض مختلف أشكال السلطة التي سبق وتمثلت في الأسرة في شخصية الأب حتى تجسدت هذه الفكرة في المجتمع والمدرسة ومراكز فرض العدالة ومراكز الشرطة. فالأب هو من يبني المجتمع، هو من يأذن ويمنع ويضع الحدود. إلا أن هذا الأب فقد جزئيًا دور ممثل القانون وبقدر ما تكتسب علاقة الأم بالطفل القوة بقدر ما أصبح دور الأب مشوشًا. هنا لا بدّ من أن نطرح السؤال: من الذي يجسد القانون في حياة الطفل إن لم يكن الأب؟

ما هي الأمور التي تمنع الأب اليوم من أداء دور السلطة والقانون في العائلة؟

 

يبقى المانع الأساسي عدم اعتراف المجتمع بدور الأب. في الواقع، انتقلنا تدريجًا من منظمة هرمية عمودية إلى منظمة أفقية، وهو أمر حتمي مع تطور الحضارات إلا أنه أدى في الوقت عينه إلى اختلاط الأدوار والمعايير في شكلٍ واضحٍ في الأسرة. لم يعد أعلى الهرم مصدر السلطة بل أصبح الجميع متساويين بعضهم مع بعضهم الآخر وأصبح التفريق بين المجتمعات مبهمًا أكثر فأكثر. في ما مضى، جسّد الأب السلطة والقوة في الأسرة والمجتمع لأنه استفاد من هالة القوة والحماية التي أحاطت بكبار شخصيات السلطة كالملك والبابا أو رئيس الدولة. بات مكان هذه السلطة شاغرًا اليوم، إلا أننا نحتاج إلى من يملأ هذا المكان علمًا أن أيًا كان من سيحاول ذلك لن يتمكن من تلبية متطلباته بمفرده.

هل من الضروري العودة إلى قوة السلطة الأبوية في العائلة؟

طبعًا لا! ما أريد قوله كمحللة نفسية إن الطفل يحتاج إلى أن يتمكن من بناء شخصيته من رؤية والده كشخصٍ قوي وقادر. إن حظي الطفل بهذا النموذج فهو محظوظ وإن لم يحظَ به فسيساعده المجتمع من خلال الاعتراف بسلطة الأب وتقديرها على رؤية والده قويًا. إلا أننا نفتقد حتى إلى هذه الحالة في أيامنا هذه. فالأب لم يعد يحظى بالاحترام أو التقدير وبات يتنازل عن الأمور التي تميّزه عن المرأة ويرضى أكثر فأكثر بأن يأخذ دورها. لذلك لا يمكن أن ننكر دور الأب الرجولي في المجتمع والأسرة من دون أن نلحق الضرر بالطفل.

 

هل يعني ذلك أن وجود الرجل في المنزل يعيق بناء شخصية الطفل في شكلٍ سوي؟

سواء كان الطفل فتاة أو صبيًا، يحتاج إلى الإعجاب بوالده. إن كان صبيًا، لا بدّ من أن يحاول التشبه بوالده وأن يقيس نفسه بالمقارنة معه لينمو في شكلٍ طبيعي. مثلاً، لا مشكلة لو قدّر المجتمع أداء الرجل لبعض الأعمال المنزلية إلا أن حالنا اليوم لا تبدو على هذه الدرجة من المثالية. يقدّر المجتمع الأب الفنان الذي يحتاج إلى التواجد في منزله مثلاً، ذلك نظرًا إلى ما يقدّمه من أعمال وبهذا يمكن أن يشكل حافزًا لطفله ومدعاة فخرٍ أو مرجعية له. هنا لا بدّ من أن نشدد على استحالة تبديل أدوار الأم والأب على الصعيد الرمزي من دون أن نعني امتناع الأب عن تدليل طفله أو عن الاهتمام بأمور رعياته اليومية.

هل يمكن أن تساعد الأم الأب على استعادة سلطته؟

من الضروري أن يحظى الأب بالاحترام والتقدير في منزله ومن زوجته بالدرجة الأولى فأفكارها وآراؤها تؤثر على أطفالها في شكلٍ أو في آخر. من هنا، تؤدي الأم دورًا أساسيًا من خلال تصرفاتها وأقوالها في تشجيع الأب على أداء دوره كراعٍ للقانون في شكلٍ فاعل. علاوةً على ذلك لا بدّ من أن ترفض أداء الأدوار كافةً. أعتقد أيضًا أنه لا بدّ من التفريق بين دور الأم والأب داخل العائلة من دون أن يؤثر ذلك على المساواة بين العرقين وحق المرأة في مضاهاة الرجل خارج إطار الأسرة. تكمن هنا أسس التفكير ونقاط الانطلاق، لا سيما أنها ستكون في صدد اختراع الأب الجديد وهو من دون شكّ تحدٍ رائع.