في ربيع عام 2007، تلقت واشنطن تقارير عن عملية كورية شمالية سرية في الصحراء السورية، فسارع كبار أعضاء الكونغرس، بمن فيهم ربة عملي السابقة النائب إلينا روس ليتينن، إلى دق ناقوس الخطر، محذرين المفاوضين التابعين لوزارة الخارجية الأميركية الذين يشاركون في المحادثات السداسية بشأن وقف نشاطات كوريا الشمالية النووية، فكيف يمكن أن تفاوض بيونغ يانغ بنية حسنة في المسائل النووية، في حين أنها تساعد في الوقت عينه دولة ترعى الإرهاب على بناء منشأة نووية شبيهة بمنشأة يونغبيون؟ لكن المفاوضين وضعوا هذه المخاوف جانباً، لأنهم أعطوا الأولوية لمسيرة المحادثات السداسية على الوقائع المقلقة على الأرض، لكن الإسرائيليين، الذين خافوا من مماطلة واشنطن في هذه المسألة، أسدوا العالم خدمة في 6 سبتمبر 2007، بتدميرهم المفاعل النووي السوري بضربة محددة هادفة. وأفادت NHK (هيئة الإذاعة اليابانية)، نقلاً عن "مسؤولين كوريين جنوبيين رفضوا ذكر أسمائهم"، أن فريق الدعم المؤلف من عشرة كوريين شماليين لقوا على الأرجح حتفهم في ذلك الهجوم، وتذكر بعض التقارير أن رفاتهم أُحرقت وأُعيدت إلى كوريا الشمالية.
ولكن لم يكن الكوريون الشماليون الوحيدين الذين ماتوا في سورية نتيجة التعاون النووي السوري-الكوري الشمالي المشترك، فقد مات سوريون أيضاً في كوريا الشمالية، ففي أبريل عام 2004، قُتل (وفق أحد التقارير الصادرة عن صحيفة World Tribune) "نحو اثني عشر تقنياً سورياً" في انفجار في محطة قطار ريونغشون قرب الحدود الصينية. صحيح أن البعض يعتقدون أن الانفجار كان محاولةً لاغتيال الزعيم الكوري الشمالي آنذاك كيم يونغ إيل، الذي عبر قطاره المحطة قبل بضع ساعات، لكن كثيرين يؤكدون أن الانفجار استهدف "عربة قطار مليئة بالصواريخ والقطع" التي كانت ستُشحن إلى سورية، وأن التقنيين المرافقين كانوا ببساطة في المكان الخطأ في التوقيت الخطأ.بعد ذلك، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، وفق وكالة الأسوشييتد برس، خلال زيارة له إلى اليابان في مايو عام 2010 أن كوريا الشمالية، وسورية، وإيران تتعاون معاً، مشكلةً "محور شر" جديداً، و"تمثّل الخطر الأكبر الذي يهدد الأمن العالمي لأنها تبني أسلحة الدمار الشامل وتنشرها"، كذلك أفاد وزير الخارجية: "لاحظنا هذا النوع من التعاون قبل شهرين أو ثلاثة مع الطائرة الكورية الشمالية في بانكوك المحملة بمجموعة كبيرة من الأسلحة المختلفة، التي كان يُفترض تهريبها إلى "حماس" و"حزب الله". وكان ليبرمان يشير بكلامه هذا إلى طائرة انطلقت من العاصمة الكورية الشمالية، بيونغ يانغ، وأوقفتها السلطات التايلندية في مطار بانكوك في 12 ديسمبر 2009، وكانت تحتوي على 35 طناً من الأسلحة. تعود الروابط الأمنية السورية-الكورية الشمالية إلى عقود مضت، فقد اقتبست الصحيفة الكورية الجنوبية Chosun Ilbo من مراجع إعلامية في هونغ كونغ في 11 يونيو الماضي قولها إن وزير الدفاع الكوري الشمالي المتشدد السابق، الجنرال كيم كيوك-سيك، متورط عميقاً في العلاقات الكورية الشمالية مع سورية. ويعتقد كثيرون أن كيم، الذي أُقيل أخيراً من منصبه، كان العقل المدبّر وراء ضرب السفينة شيونان الكورية الجنوبية بالطوربيدات عام 2010، فقد خدم كيم كيوك-سيك كمساعد للملحق العسكري في السفارة الكورية الشمالية في دمشق خلال سبعينيات القرن الماضي، وتولى آنذاك، حسبما يُفترض، التدريبات العسكرية السورية-الكورية الشمالية المشتركة. ما زال هذا التعاون العسكري المشترك، على ما يبدو، مستمراً حتى اليوم، فقد أضافت Chosun Ilbo في تقريرها أن المرصد السوري لحقوق الإنسان يؤكد أن "نحو اثني عشر مسؤولاً عسكرياً كورياً شمالياً شوهدوا وهم يعملون مع جنود الحكومة السورية في ساحة المعركة الشمالية في حلب" في الحرب الأهلية الراهنة.وإذا كانت تصرفات الحكومة السورية، بما فيها استخدام الأسلحة الكيماوية المزعوم، تمثّل في هذه الحرب الأهلية "فحشاً أخلاقياً"، حسب تعبير وزير الخارجية الأميركي جون كيري، فبماذا نُصنّف أعمال الجيش الكوري الشمالي ودعمه انتشار الأسلحة النووية الذي يمكّن آلة حرب النظام السوري؟أشارت الصحيفة اليابانية اليومية Sankei Shimbun أيضاً في 27 أغسطس الماضي إلى تعاون محور بيونغ يانغ-دمشق، وأوضحت هذه الصحيفة أن "سفينة مسجلة في ليبيا تحمل اسم "الانتصار" انطلقت من كوريا الشمالية متجهة إلى سورية في مطلع هذا العام" محمّلةً بالممنوعات، ثم استندت الصحيفة إلى مراجع استخباراتية لتذكر أن تركيا أوقفت هذه الشحنة التي ضمت أقنعة غاز وأسلحة وذخائر.اقتبست الصحافية المخضرمة المطّلعة على شؤون كوريا الشمالية، كلوديا روزيت، في مقال لها نُشر أخيراً في Forbes ما ذكرته Chosun Ilbo عن أن "مصدراً دبلوماسياً" لم تحدد هويته أعلن أن كوريا الشمالية لم تنقل إلى سورية تكنولوجيا إنتاج رؤوس حربية كيماوية فحسب، بل كانت تزود أيضاً منشآت الأسلحة الكيماوية السورية باستمرار "بخدمات ما بعد البيع".كذلك أشار تقرير آخر صدر في عدد 17 يونيو الماضي من صحيفة Chosun Ilbo: "في نوفمبر عام 2009، أُوقفت سفينة شحن متجهة إلى سورية في ميناء بيرايوس في اليونان، وكانت محمّلة بمواد كورية شمالية تُستعمل في إنتاج الأسلحة الكيماوية، منها نحو 20 ألف قطعة من الملابس الواقية من التأثيرات الذرية والبيولوجية والكيماوية". ونقل المقال عن "مصدر دبلوماسي آخر" قوله: "من المرجح أن تكون الأسلحة الكيماوية التي استخدمها جنود الحكومة السورية من نتاج التكنولوجيا الكورية الشمالية". وخلال الأزمة الدولية الراهنة التي تعود إلى استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية، يبدو تحديد مصدر هذه الأسلحة بالغ الأهمية.من المعروف أن كوريا الشمالية تملك أحد أكبر مخزونات الأسلحة الكيماوية حول العالم، وأن أسلحتها جاهزة لتحمَّل في قذائف وتوجّه سريعاً إلى سيول، إحدى مدن العالم الكبرى. بالإضافة إلى ذلك، يذكر تقرير صدر عن وزارة الدفاع الأميركية في مطلع هذه السنة بعنوان "التطورات العسكرية والأمنية التي تشمل جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية لعام 2012": "تملك كوريا الشمالية برنامج أسلحة كيماوية كبيراً على الأرجح، وتتمتع بالقدرة على إنتاج عوامل تؤثر في الأعصاب أو الدم أو تسبب التقرّح أو الاختناق. ومن المرجح أنها تملك مخزوناً من هذه الأسلحة. تستطيع كوريا الشمالية على الأرجح إطلاق عوامل الأسلحة الكيماوية بتعديل مجموعة من الأسلحة التقليدية، بما فيها المدفعية والصواريخ البالستية. علاوة على ذلك، تبدو القوات الكورية الشمالية مستعدة للعمل في بيئة ملوثة، فهي تتمرن باستمرار على عمليات الدفاع الكيماوية، كذلك لم توقع كوريا الشمالية معاهدة حظر استعمال الأسلحة الكيماوية".في أكتوبر عام 2008، في مسيرة انتصار "لا هدف لها"، أزالت إدارة جورج بوش الابن كوريا الشمالية من لائحة وزارة الخارجية الأميركية للدول الراعية للإرهاب، وأقدمت على هذه الخطوة رغم التأكيدات السابقة التي قدّمها سفير مكافحة الإرهاب السابق كوفر بلاك وآخرون إلى الحليف الياباني أن بيونغ يانغ لن تُزال من اللائحة إلى أن تُعالج مسألة خطف اليابانيين بالطريقة المناسبة. بُررت هذه الخطوة بأن بيونغ يانغ قدّمت تطمينات شفهية أنها ستقبل بنظام شفاف للتحقق من عملياتها لنزع الأسلحة النووية، ولكن بعد شهرين، في ديسمبر عام 2008، انهارت المحادثات السداسية، حين تهرّبت بيونغ يانغ من تطميناتها تلك، ورغم مرور خمس سنوات، لم تُستأنف هذه المحادثات بعد.بغض النظر عن النتيجة النهائية التي ستؤول إليها الأزمة الراهنة الناجمة من استخدام نظام الأسد أسلحة كيماوية، تبقى مسألة واحدة واضحة: تُعتبر بيونغ يانغ من الدوّل التي مكّنت رعاية سورية الإرهاب بنشرها أسلحة الدمار الشامل، فقد دعمت حليفها في دمشق بمساعدته في بناء المنشأة النووية التي دُمرت، وفي ساحة المعركة في حلب حسبما يُقال، وبمدّه بالصواريخ والأسلحة الكيماوية، ولكن ألا يُعتبر راعي دولة راعية للإرهاب بدوره داعماً له؟نظراً إلى نشاطات بيونغ يانغ الكثيرة الموثّقة الداعمة للنظام في دمشق، آن الأوان لتعيد إدارة أوباما تصنيف كوريا الشمالية دولة راعية للإرهاب، وإلا فستفقد هذه اللائحة كل معنى لها أو أهمية.Dennis P. Halpin* متطوع سابق في "فرق السلام" في كوريا الجنوبية، والقنصل الأميركي السابق في مدينة بوسان.
مقالات
سورية وكوريا الشمالية... محور شرّ حقيقي
11-09-2013