تركة سامّة للأزمة اليونانية... الخطأ في التوقيت الخطأ

نشر في 21-06-2013 | 00:01
آخر تحديث 21-06-2013 | 00:01
No Image Caption
توقع بلوغ الدين العام 120% بحلول 2020

أثبتت الأزمة اليونانية أنها كارثة ثلاثية: بالنسبة لليونانيين أنفسهم؛ ووجهة النظر الشائعة حول الأزمة داخل منطقة اليورو؛ والسياسة المالية العامة في كل مكان. كانت النتيجة هي الجمود الاقتصادي، أو أسوأ من ذلك، خصوصاً في أوروبا.
قبل 2500 سنة شكلت اليونان العقل الغربي، وفي الفترة الأخيرة شكلت الاستجابة للأزمة المالية. عانت اليونان من كارثة. وخوف الآخرين من اتباعها، عمل على تبرير التحول نحو التقشف. كانت النتيجة انتعاشاً هزيلاً من الركود فيما بعد الأزمة، خصوصاً في منطقة اليورو وبريطانيا. مع الأسف عانت اليونان من الأزمة الخطأ في الوقت الخطأ.

يروي سايمون رين لويس من جامعة أكسفورد حكاية في تعليق ممتاز على مدونته يستند إلى تقييم نقدي من صندوق النقد الدولي للبرنامج الذي تم الاتفاق عليه بشأن اليونان في مايو 2010.

فيما يلي ملخص عوامل الإخفاق الواردة في التقرير: «لم تتم استعادة ثقة السوق، وخسر النظام البنكي 30 في المئة من ودائعه، وواجه الاقتصاد ركوداً أعمق بكثير مما كان متوقعاً، مع معدل عال للبطالة بدرجة كبيرة.

وظل الدين العام مرتفعاً فوق الحد وفي النهاية كان لا بد من إعادة هيكلته، بما رافق ذلك من ضرر للميزانيات العمومية للبنوك التي تضعضت كذلك بفعل الركود. تحسنت التنافسية نوعاً ما على خلفية تراجع الأجور، لكن الإصلاحات الهيكلية تثاقلت وتبين أن مكاسب الإنتاجية كانت مراوغة».

الناتج المحلي الإجمالي

وفي حين أن البرنامج توقع تراجعاً بنسبة 5.5 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بين 2009 و2012، إلا أن المحصلة كانت تراجعاً بنسبة 17 في المئة. ووفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تضم البلدان ذات الدخل العالي، تراجع الطلب الخاص الحقيقي بنسبة 33 في المئة بين الربع الأول لعام 2008 والربع الأول لعام 2013، في حين ارتفعت البطالة لتصل إلى 27 في المئة من القوة العاملة. التبرير الوحيد لهذا التراجع هو أن الهبوط الهائل في الناتج والارتفاع الموازي في البطالة، ضروري لفرض التخفيضات اللازمة في التكاليف النسبية على بلد يشكل جزءاً من اتحاد نقدي. وحيث إن اليونان تريد أن تظل ضمن منطقة اليورو، فلا بد لها من تحمل الألم الناتج.

لكن حتى هذا لا يستطيع تبرير جانب من البرنامج. من المفترض ألا يقرض صندوق النقد أي بلد إلا إذا أصبح دينه قابلاً للاستدامة. لكن وضع اليونان لم يكن كذلك، كما أشار عدد كبير من المعلقين في ذلك الحين. وبدلاً من أن يجعل الدين قابلاً للاستدامة، كان كل ما فعله البرنامج هو أنه ترك كثيراً من الدائنين الخاصين يهربون دون أن يمسهم شيء.

في النهاية، تم فرض تقليص في الدين على المقرضين الخاصين. لكن الدين يظل، على خلاف في وجهات النظر، عالياً فوق الحد: يتوقع صندوق النقد أن يكون مستواه قريباً من 120 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2020. حين يكون الدين عالياً إلى هذه الدرجة فإنه سيجعل من الصعب على اليونان العودة إلى الأسواق وإلى الصحة الاقتصادية. لا تزال الحاجة تدعو إلى إجراء تخفيضات عميقة في الدين.

نتيجتان عالميتان

كل هذا يُنبِئنا بأشياء قاتمة حول تسييس صندوق النقد وعجز منطقة اليورو عن التصرف لمصلحة أعضائها الأضعف. لكن الأزمة اليونانية مع الأسف كان لها نتيجتان عالميتان.

الأولى، داخل منطقة اليورو، هي حقيقة أن اليونان كانت أول بلد يقع في المتاعب، أيدت وجهة نظر شمال أوروبا من أن الأزمة كانت مالية عامة. لأن اليونان كانت فعلاً حالة عجيبة من التبذير في المالية العامة، حيث وصل صافي الدين العام إلى أكثر من 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي حتى قبل الأزمة. لكن في بلدان أخرى كان الوضع مختلفاً تماماً. كان الاقتراض الخاص هو سبب المشكلة في إيرلندا وإسبانيا، وإلى حد أقل في البرتغال. كان الدين العام في إيطاليا عالياً، ولكن ذلك لم يكن بسبب التبذير في الفترة الأخيرة. حين قرر صناع السياسة أن الأزمة كانت إلى حد كبير أزمة في المالية العامة، كان بمقدورهم تجاهل الحقيقة التي تقول إن السبب الكامن وراء الفوضى هو الإقراض غير المسؤول عبر الحدود، الذي كان موردو القروض مسؤولين عنه بالتأكيد بقدر مسؤولية المقترضين.

لو فهم الناس أن الإدانة واقعة على الطرفين – المقرضين والمقترضين – لكانت الحجة الأخلاقية الداعية إلى شطب الديون أوضح من ذي قبل.

الثانية هي أن الأزمة اليونانية بثت الخوف في صناع السياسة في البلدان الأخرى، فبدلاً من تركيز الجهود على علاج الانهيار الذي أصاب القطاع المالي وتقليص عبء الدين الخاص، والتي كانت أسباب الأزمة، ركزوا على حالات العجز في المالية العامة. لكن هذه الحالات كانت إلى حد كبير عرَضاً للأزمة، وإن كانت في بعض منها استجابة سليمة في السياسة الاقتصادية للأزمة.

صفقة التحفيز

وكما ذكرتُ في يونيو 2010، بعد فترة قصيرة من البرنامج اليوناني الأول، قرر زعماء مجموعة العشرين، أثناء لقائهم في تورونتو، إحداث انقلاب في صفقة التحفيز، وأعلنوا أن «البلدان المتقدمة ملتزمة بخطط في المالية العامة ستعمل على تخفيض مبالغ العجز على الأقل إلى النصف بحلول 2013.» وتبع ذلك تقليص حاد في الإنفاق العام. وبرر صناع السياسة التحول باللجوء إلى أبحاث أكاديمية مسانِدة: كان التشجيع يأتي من وجهة النظر القائلة إن التقلص في المالية العامة يمكن أن يكون توسعياً، وكان التحذير يأتي من وجهة النظر القائلة إن النمو يمكن أن يتراجع إذا ارتفع الدين العام فوق الحد.

كان الإجهاض هو مصير الانتعاش الذي كان يبدو، حتى منتصف 2010، أنه انتعاش قوي من كابوس «الركود العظيم»، خصوصاً في بريطانيا ومنطقة اليورو. وكان النجاح الذي حققته الولايات المتحدة في النجاة من التقشف يعود ربما إلى حملتها النشطة في تنظيف القطاع المالي، وقبولها للتخلص من الرفع المالي من قبل الأسر، وسياستها النقدية النشطة، خصوصاً بالقياس إلى منطقة اليورو. إذا قبلنا بصحة التوقعات الأخيرة من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو سيكون أدنى في الربع الرابع في 2014 مما كان عليه في الربع الأول من 2008، وأعلى بـ 0.7 في المئة فحسب من الربع الأول من 2011. هل كان التشدد في المالية العامة هو وحده السبب في انتعاش ضعيف إلى هذا الحد؟ الجواب لا بالتأكيد. لكنه أزال تعويضاً لاتزال هناك حاجة ماسة إليه في مقابل القوى الانكماشية النابعة من القطاعات الخاصة التي تضررت بالأزمة.

ما يجعل هذه القصة باعثة على الكآبة هو أنها كانت غير ضرورية. في البداية، ربما كان من المنطقي أن نخشى من أن تكون الأزمة اليونانية هي الاندلاع الأول لوباء عام من أزمات المالية العامة. لكن أصبح من الواضح بسرعة أن البلدان بما لديها من عملات حرة متداولة، كان لايزال بمقدورها بيع الدين العام بأسعار فائدة متدنية للغاية. كان جزء من ذلك يعود إلى «التسهيل الكمي» من قبل بنوكها المركزية.

بنك مركزي خاص

إن امتلاك الحكومة لبنك مركزي خاص بها يعطيها درجة من الحرية في إدارة استجابتها للأزمة المالية. في هذه البلدان، لا يأتي وقت التشدد الهيكلي في المالية العامة إلا بعد أن يبدأ القطاع الخاص في التخلص مما لديه من الفائض المالي الهيكلي. ولن يحدث هذا خلال فترة قريبة بعد الأزمة. كما أنه سيتطلب عملية إعادة هيكلة مسبقة للقطاع المالي، وعمليات تخفيض القيمة الدفترية للدين الخاص المفرط.

باختصار، أثبتت الأزمة اليونانية أنها كارثة ثلاثية: كارثة بالنسبة لليونانيين أنفسهم؛ وكارثة بالنسبة لوجهة النظر الشائعة حول الأزمة داخل منطقة اليورو؛ وكارثة بالنسبة لسياسة المالية العامة في كل مكان.

كانت النتيجة هي الجمود الاقتصادي، أو أسوأ من ذلك، خصوصاً في أوروبا. علينا أن ندرك اليوم أن حالات التراجع الهائل في الناتج نسبة إلى الاتجاهات العامة التي كانت سائدة قبل الأزمة، ربما يكون من الصعب استردادها نهائياً. لكن رد فعل صناع السياسة لم يكن الاعتراف بالأخطاء، وإنما إعادة تعريف الأداء المقبول عند مستوى جديد أدنى من قبل. إنها قصة حزينة.

* (فايننشال تايمز)

back to top