انتحار الجماعة
![عبداللطيف المناوي](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1459078147207955600/1459078157000/1280x960.jpg)
لقد تمكنت الجماعة من خلق حالة غضب ورفض عامة بين معظم المصريين حتى أن الأمر يحتاج ممن تبقى منتمياً إلى الجماعة حريصاً على مستقبلها أن يدرس هذه الظاهرة، لماذا كره المصريون "الإخوان" إلى هذا الحد في عام واحد؟! وأظن أن العناد والإنكار والتعالي الشديد على الشعب والإحساس بأنهم جماعة الله المختارة، لعل هذه العناصر تصلح كبداية للانطلاق منها إلى محاولة الفهم. دب الخلاف بين قيادات التنظيم الدولي للإخوان والمجموعة المسيطرة على إدارة الجماعة في مصر، فلقد أدركت قيادة التنظيم منذ اليوم الأول أن المعركة ليست في صالحهم، فطلبوا من قيادة الداخل اعتبار معركتهم مع الشعب المصري في الثلاثين من يونيو معركة خاسرة، وبالتالي فإن الأفضل أن يقدموا تنازلات بسرعة، ويقبلوا المطالب الممكنة جميعها من الجماهير، وكان منطقهم في هذا أن خسارة المعركة التي تبدو منتهية وفي غير صالح الجماعة، أفضل من خسارة كل الحرب، لذلك فليتنازل مرسي ولتبدأ الجماعة مرة أخرى في تنظيم صفوفها، واستغلال كل الإمكانات المادية المتاحة لإصلاح الشرخ الذي حدث مع الناس، بمعنى أنها خسارة لمعركة وليست خسارة حرب، كان الإدراك لديهم أن انكسار "الإخوان" في مصر بهذا الشكل سوف يؤدي إلى سقوط مدوِّ لهم في المنطقة بلا عودة قريبة. لكن يبدو أنه من حسن حظ المصريين أن قيادة الداخل للجماعة عجزوا عن الفهم، وخاصمتهم الحكمة والرؤية السليمة فأغشاهم ربهم، وقرروا الاستمرار في مواجهة الشعب، ويبدو أن جنون السلطة قد أصابهم، وأصاب مرسي شخصياً، فلم ير من كل هؤلاء الذين احتشدوا في كل مصر إلا مئة وستين ألفا فقط، هكذا قال للفريق السيسي عندما التقاه بعد انطلاق التظاهرات، وهذا أيضاً ما أبلغ به حلفاءه السابقين في الغرب، إذن كان الإنكار والمكابرة؛ وأضيف إليها: العشق الذي نما سريعا للسلطة وعدم القدرة على تخيل التخلي عنها، هو ما دفع تلك المجموعة التي كانت حاكمة، وعلى رأسها محمد مرسي؛ الذي كان رئيساً، وخيرت الشاطر؛ الرجل الذي كان قوياً ويدير شؤون مصر والجماعة ومعهم أتباعهم، كل هؤلاء تسببوا في انكسار الجماعة، ولم تعد المسألة خسارة معركة، بل خسروا حرباً سوف تدفع الجماعة كلها ثمنا كبيرا خلال الفترة المقبلة، قرار مرسي وجماعته بالاستمرار في عناد الشعب والتمسك بالسلطة كان أشبه بقرار انتحار سياسي وشعبي وتنظيمي للجماعة، واستمرار الدفع للصدام وممارسة الإرهاب كأسلوب للرد على ما حدث والدفع إلى استمرار مؤيديهم في إشارة مرور رابعة العدوية، هذا الموقف سيؤدي إلى حالة من الاحتقان والرفض لدى المصريين تحول بين الجماعة وبين المشاركة في مصر الجديدة.نجاح "الإخوان" في القفز على حكم مصر أعطى مؤشرات على أن المنطقة بدأت عصر الحكومات التي تنتمي للإسلام السياسي، وساهم في ذلك ما يحدث في تونس وليبيا وسورية، وزرع هذا تخوفاً وشكوكاً في أهداف الجماعة التالية، وكانت المؤشرات تقول إنهم يعملون من أجل القفز على الحكم في أي من دول الخليج ليضمنوا مصدر تمويل دائم، المشكلة أن كل هذا الحضور كان يحظى بدعم أميركي وغربي واضح لأنهم اعتبروا أن ذلك سيشكل لهم مخرجاً لكثير من المشكلات، ويشكل أساساً لأسلوب جديد في إدارتهم للأوضاع في المنطقة، وهذا يفسر حالة الصدمة التي أصيبوا بها عندما نجح المصريون بجيشهم الوطني في الإطاحة بحكم "الإخوان"، أو كابوس الجماعة.انتحرت الجماعة وأصابت الصدمة الغرب واستعاد المصريون بلدهم.