وصلت الكويت
حينما وصلت إلى أرض مطار الكويت بعد حادثة منعي من الدخول قبل ثلاثة أشهر، سمعت شاباً كويتياً خلفي يقول لمحدثه في الهاتف "لقد وصلت لكن مالي خلق أتحجى"، في هذه اللحظة شعرت أن طوفاناً من الرغبة في الحديث ينطلق بداخلي، فبعد أن ختمت موظفة الجوازات جوازي وقالت تفضلي شقت ابتسامتي وجهي فرحاً، واتصلت بصديقتي الكويتية قائلة "لقد دخلت، وأعتقد أن الذين ينظرون إلى حجم فرحتي وابتسامتي سيظنون أني مجنونة"، وأكاد أسمع أحدهم يقول شدعوا!!!!!!... لهذا فإنني أنصح وزارات الداخلية أن تمنع بعض المواطنين من دخول البلدان بين فترة وأخرى، كي يعرفوا قيمة هذه النعمة تماماً مثلما يحسن الصيام من مذاق الطعام. آمل ألا تصدقني وزارة الداخلية فأنا أمزح طبعاً، كما يمكننا الاعتماد على أنفسنا في تحقيق تجربة الصيام هذه بدونها.
حضرت بدعوة من الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية، وهي أول جمعية نفع عام أُشهرت في الكويت عام 1963، عندما أسستها مجموعة من أوليات الخريجات المتطوعات، بهدف الدفاع عن حقوق المرأة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، وتوعيتها بقضاياها وواجباتها وحقوقها وخدمة المجتمع والاهتمام بالقضايا المحلية، بالإضافة إلى رعاية الطفولة والأمومة، على يد نساء مثل دلال المشعان ولولوة القطامي التي ترأست الجمعية حتى 1976، ثم أكملت عنها شيخة النصف، وقد تطور دور الجمعية من نشر الوعي الصحي والعلمي والحرفي إلى الوعي الحقوقي والسياسي للنساء مثل حملة "ليعلو صوتك" لشيخة النصف التي توسطت المسؤولين من رعاة الحفل والضيوف بقامة تنضح بالشجاعة والحيوية منحتنا أملاً وإيماناً بضرورة النشاط المدني في كل مكان عربياً وخليجياً وعالمياً، لاسيما أن الجمعية قد أقامت على هامش احتفالها ندوة عن دور جمعيات النفع العام في خدمة المجتمعات، تحدثت فيها ناشطات من البحرين، والمغرب، والسودان، وفلسطين عن تجارب تلك البلدان، فالعمل المدني للنساء يكاد يتشابه في معاندة المجتمعات والمسؤولين له، فتعديل نظام الأحوال الشخصية ومنع زواج القاصرات قضايا لاتزال تحميها الأعراف والتقاليد، ويعاندها التأخير السياسي في حسمها، مررت كعادتي بنشاط ملتقى الخريجين الذي يفور كل ثلاثاء بنشاطه الأدبي، وحيوية المنظمين فيه، وسمعت فيه شعراً لسعدية مفرح وإبراهيم الخالدي من الكويت، وبروين حبيب من البحرين، وهدى ابلان وعلي المقري من اليمن، وخلود لمعلا من الإمارات، وغاب عنه قاسم حداد، واكتشفت حينئذ وأنا أسمع الشعر وأنا منذ زمن لم أسمعه أن من يعادي الشعر والغناء روح جدباء أصابها الجفاف والكسل في العقل والضمور في القدرة على الاحتفاء بالحياة، فحين ينشر الشعر والغناء نفسيهما في روحك فإنك تعود محملاً بالرغبة أكثر للحديث والحب والرضا. لقد كان لدي حديث طويل، لكن لن يتسع له مقال، فالكويت تحرّض زوارها على الحديث بقدر صخبها بالحياة والحراك السياسي والاجتماعي... حفظ الله الكويت وأهلها.