«ما بعد ثورات الربيع العربي» لمحمد الشريف... إسقاط الرؤساء خطوة إصلاحية أولى

نشر في 25-02-2013 | 00:01
آخر تحديث 25-02-2013 | 00:01
No Image Caption
صدر أخيراً للمفكر والروائي السعودي محمد ابراهيم الشريف كتاب «ما بعد ثورات الربيع العربي» (دار طوى) يتضمن قراءة تحليلية لثورات شعوب بلدان ما يسمى بـ{الربيع العربي»، ووصفاً شاملاً وتاريخياً حول مقاربة هذه الشعوب لثوراتها.
يصف المؤلف في كتابه تصرفات الزعماء المخلوعين التي أورثت شعوبهم التراخي والتكاسل وإهدار الوقت والبطالة، والأهم من ذلك انتشار ثقافة الفساد السيئة في أغلب مجتمعاتنا العربية وتدرجت إلى أن الرئيس المخلوع كان في بداية حكمه ثورياً تولى الحكم ليصلح البلاد، إلا أن عوامل كثيرة قلبت الموازين وطول العهد أخرها، إلى أن أصبح ملكياً في جمهورية يورث الحكم لابنه ولا يتجرأ أحد على القول: «حكمك مؤقت واترك المجال لآخر بعدك». في الأصل لن يقبل عقل الرئيس هذا القول ولا فكره، فهو يرى أنه يملك البلاد كاملة ملكاً أسرياً، وهذا ما جعله يقتل بلا هوادة أكثر من 40 ألف مواطن لأنهم قاوموه ليترك الحكم. أما الآخر فقتل أكثر من 60 ألف مواطن حتى الآن، لأنهم قاوموه في ملك أورثه له أبوه، فيما الدولة تدعى جمهورية لدواعي الحضارة وذر الرماد في العيون بينما هي ملكه ووالده كابراً عن كابر أو كما يرى.

فكر متزمت

يتدرج الشريف في شرح هذا الفكر المتزمت ودوره في تراجع الشعوب، وشاركت في ذلك الثقافة المكتسبة لدى  غالبية الشعوب العربية من التاريخ العثماني وشجعها الرئيس المخلوع المحدود فكرياً، بالإضافة إلى حالة التراخي التي انتشرت لدى  هذه الشعوب. ويصف الكاتب هذا التسلسل وصفاً دقيقاً يعطينا فهماً لكيفية وصول المجتمعات إلى هذه الأوضاع.

ويعتقد الشريف أن الإطاحة بالرؤساء المخلوعيين فقط لن تنقل البلاد إلى حياة أخرى من المعيشة والسعادة والرفاه، لأن الإطاحة بالرؤساء السيئين هي خطوة في طريق الإصلاح.

 يتوجب أولاً بعد خلع الرؤساء، تغيير ثقافة المجتمع السيئة التي ورثها من العهد العثماني وباركتها الأنظمة المستبدة. وما تأخر الشعوب الثائرة في إعادة انتخاب رئيس جديد للبلاد لأكثر من سنة إلا دليل واضح على هذه الثقافة السيئة، ثقافة التباطؤ والاتكالية والانتهازية البغيضة، والأهم من ذلك ثقافة الفساد المستشري.

ويشرح الكاتب هذه الظواهر ومنشأها ودور الأنظمة البائدة في إيقاظها كلما انطفأت حدتها، ويشدد على ضرورة الا يكون الرئيس الجديد تقليدياً عادياً  على غرار من سبقوه لمجرد أنه نزيه ويتمتع  بطباع دينية، فلن تحرك هذه الصفات البلاد قيد أنملة نحو التطور والنهوض. كذلك يصف الكاتب مزايا ومهارات لازمة للرئيس الجديد مع إعطاء أمثلة حية لرؤساء صنعوا التغيير إلى الأفضل لمجتمعهم وبلادهم.

يتوقف الشريف عند طرق معالجة قضايا مهمة لن تتقدم البلاد من دون إصلاحها، مثل مبدأ العمل، الاهتمام بالوقت، النظرة إلى المواطن والكثافة السكانية، مجابهة الفساد والقضاء عليه، سلامة القضاء ونزاهته، معالجة البطالة، القضاء على البيروقراطية، وأهم نقطة معالجة النظام العربي العقيم. فهذه القضايا، حسب الكاتب، لن يفعلها إلا قائد يتمتع بمهارات قيادية أهمها أن يعمل  فكره ليل نهار في متابعة خططه التي وضعها مع وزرائه، ليصل إلى الأهداف التي رسمها، ويشغل باله تحقيقها وتذليل الصعاب التي تواجهه، ويبتكر حلولاً ملهمة بعزيمة لا تعرف الكلل، وتزيده الصعاب والمشاكل إصراراً على تحقيق أهدافه. وما هذا إلا لأنه قائد ملهم حيوي سريع، يستشير ويملك عزيمة لا تزيدها الصعاب والحياة إلا قوة واتقاداً.

تعليم عقيم

بعد أن يقدم المؤلف شرحاً مفصلاً للأسباب والظروف التي أدت بالنظام التعليمي في الدول العربية إلى مرحلة الفشل والعقم، يطرح أفكاراً ورؤى لتطوير هذا النظام والنهوض به. أول هذه الأمور الاقتداء بالدول المتقدمة في مجال التعليم، فالتعليم في بلادنا يبدأ بالتدهور عندما تضاف إليه جمل وتعبيرات مثل «لمجتمعاتنا العربية خصوصية يجب مراعاتها في التعليم». وخير إصلاح في التعليم يكون في الخروج من الدائرة أي من الحلقات الفكرية العقيمة التي يتداولها مهبطو التعليم المتحذلقين.

لا يكون التجديد في التعليم من القيمين عليه الآن، لأن الأفكار الركيكة الميتة تعشش  في عقولهم، بل من خلال فكر جديد لم يَشُبهُ تلوث فكري ولم تؤثر فيه الأفكار السائدة القديمة. ويعدد المؤلف نقاطاً يتوجب على الرئيس الجديد والمعنيين بالتعليم القيام بها لتسريع وتيرة النهوض بالتعليم.

قائد فعال

يلفت المؤلف إلى أن القائد الفاعل المبدع هو من يترك أثراً كبيراً بعد خروجه، من خلال أمور هامة منها أن يضع  له أهدافاً لا يحيد عنها أبداً، لكنه يراجعها ويدرسها ويخطط لها من دون أن ينساها أو يهملها. ثم يضع لنفسه حدوداً زمنية لتحقيق هذه الأهداف، هذا ما يخصه هو من أهداف وخطط تكون على قدر عال من الطموح والغايات والتغيير، على نحو النهوض بالتعليم، أو رفع اقتصاد الدولة بطريقة معينة، أو الوصول إلى مستوى معين من الصناعة. ولا يحدّ ذلك من خطط الحكومة وأهدافها بل قد يتوافق معها لتتكامل مع بعضها، على ألا تكون أهدافه هذه مجرد شعارات رنانة للإعلام بل اعتقاد راسخ لا يتزحزح عن تفكيره.

قضايا عاجلة

يتوجب على الرئيس الجديد  تنفيذ أفعال، في الأشهر الأولى من عهده، كمبادرة لإبراز قوته وقدرته على صنع التغيير من لا شيء، وهي: أمر السلطات التنفيذية بتنفيذ الأحكام الصادرة للمواطنين ضد جهات حكومية  أو مؤسسات خاصة لكنها عطلت في العهد السابق. سيعيد هذا الفعل الحقوق إلى أهلها من دون تدخل من الرئيس في هذه الأحكام، كونها صادرة من المحاكم وعطلها النظام الحاكم السابق.

 أما القضية الأخرى العاجلة فهي رفع الحد الأدنى لرواتب الموظفين إلى حد يضمن معيشة كريمة لهؤلاء الموظفين وأسرهم، وأمر آخر مستعجل أيضاً هو انصاف المزارعين الذين هجروا نشاط الزراعة بسبب وقوف النظام مع شركات ومؤسسات جباية المحاصيل المزروعة بأبخس الأثمان. أما الأمر الأخير فهو إعادة تنشيط وتفعيل المرافق الحكومية المعطلة بسبب إخفاقات وبيروقراطية واهنة منذ العهد السابق.

back to top