Star Trek Into Darkness تجاوز التحديات

نشر في 20-05-2013 | 00:01
آخر تحديث 20-05-2013 | 00:01
يقول المخرج جي جي أبرامز، معبّراً عن ارتياحه: {أفرحتني كثيراً}. فقد أُبلغ أن سلسلة من مشاهد الحركة في فيلمه الجديد Star Trek Into Darkness أثارت حماسة ناقد مخضرم. توقف أبرامز لحظات عن التكلم عن العمل المضني والتفاصيل الدقيقة التي تطلبها إعداد فيلم يتمتع بقاعدة شعبية متشددة (لا تتردد في التعبير عن رأيها) ليتحدث عن Into Darkness كفيلم عملاق صُوّر بكاميرات IMAX ثم حُوّل إلى فيلم ثلاثي الأبعاد.
يوضح المخرج جي جي أبرامز: {كان همنا الأول إعداد فيلم يُشكّل في المقام الأول جولة حماسية، ممتعة، ومسلية. سبق أن قمنا بكل العمل المضني (في فيلم Star Trek عام 2009)، صغنا نظرتنا إلى الشخصيات، وحددنا جدولنا الزمني الذي يحترم كل ما سبق ويأخذه في الاعتبار. لكننا حرصنا في الوقت عينه على التفلّت منه لنسير في اتجاهنا الخاص. كان بإمكاننا أن نختار ما نشاء من السلسلة الأصلية، متجاهلين التفاصيل الأخرى. وتعمدنا تصميمه كفيلم مستقل. فلا داعي لأن تشاهد الفيلم الأول أو السلسلة الأصلية لتستمتع به. لا تحتاج إلى الاطلاع على القصة مسبقاً. ولكن إن كنت أيضاً من عشاق هذه السلسلة، فستجد فيه ما يمتعك}.

صحيح أن Into Darkness يتلاعب بأسس سلسلة Star Trek بطريقة ذكية (قد يعتبرها البعض مرفوضة)، لكن هدفه الأول يبقى إمتاع المشاهد بمجموعة من مشاهد الحركة الضخمة التي تثير الحماسة.

فيذكر سيمون بيغ، الذي يؤدي دور المهند سكوتي: {نجح جي جي في الحفاظ على حس الفكاهة في أجزاء الفيلم كلها. من الضروري أن يتذكر مخرج كبير مثله غاية ما يعدّه، فلا يقع في شرك الادعاء أنه يقدّم فنّاً راقياً. لا يعني ذلك أن الفيلم لا ينتمي إلى هذه الفئة. لكننا نرى اليوم ميلاً متزايداً إلى المبالغة في الجدية، في حين أن الموادّ المقدّمة مخصصة للأولاد. يحاول بعض صانعي الأفلام جعل القصص المصوَّرة والخيالية والأبطال الخارقين أكثر جيدة. إلا أنني أعتقد أحياناً أن هذا خطأ لأنه يسلب هذا النوع من الأعمال مزاياه وخصائصه. لم يفقد جي جي بعد علاقته بالصبي الصغير في داخله، فما زال يعرف ما تعنيه تجربة أن يكون الإنسان متحمساً وسعيداً إلى أقصى الحدود».

يتتبع Star Trek Into Darkness قصة طاقم السفينة الفضائية USS Enterprise فيما ينطلق بتردد في مهمة عسكرية لاعتقال إرهابي يُدعى جون هاريسون (بنديكت كومبرباتش) زرع قنبلة قتلت المئات في لندن، ثم اختبأ في كوكب كلينغون، الذي لا يحق للكابتن جيمس تي. كريك (كريس باين) وطاقمه دخوله بحكم القانون.

بما أن الفيلم الأول (الذي حصد 385 مليون دولار حول العالم) شمل ذلك العمل المضني كله، من تحديد الحبكات الأصلية إلى التعريف بالشخصيات، فقد نفترض أن كتابة جزء ثانٍ ستكون أكثر سهولة، وستمنح المعدين فرصةً لابتكار أفكار مجنونة. إلا أن روبرتو أوركي، الذي شارك ألكس كورتزمان ودايمن لندلوف في كتابة الفيلم، يؤكد العكس.

يقول أوركي: «لم تكن التوقعات عالية خلال الفيلم الأول، ما أتاح لنا العمل بحرية أكبر. فمن أين نأتي بممثلين يبرعون في أداء شخصيات مثل كيرك وسبوك؟ لم نعتقد أن هذا أمر ممكن. ولكن مع الفيلم الثاني، كنا قد تخطينا العقبات وصار باستطاعتنا أن نفعل ما نشاء. وهذا مخيف ومقلق لأن المشاهدين يطالبون بأن نفاجئهم. لذلك كانت توقعاتهم بشأن الفيلم الثاني عالية».

منذ البدء بالتصوير، كثرت الإشاعات على شبكة الإنترنت: هل الإرهابي في الفيلم هو حقّاً خان، ذلك الشرير الغني عن التعريف (أدى الدور سابقاً ريكاردو مونتالبان)، إلا أنه متنكر؟ هل لقطة اليدين اللتين تحاولان التلامس عبر الزجاج في إعلان الفيلم الياباني تكريماً لنهاية فيلم Star Trek II: The Wrath of Khan؟ وإن كان ذلك صحيحاً، يدا مَن هاتان؟ وهل يحتوي الفيلم حقّاً على شخصية تريبل؟

يذكر الكاتب لاري نيميسيك، مرجع في أفلام Star Trek وصاحب المدونة الشهيرة treklandblog.com، أنه هو أيضاً تفاجأ ببعض التطورات والأحداث في Into Darkness. يوضح: «تبدأ القصة بمهمة عادية. ولكن سرعان ما يواجه الكثير من الشخصيات عقبات كبيرة. كذلك تفاجأتُ بكثرة اللقطات التي تكرّم السلسلة الأصلية. هكذا نجح معدّو الفيلم في الجمع بين هدفَين: إرضاء معجبي السلسلة المتشددين والمشاهدين العاديين. خلال الجزء الأخير، رحت أفكّر: لا أصدّق أنهم سينجحون، إلا أنهم نجحوا».

رموز عصرنا

ما يجعل Into Darkness ينضم بنجاح إلى سلسلة أفلام Star Trek (بنجاح أكبر من الفيلم السابق) أن قصته تحفل بإشارات ورموز تحاكي عصرنا، ما يُعتبر تكريماً للهدف الذي سعى إليه جين رودنبيري، عندما ابتكر المسلسل التلفزيوني في ستينيات القرن الماضي.

يذكر البروفسور أنتوني روتولو، الذي يدرّس مادةً {Star Trek وعصر المعلوماتية} في جامعة سيراكيوز: {عندما تفكّر في الخيال العلمي عموماً، تُلاحظ أن غالبية السيناريوهات التي تتناول المستقبل قاتمة جدّاً. ترى الناس يناضلون دوماً ضد إمبراطورية مستبدة ما. كان رودنبيري أول مَن قدّم رؤية عن الإنسانية فيها أمل. فقد تغلبت الأرض على عناصر الحرب كافة وعادت إلى استكشاف الكون، ما يذكّرنا بالشعور الذي عمّ خلال سباقنا إلى القمر. طرح رؤية إنسانية عن المستقبل، مشدّداً على أهمية معرفة الإنسان قدر نفسه، تثقيفه ذاته، وإظهار ذلك في تعاطيه مع الآخرين. لذلك أعطى أسلحة Phaser القدرة على شل الحركة. أوَليس رائعاً أن نصنع أسلحة تشل العدو وتتيح لنا التحدث إليه لاحقاً؟ تتمثل هذه الفكرة اليوم بسلاح تازر (الصاعق الكهربائي)}.

حرص أبرامز على تكريم إرث رودنبيري في Into Darkness، خصوصاً عندما قدّم للمشاهدين قصة تحمل الكثير من الروابط بحياتنا العصرية.

يقول أبرامز: «لا تدور أحداث Star Trek في الماضي البعيد في مجرة في أقاصي الكون، بل في المستقبل. وسيحلّ هذا المستقبل في وقت أقرب مما تتوقعون. من الضروري ألا يكون الفيلم مثيراً للجدل أو يحتوي على الوعظ والنصح. ولكن عليه أن يتناول في المقابل مسائل مهمة وملائمة نواجهها اليوم. صحيح أنه لا يركز على قضية واحدة بالغة الأهمية، إلا أننا حرصنا على تناول عناصر ترتبط بحياتنا ويمكننا التفاعل معها. فإذا لم يشعر المشاهد برابط يجمعه بمحاور الفيلم وأحداثه وقصة الشرير، نكون قد أعددنا فيلماً نظريّاً يشاهده الناس إلا أنهم لا يتفاعلون معه، بل يعتبرون أنه لا يعنيهم}.

يضيف أبرامز: {لذلك ندع الشخصيات تخوض جدالاً فلسفيّاً بشأن بعض المشاكل الأخلاقية من دون أن نلجأ إلى الوعظ والنصح. ماذا يحدث عندما تكون السلطة مخطئة؟ ما العمل عندما يعني اتباع الأوامر القيام بأمر منافٍ للأخلاق؟ ماذا يحدث عندما تظن أنك ستُهاجم فتتحول إلى معتدٍ؟ وما الحواجز التي قد تكسرها لتحمي عائلتك؟ لكن هذه الأسئلة كافة لم تسلب الفيلم طابعه الحماسي المثير. على العكس، منحته روحاً ولمسة واقعية. يكمن سرّ نجاح الفيلم في تعاطف المشاهد مع الشخصيات. فإن لم تكترث بها، إن لم تجعلك تضحك وتتعاطف معها، فلن تهتم بمشاهد الحركة، وهي كثيرة في Into Darkness».

أول قبلة

يشير كاتب السيناريو أوركي: «في هذا يكمن إرث Star Trek. يمثّل كابتن كيرك نوعاً ما جون كينيدي والملازم أوهورا حقوق الإنسان. أما الروسي تشيكوف، أحد أعضاء الطاقم، فيذكّر بالحرب الباردة. كذلك تشاهد أول قبلة بين عرقَين مختلفَين. تشتهر سلسلة Star Trek بقدرتها على عكس الزمن الذي تدور فيه الأحداث. وهذه ليست بالمهمة السهلة. شعرنا بعدما أعددنا الفيلم الأول، الذي يشكّل عودة إلى الجذور، أن علينا الحفاظ على ميزة Star Trek: أن نعكس ما يحدث في أيامنا. ولكن ماذا يحدث في أيامنا؟ حرب، إرهاب، رغبة في الانتقام... ألا ينتهك كل هذا قيمنا؟ نطرح هذه المحاور كأسئلة لا نقدّم الجواب عنها. كان فيلم Star Trek سيفشل لو لم يعكس العالم الذي نحيا فيه}.

تؤكد ليندا ويتزل، بروفسورة في جامعة جورجتاون تدرّس مادة {الفلسفة وStar Trek}، أن هذا النوع من المعضلات الأخلاقية شكّل دوماً جوهر ابتكارات رودنبيري.

تتابع ويتزل موضحةً: {تحمل سلسلة Star Trek محاور مهمة. فهي ليست مجرد سلسلة أفلام حركة تدور أحداثها في الفضاء. لربما كانت كذلك في البداية، إلا أنها سرعان ما بدأت تطرح التخمينات. وهذا هو جوهر الفلسفة: استكشاف الاحتمالات. لنتأمل في السفر عبر الزمن، مثلاً. تحتوي السلسلة على الكثير من الحلقات عن السفر عبر الزمن. ويبدو بعضها متقناً جدّاً ويتناول تفاصيل هذه المسألة بدقة بالغة، في حين بدا بعضها الآخر ممتعاً من دون أن يفقد تسلسله المنطقي. تتطرق السلسلة أيضاً إلى مسائل الإرادة الحرة. فعندما سيطر بورغ على الكابتن بيكارد (في السلسلة التلفزيونية الأخيرة Star Trek: The Next Generation)، ارتكب أعمالاً بشعة. ولكن عندما تخلص من بورغ، سامحه الجميع لأنه لم يكن مسؤولاً عن تصرفاته. ما كان يتمتع بالإرادة الحرة. فماذا يجعل الإنسان مسؤولاً أخلاقيّاً؟ يرتبط الجواب بما إذا كنت تقوم بما تريده أو أنك تُرغم على ذلك. تعالج حلقات كثيرة من Star Trek مسائل مشابهة}.

على نحو مماثل، يدفع فيلم Star Trek Into Darkness الشخصيات إلى مواقف تُرغمهم على اتخاذ قرارات سريعة قد تبدو، عند التفكير فيها، غير سديدة. رغم الصعاب كلها، حقق الفيلم النجاح على كل الأصعدة. وهكذا يقدّم أبرامز مثالاً إضافيّاً على أنه يستطيع تجاوز التحديات كافة، مبدعاً في مشاريع صعبة، ومتخطيّاً التوقعات.

back to top