الأفلام الشعبية... بين الابتذال وتلبية رغبات المشاهد
{تتح} و{بوسي كات} و{متعب وشادية} أفلام تضاف إلى الأفلام الشعبية التي ازدادت في الفترة الأخيرة، متخذة من المناطق الشعبية والعشوائية موقعاً لأحداثها، وتدور قصتها حول مواطنين تجبرهم الظروف المادية الصعبة على أن يصبحوا بلطجية فيتجهون إلى السرقة.
سرعان ما تختفي الأفلام الشعبية من ذاكرة المشاهد لتبقى الأغنيات والرقصات التي تقدمها مطربة شعبية ضمن الأحداث، لأن الجمهور يرددها في ما بعد في المناسبات الاجتماعية. فلماذا ازدادت هذه النوعية من الأفلام في الفترة الأخيرة وما سبب إصرار المنتجين على تقديمها؟ وهل انخفاض كلفتها مبرر لاستمرار تقديمها؟ لماذا يدعمها الجمهور وتحقق نسبة مشاهدة مرتفعة؟لا يجد المنتج محمد السبكي مشكلة في إنتاج أفلام شعبية بل يفتخر بتقديمها، يقول: {اتركونا نقدم فناً يساعد على استمرار صناعة السينما بدلا من أن تنهار ونبكي على تاريخنا العظيم الذي حققناه فيها}.
يضيف: {على الجميع دعم القيمين على هذه الأفلام لأنها تحفّز المشاهد على الخروج من منزله والتوجّه إلى دور العرض لمتابعة الفيلم الذي لفته من الإعلان، أيا كان نوعه، شعبياً أو أكشن أو رومنسياً}. يؤكد السبكي أنه ينفق مبالغ طائلة على هذه الأفلام لتكون معبرة عن هذه الطبقات، ويتعاقد مع نجوم كبار يشكلون عامل جذب للمشاهد، نافياً أن تكون الكلفة المنخفضة لهذه الأفلام سبباً في ازديادها، ومعتبراً أن تقديمها بكثرة قد يساهم في رفع مستواها.توجه واضحللمخرج سامح عبد العزيز توجه واضح نحو تقديم أفلام تعبر عن الناس الذين يسكنون الحارة الشعبية المصرية، من خلال مجموعة من الأفلام بدأت مع {كباريه}، {الفرح}، {صرخة نملة}، وأخيراً {تتح}، يساعده في ذلك تفاعله مع هؤلاء الأشخاص الذين يمثلون الغالبية العظمى من الشعب المصري، إلى جانب أن هذه الأفلام تزخر بحكايات كوميدية هدفها إضحاك الناس وتوعيتهم. بدوره يعتبر علاء الشريف (مخرج ومنتج {الألماني} و{بوسي كات}) أن الأفلام الشعبية تلبي القوة الشرائية لطبقة معينة، ويصنف الجمهور إلى طبقات فئة أولى تشاهد أفلاماً أجنبية ولا تلتفت إلى الفيلم العربي إلا إذا كان يتمتع بالمستوى نفسه، فئة ثانية تنتظر عرض الفيلم على القنوات الفضائية لمشاهدته ولا تحضره في دور العرض، وفئة ثالثة تفضل الأفلام الشعبية التي تتضمن حكاية تجري أحداثها في منطقة تشبه المنطقة التي تعيش فيها هذه الطبقة، شرط أن تكون مضحكة، وترافقها رقصات واستعراضات مع مجموعة من الأغاني، {بما أن الطبقة الأخيرة تضم غالبية المصريين فإن الأفلام الشعبية تحقق معدلات مشاهدة مرتفعة}. يضيف الشريف أن انخفاض كلفة إنتاج هذه الأفلام سبب انتشارها، مشيراً إلى أن مواقع تصوير الفيلم الشعبي عبارة عن حارة بسيطة وديكورات غير مكلفة، مع ممثلين يتقاضون أجورا متوسطة، {فيما الأفلام الأخرى كلفتها مرتفعة لأنها تحتاج إلى تصوير في أماكن قد يصل إيجار أحدها إلى 25 ألف جنيه في اليوم، إلى جانب الأجر المرتفع للنجوم الكبار الذين يؤدون بطولتها}.من جهتها، تلفت علياء الكيبالي (مؤلفة {متعب وشادية} ومنتجته وبطلته) أن هدفها من هذا الفيلم مناهضة الصورة الذهنية التي تروّج في وسائل الإعلام عن أهل الحارات الشعبية، ومفادها أنهم، عندما تضيق بهم الحياة، يبيعون شرفهم بالسرقة والقتل وتعمل الفتيات في ملاهٍ ليلية حيث رحلة سقوطهن أو يقمن بأي فعل مرفوض مجتمعياً.تضيف: {توضح هذه الأفلام الحاجة إلى نشر الوعي والثقافة حول حياة هؤلاء الناس الذين لديهم غرائز غريبة من بينها: القوة، الضعف، الطيبة، والحفاظ على الشرف، فهي طبقة لا تسير بمنهج أو ثقافة معينة، و{متعب وشادية} يعبر عن ذلك في إطار قصة حب واجهتها ظروف قهر ومعيشة صعبة.أفلام خفيفةيلاحظ الناقد رفيق الصبان أن الإنتاج توجه، في الفترة الأخيرة، إلى طبقة شعبية معينة، لذا يختار المنتجون قضايا تهمّ هذه الشريحة، على عكس ما كان يحدث منذ سنوات، إذ كانت الأعمال متنوعة وموجهة إلى طبقات مختلفة.يبرر الصبان ارتفاع إيرادات هذه الأفلام إلى انصراف العائلات عن حضور الأفلام، وحصر جمهورها بالشباب الذين يفضلون أفلاماً خفيفة، بالتالي يلبي المنتجون أذواق هؤلاء ليحققوا لأنفسهم إيرادات مرتفعة، فيقدمون أعمالاً غير ذات قيمة وإن كانت إيراداتها أخذت في الهبوط، ولم تعد تحقق الملايين مقارنة مع بدايات انطلاقتها. يتوقع الصبان أن تختفي هذه الأفلام سريعاً في المواسم المقبلة بعدما ينصرف الجمهور عنها، لأنه وحده كفيل بالحد من ظاهرة معينة أو تشجيعها على الاستمرار.يضيف أن السينما المصرية قدمت طوال تاريخها أفلاماً شعبية ذات كلفة منخفضة هدفها استهلاكي وليس فنياً، ففي العام الذي تنتعش فيه السينما تكون نسبة الأفلام الشعبية فيها حوالى 30 % من مجموع الأفلام المعروضة. يوضح أن حركة الإنتاج في مصر ضعيفة هذه الأيام، وتضاءلت الأفلام الضخمة التي يشارك فيها نجوم كبار. {ثمة جهات قائمة على هذه الصناعة من بينها دور العرض ومحطات التلفزيون تحتاج إلى عرض أفلام حديثة أولا بأول، وفقاً لمبدأ المنافسة القائم بينها، من هنا تجد هذه الأفلام سوقاً لعرضها واستمرارها}.