في دستور مصر 2012 نصّ غريبٌ وعجيبٌ، وهو ليس النص الوحيد الذي يتسم بالغرابة والشذوذ في هذا الدستور، إلا أن هذا النص قد شابته عيوب كثيرة، منها إخلاله بمبادئ دستورية كثيرة نص عليها الدستور ذاته، كإخلاله بمبدأ المساواة أمام القانون، وإخلاله بالمساواة أمام القضاء، وعدوانه على ولاية القضاء، وإهداره لشرعية الإجراءات الجزائية، ورفضه لفكرة القاضي الطبيعي، وتنكره لمبدأ حماية العدالة، وأكثر من ذلك فإنه يخالف شرع الله، بالرغم من أن مَن وضعوه في الجمعية التأسيسية هم من التيار الإسلامي، بل إن هذا التيار كان يرفع شعاراً في الاستفتاء على الدستور، هو أن الدستور تطبيق لشرع الله، وهو ما زعمه التيار الإسلامي في اللافتات التي حملوها أمام تمثال النهضة وأمام رابعة العدوية وغيرها من محافظات مصر.

Ad

ووفقاً للمادة 166 من مسودة الدستور، يكون تحريك الدعوى الجنائية ضد رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء في الجرائم التي تقع منهم أثناء تأدية أعمال مناصبهم أو بسببها بناء على طلب رئيس الجمهورية أو النائب العام بطلب موقع من ثلث أعضاء مجلس النواب.

وفي جميع الأحوال لا يجوز تحريك الدعوى الجنائية إلا بقرار تصدره أغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب، ومن الجدير بالذكر أنها ذات الأغلبية المطلوبة لإقرار تعديل الدستور في المادتين 217 و218 من الدستور.

والبادي من هذا النص أنه يتضمن تحصيناً لرئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء من المساءلة الجنائية عن الجرائم التي ترتكب منهم أثناء تأدية وظائفهم أو بسببها، والتي تشمل كل الجرائم، بما في ذلك الامتناع عن تنفيذ أحكام القضاء وجرائم الفساد.

وبطبيعة الحال فإن ما نصّت عليه المادة (166) من صلاحية النائب العام لا تعدو أن تكون الطلب من مجلس النواب الموافقة على تحريك الدعوى الجنائية، وهي موافقة تتطلب أغلبية الثلثين أيضا.

وهو ما ينطوي على عدوان على ولاية القضاء، بتحريك الدعوى الجنائية من غير الجهة القضائية المختصة والتأثير في القضاء وفي حسن سير العدالة، خاصة أن المادة (166) قصرت دور النائب العام في طلب تحريك الدعوى الجنائية قبل الوزراء مع ضرورة موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب، كما انطوى على إخلال بمبدأ المساواة أمام القانون والقضاء.

بل إن هذا النص- كما قدمنا- يقع في حومة مخالفة شرع الله،

فالأحكام الشرعية في أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية وفقا للتعريف الذي تضمنه الدستور في المادة 219 في ما تنص عليه من أنها تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنّة والجماعة تقرر مبدأ المساواة أمام القانون، والذي لا يعرف التفرقة أو التمييز بين أفراده، في قوله تعالى "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"، ويقول الرسول- صلى الله عليه وسلم- "لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى"، ويقول أيضاً "الناس سواسية كأسنان المشط"، ولا تشمل المساواة أمام القانون والقضاء الرعية وحدها، بل تشمل آل النبي والولاة، لا تفريق بين شريف ووضيع، وقد قال الرسول- صلى الله عليه وسلم- "لو أن فاطمة سرقت لقطعت يدها". وقد أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، رجلاً من أهل مصر شكا ابن عمرو بن العاص أنه ضربه، أمر المصري بضرب ابن الأكرمين، ابن عمرو بن العاص بعد أن دعاه ووالده ثم خاطب الخليفة عمرو بن العاص قائلاً له "متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً".

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.