أثارت مواقف الدول الأوروبية والولايات المتحدة من الوضع الجديد في مصر في أعقاب ثورة 30 يونيو، وتدخل الجيش، وزوال حكم الإخوان، ومجيء حكم جديد، ورفض الإخوان الاعتراف بالواقع الجديد، وسعيهم إلى الاعتصامات الطويلة والتضاهرات المستمرة التي تخللتها اشتباكات عنيفة وسقوط المئات من القتلى والجرحى، إضافة إلى إحراق العديد من الكنائس وأقسام الشرطة والمنشآت الخاصة والعامة، أثارت هذه المواقف ردود فعل متباينة سواء في مصر أو في الساحة العربية.

Ad

 فبينما رحب بها جماعة الإخوان والمتعاطفون معها، وكذلك جماعة "لسنا من الإخوان" ولكن ضد حكم العسكر، ومع الحوار السياسي مع الإخوان وصولاً إلى حل سياسي وسطحي، نجد في المقابل أغلبية الشعب المصري وحكومته والعديد من الدول العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي رأت في هذه المواقف الدولية نوعاً من عدم التوازن في الرؤية والتوجيه والسلوك، وتجاهلاً لإرادة 30 مليوناً خرجوا رافضين حكم الإخوان.

 وكان من أبرز من عبر عن هذا المضمون، وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الذي انتقد المواقف الدولية تجاه مصر بقوله: انتفاضة 30 مليون مصري لا توصف بالانقلاب العسكري، مؤكداً مساندة السعودية الكاملة لمصر، كما عبر عنها بقوة ووضوح خطاب خادم الحرمين الشريفين الذي لقي ترحيباً جارفاً من الشعب المصري وحكومته، ومحذراً من يهدد مصر بوقف المساعدات بأن عليه أن يعرف أن الأمة العربية قوية بإمكاناتها وستقف معها.

 كما أن أشد الغاضبين من المواقف الأوروبية والأميركية، الشعب المصري الذي بلغ به معدل الغضب وخاصة ضد الولايات المتحدة مبلغاً لم يصل إليه من قبل في تاريخ العلاقات بين القاهرة وواشنطن، كما يقول وحيد عبدالمجيد، انطلاقاً من اعتقاد المصريين أن الولايات المتحدة تتحدى إرادتهم الإجماعية في رفض الحكم الإخواني، والتي تمثلت بـ(3) تظاهرات غير مسبوقة تاريخياً في شهر واحد (30 يونيو، 3 يوليو، 26 يوليو)، بل تحول هذا الغضب الشعبي إلى نوع من العداء للولايات المتحدة، ورفض مساعدتها السنوية والمقدرة بـ(1.6) مليار دولار.

 لقد ضاق المصريون بـ"المن" الأميركي، والتهديد بقطع المعونة في كل سنة كوسيلة للضغط على الحكومة والجيش، إنهم اليوم يطالبون حكومتهم بالمبادرة بإعلان رفض المصريين للمساعدات الأميركية ابتداءً، رفضاً للتهديد والابتزاز الأميركي.

 وفيما يتعلق بالمواقف الأوروبية فقد تمخض اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل مؤخراً عن تعليق توريد كل ما يمكن استخدامه في عمليات القمع في مصر، والمطالبة برفع حالة الطوارئ وإطلاق سراح السجناء السياسيين واحترام حرية التعبير والتجمع السلمي، وإعلاء شأن حقوق الإنسان، وضمان حقوق الأقليات، ووصف ما حصل من حرق للكنائس وقتل الجنود المصريين بسيناء بالعمليات الإرهابية، كما ترك الاتحاد الأوروبي لأعضائه حرية التعامل مع مصر.

 في تصوري أنه لا ينبغي الانزعاج من المواقف الأوروبية والأميركية وغيرها من الوضع المصري الجديد باعتبارها تدخلاً مرفوضاً في الشأن الداخلي المصري، كما ينبغي تجنب ردود الفعل العاطفية وتوتير العلاقات بين الدول، فالمصالح الدولية لا تبنى على العواطف الجياشة، كما لا يصح أن تكون رهن مشاعر الغضب الوقتية.

 وبطبيعة الحال فإن من حق الشعوب أن تغضب لما تتصوره ماساً بكرامتها أو سيادة دولتها أو استغلال إرادتها، ولكن على القيادات والحكومات والنخب الفكرية والدينية ضبط هذا الغضب وترشيده وتوجيهه الوجهة الآمنة، صيانة للمصالح الوطنية العليا، ومهما بلغت سخونة الغضب الشعبي، فعلينا أن نحول بينه وبين توتير العلاقات الدولية، وعلينا أن نفهم طبيعة العصر ونتفهم عوامل المواقف الدولية ودوافعها.

 لقد انتهى العصر الذي تتحصن فيه كل دولة داخل أسوارها العالية بمعزل عن التدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية، وانكسرت ثنائية الداخل والخارج، وأصبح ما هو خارج يؤثر في ما هو داخل والعكس صحيح، أصبح التدخل الدولي في الشأن الداخلي سمة من سمات العالم المعاصر، ولا يفيدنا استنكار التدخل في شؤوننا، كما لن يلتفت أحد إلى هذا الاستنكار، أصبح الجميع يتدخلون في شؤون بعضهم بعضاً.

 ما يحصل في مصر يهم العالم أجمع، وما يحصل في أميركا ينعكس على ما هو حاصل في مصر، لذلك علينا تفهم هذا الأمر وحسن إدارته وتوظيفه لمصلحتنا، والاستنكار ليس حلاً، ومن ناحية أخرى فإن هذا الاهتمام العالمي بالحدث المصري، يؤكد أهمية مصر ومكانتها على الصعيد الدولي سياسياً واستراتيجياً.

 فمصر ليست دولة عادية، فهي أم الدنيا كما يقول المصريون، و"رمانة الميزان" في المنطقة، ولها في نفوس العرب المكانة العالية، ولها الثقل السياسي الكبير والمؤثر في كل الدول العربية، وقوتها قوة للعرب، واستقرارها استقرار للمنطقة، ودولة بهذا الشأن والوزن المؤثرين في حالتي السلم والأمن الدوليين، من الطبيعي أن يهتم المجتمع الدولي بما يحصل فيها.

وهذا الاهتمام العالمي لا ينبغي أن يكون باعثاً على القلق والانزعاج، فما يحصل في مصر يشكل صورة الخارطة السياسية لمستقبل المنطقة، ومن هنا نقدر ونتفهم دواعي التحرك القوي لخادم الحرمين الشريفين باعتباره (أقوى تحرك لمساندة مصر منذ عام 1937) لأن مصر تعني الكثير للسعودية، فهما (عماد) الاستقرار العربي.

كثيرون في مصر بالذات، رأوا في المواقف الدولية، انحيازاً وتدخلاً وترصداً، كما استغربوا اجتماع مجلس الأمن لبحث الوضع في مصر باعتبار أن مجلس الأمن معني بقضايا تهدد الأمن والسلام الدوليين لا الأوضاع الداخلية للدول، وهذا صحيح نوعاً ما، ولكن الأوضاع الداخلية للدول أصبحت اليوم مؤثرة في قضايا الأمن والسلم الدوليين.

 ومن هنا أتساءل: لماذا لا ينظر إلى هذا الاهتمام الدولي بالشأن المصري من زاويته الإيجابية؟ ولماذا لا نفسر هذا الاهتمام وهذا التقرب باعتبارهما، محاولة لمساعدة مصر للوصول إلى حلول سياسية توقف العنف والدمار والفوضى، وتجنب إزهاق المزيد من الدماء؟! ولماذا لا نرى في مطالبة الحكومة المصرية ببذل أقصى درجات ضبط النفس، وإنهاء حالة الطوارئ وإطلاق سراح السجناء السياسيين، والمصالحة الوطنية، نوعاً من الضبط أو القيد الإيجابي العاصم نحو الاندفاع، فسياق الغضب الشعبي نحو ردود فعل تجاه بعض أبناء الوطن، لا تحمد عقباه؟

* كاتب قطري