علاج الفنانين على نفقة الدولة... بين الحقيقة والخيال

نشر في 24-01-2013 | 00:01
آخر تحديث 24-01-2013 | 00:01
No Image Caption
فجرت وفاة الموسيقار عمار الشريعي، بعدما تجاهلت الدولة تكاليف علاجه رغم وعدها بذلك، صراعاً بين الفنانين والمسؤولين، إذ تبيّن أن ما يحكى عن علاج على نفقة الدولة هو مجرد استهلاك إعلامي، ما خلا حالات قليلة تستجيب الدولة لها بعد ارتفاع صوت الفنانين المرضى.
خلال وجود عمار الشريعي في المستشفى بسبب أزمة صحية شديدة تعرّض لها، زاره المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية ياسر علي ووعده بتحمّل الدولة تكاليف علاجه وسفره إلى الخارج، إلا أن هذا الأمر لم يحدث ومات الشريعي بسبب إهمال الدولة له. في هذا الإطار، أكد سكرتير نقابة الموسيقيين أحمد رمضان أن النقابة قدمت أوراق علاج الشريعي إلى مكتب رئيس الوزراء ووفرت المستندات المطلوبة، لكن الدولة لم تدفع فلساً من تكاليف علاجه وتكفلت أسرته بها.

كذلك لم يسلم فنانون آخرون من هذا التقصير، إذ لم تقف الدولة إلى جانبهم ولم تسأل عنهم في مرضهم، من بينهم المنتصر بالله الذي صرحت زوجته عزيزة بأنه منذ مرضه لم تسهم الدولة في علاجه، المخرج رأفت الميهي الذي يخضع لجراحة دقيقة لترميم عظام الحوض والساق اليمنى، مدير التصوير سعيد مرزوق... هؤلاء وغيرهم ولم يتلقوا عروضاً من وزارتي الثقافة أو الصحة للمساهمة في نفقات العلاج الباهظة التي لا يتحملها أي شخص، مهما كانت إمكاناته المادية، لا سيما مع طول فترة العلاج.

مساعدة هزيلة

رئيس الاتحاد العام للنقابات الفنية السيد راضي، الذي توفي بعد معاناة من مشاكل صحية من بينها وجود ماء على الرئة وعدم وصول الأوكسجين إلى الدم، ساعدته الدولة بمبلغ مالي لا يكفي للعلاج في الخارج. الأمر نفسه بالنسبة إلى سيد زيان الذي يعاني أزمة قلبية وشللاً نصفياً سببا في تنقله بين المستشفيات، إلى أن استجاب المجلس العسكري لنداء ابنته عبر الصحف لإنقاذ والدها من تردي حالته الصحية، وأودع مستشفى القوات المسلحة في المعادي قبل أن يتماثل نسبياً إلى الشفاء.

طلعت زكريا الفنان الوحيد الذي تكفّل الرئيس السابق حسني مبارك بنفقة علاجه وسفره إلى الخارج، ورغم ذلك يرى زكريا أن مسألة علاج الفنانين على نفقة الدولة مهملة منذ سنوات وليس بعد ثورة يناير وتولي التيار الإسلامي الحكم. حتى في مرضه لم تهتمّ النقابة به، ولولا الرئيس مبارك لما تم علاجه، وربما واجه مصير الشريعي.

يتساءل زكريا: طالما النظام الحالي لا يعترف بالفن والفنانين من الأساس فكيف يهتم بهم؟ لذا لا بد من تصحيح وجهات النظر نحو الفن عموماً.

تكريم معنوي

يرى الفنان أشرف عبد الغفور، نقيب الممثلين، أن علاج الفنانين على نفقة الدولة ليس واجباً عليها ولا تكليفاً لها بل تقدير منها لهم، لذا لا يمكن القول إنها مقصرة، ثم العلاج على نفقة الدولة يطاول المحتاج غير القادر على معالجة نفسه، ليس لأنه محتاج بل لأنه يستحق ذلك.

يضيف عبد الغفور: «تكرّم الدولة الفنان بدرع أو ميدالية أو شهادة تقدير، لإسهاماته في خدمة المجتمع طوال مشواره الفني، لكنني أطالبها بتكريمه مادياً من خلال تحديد الفنانين الذين يحتاجون هذا الدعم وبعيداً عن المقارنة بينهم، فلكل فنان حالة خاصة وظروف مختلفة عن غيره.

بدوره يوضح الملحن هاني مهنا أن ثمة تقصيراً في أحوال الفنانين عموماً بعد ثورة 25 يناير، ويعزو ذلك إلى تغيير النظرة إليهم، ويضيف: «الفن هو المجال الأول الذي أصابته سلبيات الثورة على مستوى العمل والعلاج، لأن المسؤولين يرونه «حراماً» وممارساته غريبة، حتى الدستور الجديد لم يحدد نسبة الرعاية الصحية سواء للفنانين أو المواطنين وتركها مطاطة، ما يثير القلق ويؤكد أن المستقبل الفني غير مشرق».

يلفت مهنا إلى أن تهاون الدولة في علاج عمار الشريعي أدى إلى موته، فهو عانى على مدى ست سنوات وسافر إلى دول كثيرة على نفقته الخاصة، ولم يطلب من أصدقائه رجال الأعمال العرب مساعدته، رغم أنهم اقترحوا عليه ذلك، وقال: «بلدي أولى برعايتي».

يعتبر مهنا أن تقلّد الإخوان مسؤولية الفن المصري غيّر الخارطة والحياة الفنية، لذا لا يملك سوى القول «لنا الله» بعدما بينت الأحداث الماضية أن الفن ليس في دائرة اهتماماتهم.

تقدير

 يؤكد الإعلامي وجدي الحكيم أن الفنان مواطن في المقام الأول ولطالما حقق للبلد إبداعات ونجاحات فنية، لذا لا بد من أن تهتم به الدولة بغض النظر عن إمكاناته المادية، مشيراً إلى أن تقدير الدولة هو ما يحتاج إليه الفنان لأن هذا حقه كمواطن، سواء كان ثريّاً أو لا، فلا يكفي تقديم باقة ورد له، لأنه أخذ ما يكفيه من دعم معنوي من خلال حب الجمهور، ويحتاج في مرضه إلى دعم مادي ليكمل حياته ويخدم بلده بالموهبة التي يملكها.

يضيف أن صديقه عمار الشريعي كان يستحق الاهتمام في محنته الصحية كونه أعطى بلده الكثير، إلا أنه واجه الإهمال.  

بدوره يوضح الناقد نادر عدلي أن فنانين كثراً لا يملكون نفقات علاجهم، لا سيما إذا كان طويلا لذا يطلبون معونة من الدولة، ولعل المنتصر بالله وسيد زيان خير دليل على ذلك؛ فكلاهما لم يعاصرا أجور الملايين وبالتالي يحتاجان إلى الدعم ويعانيان الإهمال.

يضيف أنه في حالات استثنائية ينظر الفنان إلى الأمام ويتوقع أنه في فترة ما سيحتاج دعماً فيطلب مسبقاً، كما حدث مع المخرج رأفت الميهي ومدير التصوير سعيد مرزوق اللذين كانا يمتلكان مدخرات شخصية وعندما قاربت على الانتهاء  تعالت صرخاتهما.

back to top