• تناقض المكاسب يدعو إلى القلق من معاودة سلوكيات خاطئة دفع ثمنها المستثمرون غالياً

Ad

• البورصة في حاجة إلى مشاريع تشغيل لا إلى ضخ الملايين في الأسهم

يبدو أن دروس الأزمة في تعاملات البورصة، والتي أهمها الابتعاد عن الأسهم الورقية الضعيفة الأصول أو العائد أو الإدارة الحسنة، لم تكن كافية لتعليم البعض أساسيات التداول والاستثمار.

دبت الحياة في تعاملات سوق الكويت للاوراق المالية خلال الربع الاول من العام الحالي، فارتفعت السيولة المتداولة في البورصة من متوسط يومي بـ15 مليون دينار في الارباع السنوية السابقة الى ما يوازي 45 مليون دينار خلال الربع الاول، الا ان المكاسب التي حققتها المؤشرات كانت متناقضة وتدعو إلى بعض القلق من تكرار بعض السلوكيات الخاطئة التي دفع بعض المستثمرين ثمنها غالياً خلال الازمة المالية العالمية التي انعكست على السوق الكويتي كما الاسواق الاخرى.

فبقراءة سريعة للمؤشرات الثلاثة التي يعتمدها السوق الكويتي نجد ان المؤشر السعري حقق مكاسب عالية في الربع الاول بلغت 13%، بينما حقق المؤشر الوزني ارباحا بلغت 3.8% ومؤشر "كويت 15" حقق نموا بـ2.2%، وهنا نجد انفسنا امام مؤشرات متناقضة تشير الى ان الاسهم الصغرى، لا الاسهم القيادية، هي التي قادت التعاملات خلال الربع الاول.

مكاسب «السعري»

فالمؤشر السعري يتأثر بأسعار الأسهم بدرجة عالية اكثر من وزنها، بمعنى ان صعود سهم شركة رأسمالها 10 ملايين دينار بمقدار 10 فلوس سيؤثر في "السعري" اكثر من شركة رأسمالها 200 مليون دينار يصعد سهمها بـ10 فلوس، لأن سعر الشركة الصغيرة اعلى من تلك الكبيرة، اما المؤشر الوزني فيهتم بقياس اداء الشركات الكبرى، وكذلك مؤشر كويت 15 الذي يدمج ما بين الحجم ومعدل الدوران في التعاملات.

لذلك وجدنا خلال الربع الاول حركة قوية على اسهم صغيرة من حيث السعر او رأس المال لدرجة يتم فيها تداول اسهم تتجاوز عدد اسهم الشركة المصدرة في مضاربات عنيفة على شركات ليس لديها ارباح ولا مشاريع ولا –حتى- موظفون، في تذكير صريح للشركات التي سقطت سقوطا مدويا فور بدء انعكاس الأزمة المالية على السوق عام 2008.

دروس الأزمة

ويبدو ان دروس الأزمة في تعاملات البورصة، والتي اهمها الابتعاد عن الاسهم الورقية الضعيفة الاصول او العائد او الادارة الحسنة لم تكن كافية لتعليم البعض اساسيات التداول والاستثمار، فخلال الربع الاول شهدت مجموعة من الاسهم الخطيرة تعاملات قياسية ومضاربات عالية على مدى اسابيع متتالية، الامر الذي يشير الى ان هناك من لم يتعلم جيدا من دروس الازمة ومازال يرتكب نفس الاخطاء السابقة.

قد يتساءل احدهم: اليست الاسهم المضاربية والصغيرة هي "ملح السوق" وهي مشروعة لأي متداول؟

صحيح ان المضاربة جزء من عمليات التداول، الا انها كانت العمود الفقري للتعاملات، ففي حين حقق قطاع التكنولوجيا في الربع الاول 31.4% وقطاع الخدمات المالية 11.5% كان نصيب قطاع البنوك 3.7% وقطاع الاتصالات تراجع بـ 1.3%، اي ان التركيز الاساسي كان على القطاعات المحدودة والصغيرة، وهنا يجب على المتداول الحصيف الا ينبهر بصعود المؤشرات العامة، بل عليه ان يحللها ليعرف حقيقة هذا الصعود والاساس الذي بني عليه.

معايير غائبة

من المفيد ان نعلم ان صعود البورصة لا يقوم على "حفار" او استثمارات مجهولة في افريقيا او رهان فاشل على ملكيات متشابكة في شركة تمتلك اخرى وغير ذلك من "عدة" النصب الكثيرة التي مارستها هذه الشركات وغيرها قبل الازمة المالية العالية، بل يكون صعود البورصة مرتكزا على شركات تحقق ارباحاً تشغيلية قابلة للتكرار وليس نتيجة بيع اصول استثنائية وارباح محققة، وليست مبنية على تقييم غير واقعي الى جانب وجود مجلس ادارة "محترم" لم يتلوث بفضائح ما بعد الازمة التي حددت بشكل واضح الطيب من الرديء.

بالطبع الحديث عن الاسهم غير الموثوقة لا يشمل جميع الاسهم الصغيرة، اذ ان بعضها استطاع ان يوزع ارباحا نقدية توازي ما بين 9 الى 12% كعائد على استثمار السهم، وهذه الاسهم ربما علتها الوحيدة هي بيئة التداول لا اكثر، وعلى المستثمر ان يبحث ليعرف اي الشركات اولى بالاستثمار وايها يجب الابتعاد عنه.

بيئة سليمة

والمهم فعلا لايجاد بيئة تداول سليمة في البورصة هو وجود بيئة استثمارية اصلا في البلد، اي تعزيز الإنفاق الحكومي الاستثماري، وهذا لا يعني مساعدة أو دعم الشركات المتعثرة أو الموقوفة لتسدد ديونها على حساب الموازنة العامة، بل الإنفاق على مشاريع البنية التحتية كي يتم تنشيط الدورة الاقتصادية، فعندما تطلق الحكومة المشاريع فسيرتبط هذا الأمر بحركة شاملة في القطاع المصرفي الذي سيتولى تمويلها، والقطاع العقاري الذي سينفذها، والصناعي الذي ستزيد مبيعاته، لا سيما في مجال المواد الإنشائية، وكذلك القطاعات الخدمية واللوجستية.

إن الإنفاق على المشاريع بالاضافة الى أنه سينفذ اعمال بنية تحتية تحتاج إليها الدولة فهو ايضا سيحرك كثيرا من اسهم الشركات التشغيلية الجيدة في البورصة، والتي تأثرت أسعارها وأنشطتها بسبب الأزمة المالية العالمية، لا بسبب الإفراط في الديون أو العجز عن سداد الالتزامات، وجميع من كان يستثمر في السوق خلال حرب تحرير العراق يتذكر كيف نجح عقد تشغيلي للجيش الأميركي مع "أجيليتي" (المخازن سابقا) في إشعال حمى التداول في البورصة لنحو 4 سنوات متواصلة، إذ انتعشت "أجيليتي" ومجموعة الأسهم المرتبطة بها، بل وحتى المجاميع التي استثمرت بها، فضلاً عن الأفراد... فكانت المكاسب عامة للجميع.

ومنذ 3 سنوات وافق مجلس الأمة على خطة حكومية أطلق عليها مجازا اسم "خطة تنمية" تصل قيمتها المعتمدة إلى 37.5 مليار دينار، نصيب القطاع الخاص منها 15 مليارا، لكن حتى اليوم، لا نسبة التنفيذ تستحق أن تذكر، وكلها على الورق، ولا الحكومة أقرت رؤيتها لواقع وآليات التمويل، وبالتالي فمن الطبيعي أن تصاب البورصة بالجمود والركود والشلل.

المرصود والتنفيذ

وحسب ميزانية عام 2012 - 2013 فإن المرصود للإنفاق الاستثماري بلغ 3.1 مليارات دينار من أصل 19.4 مليارا، أي ان الإنفاق الاستثماري يشكل 15.9 في المئة من إجمالي الإنفاق، وهي نسبة قليلة خليجياً، إذ يتراوح الإنفاق الاستثماري خليجياً بين 18 و33 في المئة، إضافة إلى أن المبلغ المرصود للإنفاق الاستثماري لم يصرف منه إلا 64 في المئة فعلياً، مما يشير بشكل جلي إلى وجود أزمة حقيقية في الإنفاق والعقلية التي تديره.

البورصة بحاجة الى عامل تحفيز، وهو بالطبع ليس ضخ الملايين في الاسهم، بل يتمثل في بيئة سليمة مرتكزة على مشاريع وشركات تشغيل وهو الامر الغائب حتى الآن عنها.