عندما نشرت Foreign Policy مقالاً عن "القوة الناعمة" عام 1990، مَن كان يتوقع أن هذا المصطلح قد يستخدمه ذات يوم سياسيون أمثال هو جينتاو وفلاديمير بوتين؟ رغم ذلك، أخبر هو جينتاو الحزب الشيوعي الصيني عام 2007 أن الصين تحتاج إلى زيادة قوتها الناعمة، في حين حض بوتين الدبلوماسيين الروس أخيراً على الإكثار من اعتماد القوة الناعمة، ولكن لا يبدو أن هذين القائدين يفهمان جيداً كيفية تحقيق هذين الهدفين.

Ad

القوة هي القدرة على التأثير في الآخرين للحصول على النتيجة المرجوة، ومن الممكن تحقيق ذلك بطرق ثلاث رئيسة: الإكراه، أو دفع المال، أو الجذب. وإذا استطعت أن تضيف قوة الجذب الناعمة إلى عدتك، تنجح في الحد من وسائل الترغيب والترهيب التي تحتاج إليها. وبالنسبة إلى قوة ناشئة، مثل الصين، التي يخيف اقتصادها وقوتها العسكرية المتناميين جيرانها ويدفعانهم إلى تشكيل الائتلافات للتصدي لها، تشمل الاستراتيجية الذكية اعتماد القوة الناعمة كي تبدو الصين أقل إثارة للخوف، والائتلاف الموازنة أقل فاعلية. أما بالنسبة إلى قوة متداعية مثل روسيا (أو بريطانيا قبلها)، تساهم القوة الناعمة المتبقية في التخفيف من حدة السقوط.

تقوم قوة البلد الناعمة في المقام الأول على ثلاثة موارد: ثقافته (في أماكن يجذب فيها الآخرين)، قيمه السياسية (عندما يلتزم بها في الداخل والخارج)، وسياساته الخارجية (حين تُعتبر شرعية وتتحلى بسلطة أخلاقية)، لكن الجمع بين كل هذه الموارد لا يكون دوماً مهمة سهلة.

على سبيل المثال، قد يؤدي تأسيس معهد كونفوشيوسي في مانيلا لتعليم الثقافة الصينية إلى قوة ناعمة، إلا أنه من المستبعد أن يحقق هذه الغاية في وقت تخاطب فيه الصين الفلبين بلهجة قاسية بسبب عقبة جزر سكاربورو المتنازع عليها. على نحو مماثل، أخبر بوتين دبلوماسييه أن "الأولوية بدأت تتحول نحو استعمال القوة الناعمة الفعلي من خلال تعزيز مكانة اللغة الروسية"، ولكن كما أشار الباحث الروسي سيرغي كاراغانوف عقب الصراع مع جورجيا، على روسيا أن تلجأ "إلى القوة القاسية، بما فيها القوة العسكرية، لأنها تعيش في عالم أشدّ خطورة... ولأنها لا تملك الكثير من القوة الناعمة، أي القدرة على الجذب اجتماعياً، وثقافياً، وسياسياً، واقتصادياً".

يعود الجزء الأكبر من قوة الولايات المتحدة الناعمة إلى المجتمع المدني (من الجامعات والمؤسسات إلى هوليوود والثقافة الشعبية)، لا الحكومة. وتتمكن الولايات المتحدة أحياناً من الحفاظ على درجة من القوة الناعمة بسبب مجتمعها الناقد الذي لا يخضع للرقابة حتى في أوقات يكون فيها لتصرف الحكومة (مثل غزو العراق) انعكاسات سلبية على هذه القوة، ولكن في استراتيجية القوة الذكية، تعزز القوة الناعمة والقاسية إحداهما الأخرى.

يُظهر ديفيد شامبوه من جامعة جورج واشنطن في كتابه الجديد China Goes Global (الصين تنطلق عالمياً) أن الصين أنفقت مليارات الدولارات على هجوم ساحر هدفه زيادة قوتها الناعمة، فلا تلتزم برامج المساعدة الصينية في إفريقيا وأميركا اللاتينية بمخاوف مؤسساتية أو مخاوف مرتبطة بحقوق الإنسان، التي تقيد عمل المساعدات الغربية. يشدد النموذج الصيني على المبادرات البارزة، ولكن رغم كل جهودها، جنت الصين عائدات محدودة من استثماراتها، فتُظهر استطلاعات الرأي أن الرأي العام يبدو إيجابيا بالنسبة إلى تأثير الصين في جزء كبير من إفريقيا وأميركا اللاتينية، إلا أنه يبقى سلبياً بمعظمه في الولايات المتحدة وأوروبا، فضلاً عن الهند واليابان وكوريا الجنوبية.

حتى انتصارات الصين الأبرز في مجال القوة الناعمة، مثل الألعاب الأولمبية في بكين عام 2008، سرعان ما بهتت، فبعيد مغادرة آخر الرياضيين الدوليين، حدّ قمع الصين المحلي للناشطين في مجال حقوق الإنسان من مكاسبها في هذا المجال. بالإضافة إلى ذلك، حقق معرض "شنغهاي إكسبو" عام 2009 نجاحاً كبيراً، ولكن تلاه سجن ليو كسيابو الحائز جائزة نوبل للسلام، فامتلأت شاشات التلفزيون بمشهد الكرسي الفارغ في احتفالات أوسلو، ولربما يعتمد بوتين أيضاً على الألعاب الأولمبية في سوتشي لتعزيز قوته الناعمة، ولكن إن واصل قمع المنشقين، فلعله هو أيضاً سيبدد جهوده هذه.

تقع الصين وروسيا في شرك التفكير بأن الحكومة تشكّل الأداة الرئيس للقوة الناعمة، وفي عالم اليوم، لا تندر المعلومات، إلا أن الاهتمام نادر، ولا شك أن الاهتمام يعتمد على المصداقية، ولكن قلما تتمتع دعايات الحكومة بالمصداقية، فالدعاية الفضلى لا تكون دعاية أساساً، ورغم كل الجهود التي بذلتها الصين لتحويل وكالة أنباء شينخوا والتلفزيون المركزي الصيني إلى منافسين لشبكتَي CNN وBBC، ما زال مشاهدو الدعاية الزائفة حول العالم قليلين، وكما أشارت مجلة Economist في مقال عن الصين "لم يتقبل الحزب وجهة نظر جوزيف ناي عن أن القوة الناعمة تنبع في المقام الأول من الأفراد، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني. لذلك عملت الحكومة على الترويج لأيقونات ثقافية قديمة تظن أن لها جاذبية عالمية"، لكن القوة الناعمة مخالفة تماماً، وكما أشار بانغ زونغينغ من جامعة رنمين، يُظهر هذا الموقف مدى "ضعف تفكير" القادة الصينيين.

يجب ألا يتحول تطوير القوة الناعمة إلى لعبة لا غالب فيها ولا مغلوب، فيمكن لكل الدول أن تستفيد من اعتبار إحداها الأخرى جذابة، ولكن لكي تنجح الصين وروسيا، تحتاجان إلى قرن أقوالهما بالأعمال في سياساتهما. كذلك عليهما أن يتمتعا بنقد ذاتي ويطلقا كامل مواهب مجتمعيهما المدنيين. إلا أن من المؤسف أننا لن نشهد ذلك في المستقبل القريب.

* جوزيف س. ناي | Joseph Samuel Nye، مساعد وزير دفاع الولايات المتحدة الأسبق، وأستاذ بجامعة هارفارد، ومؤلف كتاب «قوى الزعامة».

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»