"وين رايحين؟" هذا السؤال الكبير كلما تردد سرح الخيال بك إلى فضاء مجهول يهيمن عليه شبح التشاؤم، وكلما لاحت المؤشرات ككوابيس ازدادت خطورة، فمقولة "وين رايحين؟" ليست وليدة اليوم إنما تعيدها الألسن والأقلام منذ سنوات عدة، والإجابة عن هذا السؤال كانت أسهل وأقل تعقيداً وسيناريوهاتها المحتملة كانت محدودة أكثر في كل مرة سابقة، ولكن ترك الأمور لمزيد من التشابك وسكب الزيت على النار والعناد في الموقف وقطع جسور الحوار واهتزاز الثقة إلى أن وصل الأمر إلى انعدامها واستبدالها بالتخوين والتآمر والأجندات الخارجية كل ذلك أدى إلى بلوغ حافة "السكة سد" أي أن احتمالات العنف والمواجهة قد تفرض نفسها على المشهد السياسي في الأيام القادمة.

Ad

والأحكام القضائية التي صدرت في الأيام القليلة الماضية بحق مجموعة من المغردين والنشطاء الشباب ومن بعدهم الدفعة الأولى من النواب السابقين وكذلك الأحكام المرتقبة في ظل الملاحقات الجماعية قد فتحت أبواب السجن السياسي للمرة الأولى في تاريخ الكويت.

هذه هي الحقيقة بغض النظر عن المواقف المتباينة والمتعارضة من هذه الأحكام، ظالمة كانت أم عادلة، طعنت في نزاهة القضاء أم امتدحت ساحته، بطولية كانت شخصيات المحكوم عليهم أم تم التشمت بهم والتحريض عليهم.

وسواء أعجبتنا أحكام السجن وطبّل لها المطبلون بذريعة هيبة القانون أو "زين يسوون فيهم" من باب التشفي أم استنكرناها تحت ذريعة انتقائية السلطة وانتقامها من خصومها السياسيين، فإن الأثر المباشر لهذه الأحكام صبّ في المزيد من التعقيد السياسي ومأساوية المشهد ودخوله إلى حيّز المجهول الخطير، وبالنتيجة صعوبة الوصول إلى حلول مقنعة ومرضية للجميع، ولا يترك هذا الخيار سوى المواجهة حتى النهاية في حرب كسر العظم، وهذا الخيار بالتأكيد نتائجه خطيرة وكارثية أياً كان الطرف المنتصر، الأمر الذي لا يتحمله بلدنا الصغير بتنوعه وهشاشة هذا التنوع والمنتفخ بكل أنواع العاطفة والفزعة. والمستغرب في مستجدات أحداث الأيام القليلة الماضية أن السلطة قد أعطت الضوء الأخضر للحوار والمصالحة وتصدت شخصيات كثيرة من المشارب والقوى الوطنية المختلفة لمبادرة تحمل بين جنباتها الصراحة والشفافية والاحتكام للدستور والثوابت السياسية، وفجأة يتم نسف مثل هذا المشروع ويستبدل بخيار التصعيد والمواجهة.

فما الذي تغير؟ وهل للظهور الإعلامي والسياسي المكثف لبعض الشخصيات التي فقدت مناصبها المتنفذة دور في تغيير البوصلة؟

وهل هناك أظافر طالت فجأة لمجلس الأمة- الذي ولد في جيب الحكومة- وجعلت هذا المجلس الوديع ونواب السمع والطاعة يتسابقون في تقديم استجوابات بالجملة لنصف أعضاء الحكومة؟ وهل يعكس ذلك التطور أوامر مدروسة ومرتبة للحفاظ على واقع الفوضى السياسية القائم؟

وهل هناك سر في إعادة الحراك الشعبي وإحياء شعبية المعارضة ونفخ روح التعبئة الجماهيرية فيها كلما خفتت شعلة هذه المعارضة وضعف جمهورها والنفخ في أبواق الاحتقان السياسي من جديد اتجهت الأمور نحو التهدئة ومحاولة النسيان؟

أتوقع أن تفتح مجموعة التساؤلات السابقة والإجابات الكلية عنها، عنوان الجواب عن سؤال "وين رايحين" الأساسي، وهو عنوان بالتأكيد يحمل كل هواجس الخوف الحقيقي على أصل وجودنا وبقائنا كبلد، فالسجن السياسي في أي بلد لا ينتهي إلا بكوارث تدفع السلطات الثمن الأكبر فيها!