مصر والإخوان
كما باركنا للشعب المصري انتخابه لأول رئيس بعد الثورة، نبارك له اليوم إسقاطه لأول رئيس منتخب عندما حاد عن أهداف الثورة. ولن ندخل في الجدل القائم حول تسمية ما حدث الأسبوع الماضي، هل هو ثورة شعبية أم انقلاب عسكري، ونترك ذلك للمصريين فهذا شأنهم. ولن نطبل لحكم العسكر فهذا ليس ما نتمناه لإخواننا المصريين. إلا أن خروج 33 مليون مصري إلى الشارع مطالبين برحيل الرئيس يستوجب منا وقفة لاستخلاص الدروس والعبر.أول درس قدمته لنا تجربة حكم الإخوان في مصر هي ضرورة فك الارتباط بين الدين والسياسة. فبعد عام واحد فقط استوعب المصريون خطورة الخلط بين الدين والدولة. سنوات طويلة قضاها البعض وهو يحلم بشعار "الإسلام هو الحل"، الذي روج له الإخوان لأكثر من ثمانين عاماً، وصوت الكثير للإسلاميين آملين انتهاء عهد الظلم والفقر، ليحل محله عهد الحرية والعدالة والمساواة. وما هي إلا شهور حتى اكتشف المصريون زيف الشعارات وبعدها عن الواقع، حيث تم استغلال مشاعر المواطنين الدينية الصادقة جسراً للعبور إلى السلطة، وعلى كرسي السلطة أصيب الرئيس الإسلامي بداء العنجهية والتفرد بالحكم. فالسياسة تتطلب أكثر من خطب دينية إنشائية وإقصائية، فهي تتطلب برنامجاً وطنياً قابلاً للتطبيق عماده أن مصر للمصريين جميعاً وليس للإخوان فقط.
الدرس الثاني هو أن علاقة الإسلام السياسي بالديمقراطية هي علاقة غير شرعية. فالإسلام السياسي يرى في الديمقراطية صناديق الانتخاب فقط، حيث تسهل له الوصول إلى السلطة، أما القيم التي يسعى أي نظام ديمقراطي إلى تحقيقها، من صيانة للحريات واحترام للتعددية السياسية، فلا يعتد بها، هذا إن كان يؤمن بها أصلاً. فتنتشر سياسة الإقصاء والتخوين والتكفير للمعارضين وما يصحبها من فتنة طائفية، وكلها طارئة على الشعب المصري انتشرت مع انتشار مؤيدي الإسلام السياسي. والأخطر من ذلك كله هو خلط المنصب الرئاسي السياسي بالمنصب الديني، ما يعطي الرئيس حصانة إلهية. والواقع أن أي حزب سياسي هو جزء من الشأن العام، وقراراته وبرامجه هي سياسة قابلة للنقد والجدل. أما ربط الدور الذي يقوم به الحزب سياسياً بالدعوة الدينية فما هو إلا تحصين ديني لما هو سياسي من ألفه إلى يائه، وتبرير فج للتفرد بالحكم.أما الدرس الثالث فهو أن الرهان على قوى إقصائية لا تؤمن بالحريات الفردية هو رهان خاسر، لذا يكون دعمهم وتمكينهم والتحالف معهم لتحقيق إصلاحات ديمقراطية في غير محله. يصعب جداً على من يترعرع في بيئة قوامها الطاعة والتنفيذ أن يصبح حراً، ويحترم الحرية ويقبل بالتعددية. فالعقلية التي يدار بها حزب الإخوان تخلق بيئة لمنتسبيه يستقون منها ثقافتهم وسلوكياتهم، فإذا كانت البيئة تسلطية فعلى الأرجح ستخرج لنا تسلطيين. فكم من منتسبيهم انتفض على تلك العقلية؟ورغم ذلك، تبقين عظيمة يا مصر