... بل حرقة الإحساس بالذنب!
كنت أنوي أن أكتب مقالة اليوم بعد الانتخابات البرلمانية لتحمل دعوة لمنح البلد فترة من الهدنة والراحة بعد أن استقرت الأمور بحكم المحكمة الدستورية، وعودة طيف واسع من الطبقة السياسية ومكونات المجتمع إلى العملية الانتخابية، إضافة إلى المطالبة بمنح الديرة متسعاً لتلتقط أنفاسها من الشد والجذب الذي عايشته لكي ننجز شيئاً للكويت وأهلها المتعطشين إلى الاستقرار والتنمية. ولكن النائب السابق والزميل الجديد الكاتب الأخ العزيز صالح الملا خرب أفكاري تلك برده المطول علي، والذي نشر بعدد "الجريدة" أمس، وكال لي فيه "الله يهداه" التهم بعدم الشجاعة وقلة الاطلاع وسعيي إلى تقنين عملية شراء الأصوات، وملأ رده -وعقب كل اتهام يوجهه لي- بعلامات تعجب تعبر عن أنه ومن حوله عند كتابة ردهم ذلك كانوا في حالة صدمة "تعجبية"!
وأنا كذلك وأنا أكتب هذه المقالة مندهش ومتعجب، ولكنني سعيد أن الأخ الملا سيجد ما يملأ فراغه في الفترة المقبلة عبر متابعة الصحافة والمقالات والرد عليها، ولكنني أود أن أوضح له أنني لم أذكر الدائرة التي أتكلم عنها في مقالتي تلك، وأنبهه إلى أن انتخابات 2008 نجح فيها أكثر من نائب عن المنبر الديمقراطي، لذلك فإن اندفاعك للرد ربما يكون بسبب إحساسك بالذنب والتقصير -كاد المريب يقول خذوني-، وربما لسعيك للبقاء تحت الأضواء وعلى مسرح الأحداث الذي أسدلت ستائره أمامك منذ أن حجب الناخبون ثقتهم عنك في فبراير 2012. وأود أن أوضح للزميل الملا أن مقالتي تلك كانت تهدف إلى دفع الطبقة السياسية ومن سينجح في دخول مجلس الأمة إلى العمل الجاد من أجل تبني محاربة المال السياسي بكل صوره بجدية وشمولية، والتجربة التي ذكرتها تهدف إلى تعزيز فكرة المقال وليس لإدانة شخص بعينه. أما الحديث عن الشجاعة والفروسية وكل مكنونات الأمراض النفسية للشخصية العربية وفكرها القاصر والخيالي، فلم تكن حاضرة لدي لأنني شخص واقعي وعملي، وأفهم معنى الشجاعة من هذا المنظور. وفي ما يخص ادعاءك بأنني غير مطلع فهذا والله التجني بعينه، ولذلك أدعوك يا زميلي بكل تواضع أن تراجع سجلي المهني خلال العشرين سنة الماضية، ولكن ما يحزنني فعلاً هو اتهامك لي بأنني أريد تقنين عملية شراء الأصوات لأنه -حسب فهمك - لا علاقة لقانون مراقبة الإنفاق الانتخابي بالمال السياسي! وهي مقولة منك صدمتني وجعلتني أتفاجأ من مستوى اطلاع وثقافة نائب وممثل عن الأمة سابق احتل مقعداً برلمانياً من 2008 وحتى نهاية 2011. وهنا أود أن أوضح للنائب السابق الملا أن هذا القانون في الدول الديمقراطية العريقة ينتج عنه جهاز للتدقيق والتحري المالي يراقب الحسابات الخاصة للمرشح وأقاربه والعاملين في حملته، ولذلك يمكن مراقبة تدفقات الأموال وبنود صرفها، ويمكن متابعة أوجه الصرف التي يمكن أن تستخدم لجاناً أو جمعيات خيرية أو عمليات توظيف عبر شركات تابعة له لمنافع انتخابية... إلخ، وهي وسائل مبتكرة يستخدمها البعض في الكويت فضلاً عن عملية شراء الأصوات التقليدية التي يجرمها القانون وتتابعها أجهزة وزارة الداخلية، وهو الهدف الرئيسي لمقالتي. أما ما سطره الأخ صالح الملا من قوانين، فلا أعلم إن كان هو من أعدها أو كان من المكملين الموقعين عليها، والتي لم ينجز منها شيء ربما لانشغال الزميل الملا بمتابعة القضية الرئيسية لديه وهي أحوال الرياضة، أو لانشغاله في إعداد كلماته التاريخية في ساحة الإرادة مع زملاء النضال؛ "حدس" والسلفية العلمية وحزب الأمة لصيانة الحريات والدولة المدنية! أو ربما لعدم اهتمامه واطلاعه على مشاكل الشباب الذين يعانون عدة قضايا أهمها البطالة كون الأخ الملا منذ تخرجه كان ينتقي لنفسه دائماً أفضل المواقع والوظائف في وزارات الدولة ومؤسساتها المختلفة! أما بقية رد الأخ الملا عن الفجور في الخصومة وأهله الكرام الذين أكن لهم كل الاحترام، فلا يخرجان عن كونهما مبالغةً وحشواً بلا مضمون، لأنني لم أدخل معه في أي خصومة من قبل، وعملية التباهي بالنسَب عبر التلميح بعائلته وتربيته وزجها في الحوار والمنافسة السياسية هي ممارسة معتادة لدى بعض السياسيين الكويتيين، في دولة تحاول الخروج من نمط المجتمع العشائري التقليدي إلى دولة المواطنة المدنية الحديثة.