سفينة غارقة!
المسألة برمتها يا سادتي أشبه ما تكون ببئر آخذة بالنضوب مع الأيام وسرعان ما ستجف في زمن ليس ببعيد طالما استمرت الأمور على هذا المنوال. فمليارات الإيرادات النفطية، التي يقال إنها تتجاوز 80 ملياراً من الدولارات سنوياً، تبتلعها دوامات الفساد والفشل وسوء الإدارة، في ظل عدم إدراك فداحة المشكلة بل وعدم الاكتراث الحقيقي من قِبَل كل الأطراف من قمة الهرم حتى قاعه.
هل نطلب شيئاً مستحيلاً عندما نطالب حكومتنا "الرشيدة" أن تقدم لنا رؤيتها وبرنامج عملها وخطتها الزمنية التي من شأنها أن تصلح سائر الأمور المعطلة والفاشلة والمعطوبة في البلاد والتي لا تكاد تستثني قطاعاً من قطاعات الدولة؟لا أظن ذلك، خصوصاً والبرلمان قد تشكل وفقاً للآلية التي أرادتها ورسمتها السلطة وجاءت مخرجاته متماشية مع هواها، وما عاد ممكناً للحكومة مطلقاً أن تستخدم تلك الذريعة الخالدة التي دأبت على التلويح بها رداً عند اتهامها بالفشل في إدارة شؤون البلاد، من أن البرلمان تأزيمي وأن غالبية نوابه يتقصدون وضع العصي في عجلاتها الدائرة.
لكنني سأعترف لكم بأننا نطالب الحكومة بذلك ونحن مؤمنون بأنها كانت ومازالت وستظل لا تملك من الأمر شيئاً، وأن الأمور مستمرة في السير من سيئ إلى أسوأ في منحنى تنازلي ابتدأ منذ ثلاثة عقود تقريباً، وليس منذ انطلاق حكومات الشيخ ناصر المحمد، كما قد يظن البعض.الفشل في الدولة هو فشل تراكمي تتابعي لم يتوقف ولا للحظة واحدة خلال تلك العقود الثلاثة، وقد أصاب وبلا استثناء كل النواحي والمجالات في الاقتصاد والصحة والتعليم والتوظيف والإسكان والمرور والمواصلات والبريد والأشغال العامة والكهرباء والماء وكل الجوانب الأخرى. وفشل عظيم وعميق كهذا لا يمكن أن يحصل إلا في حالتين اثنتين لا ثالث لهما: الأولى، هي حالة من التدمير المبرمج بقصد إفناء الدولة، وسنستبعد هذه الحالة طبعاً. والثانية، وهي الأقرب للحقيقة، هي انعدام القيادة والإدارة الحقيقية وأن الأمور في البلاد كانت تندفع بقوتها الذاتية استناداً إلى التشريعات والقوانين والتعاقدات القديمة، يساعدها لذلك غطاء الوفرة المالية وهو الذي أخذ بدوره في الانكشاف والتعري شيئاً فشيئاً من ذلك الوقت حتى يومنا الحالي.إذن فالمسألة برمتها يا سادتي أشبه ما تكون ببئر آخذة بالنضوب مع الأيام وسرعان ما ستجف في زمن ليس ببعيد طالما استمرت الأمور على هذا المنوال.مليارات الإيرادات النفطية، التي يقال إنها تتجاوز الثمانين ملياراً من الدولارات سنوياً، تبتلعها على الدوام دوامات الفساد والفشل وسوء الإدارة، في ظل عدم إدراك فداحة المشكلة بل وعدم الاكتراث الحقيقي من قِبَل كل الأطراف من قمة الهرم حتى قاعه.والحكومات المتعاقبة، وبصرف النظر عمن كان في رئاستها حينها، فشلت ولا تزال ترتع في الفشل في تقديم وعمل أي شيء لانقاذ البلاد، اللهم إلا تقديم سلاسل من التصريحات الإنشائية التي لا تنتهي.لا أعقد كثيراً من الآمال على البرلمان فلا أظن أبداً أن شيئاً مؤثراً سيخرج من تحت قبته، وهو الذي تشكل بتلك الطريقة العرجاء أصلاً، لكن أملي الأخير في رجالات هذه البلاد ممن يهمهم أمرها حقاً أن يتحركوا اليوم بشكل جماعي لعمل شيء ينقذ الكويت من الغرق قبل فوات الأوان!