انتقادنا لمرسوم الصوت الواحد لم ينحصر منذ البداية في البعد الدستوري عبر قفز الحكومة على اختصاصات السلطة التشريعية الأصيلة، وإن حسمت المحكمة الدستورية تحصين هذا النظام الانتخابي الحكومي في حكم مثير للجدل الدستوري والسياسي.

Ad

ولكن في البعد السياسي والموضوعي جاءت تبريرات مرسوم الصوت الواحد وكأنها الجنة الموعودة والعصا السحرية للقضاء على الآفات والأمراض الانتخابية التي تفشت وأفسدت ذمم المرشح والناخب معاً، وقطعت أوصال المجتمع باسم الطائفية والقبلية والفئوية، وهذا ليس تجنياً على مرسوم الصوت الواحد، بل ما قالته الحكومة في تبريراتها والتسويق لها.

وكنا نقول دائماً بأن الخلل الرئيسي لا يكمن في النظام الانتخابي رغم وجود عيوب فيه، ولكن أمراضنا السياسية أكبر من ذلك بكثير، لأنها أمراض مزمنة واكبت مختلف مراحل الحياة الديمقراطية، ودفعت فيها الحكومة نفسها والموالين لها على مر التاريخ لتخريب الثقافة السياسية وتحويلها إلى ثقافة المحاور المغلقة والعقول المتحجرة وتهميش الولاء للدولة على حساب الانتماءات العائلية الضيقة.

ولنأخذ مثالاً على الدائرة الانتخابية الأولى اليوم ونحن على مسافة ساعات من ثاني تجربة على نموذج الصوت الواحد، حيث شهدت التجربة الأولى مقاطعة كبيرة من القبائل والقوى السياسية مقابل مشاركة شيعية واسعة في إطار العناد السياسي أيضاً.

وعلى الرغم من أن الدائرة الأولى تمثل صورة مصغرة للكويت بتنوعها من جهة، ومن جهة أخرى يفترض أنها منطقة مثقفة وتكنوقراطية، وتضم العديد من القوى السياسية، بل إنها تعتبر امتداداً لعهد الكويت السياسي ونشأتها؛ لاحتضانها عاصمة الدولة وسورها التاريخي، ولكن مع الأسف كل هذه المعايير ووفق هذا التراث الجيل لم يشفع أو يحصن الدائرة من إجراء انتخابات فرعية قبلية مجرمة قانوناً.

ولم يشكل هذا التاريخ العريق للمنطقة أدنى درجات الحياء، وانعدمت الروح الوطنية لدى من يعتبرون أنفسهم مشايخ للدين، وهم يحرضون على الانتخاب من منطلقات طائفية سنيّة بحتة حتى "لا يأكلونا الشيعة"!

وبالمقابل أيضاً انبرت بعض الدواوين الشيعية لعمل ما يزعمونه بالتصفية بين المرشحين الشيعة من أجل إيصال أكبر عدد من الشيعة للبرلمان، ولا يهم أن تقاتلوا أو خوّن بعضهم بعضاً هناك كما جرت العادة، ولكن المهم هو العدد حتى "لا يأكلونا السنّة"!

وتأتي هذه المساعي المسمومة بعد تدني شعبية الكثير من المرشحين من ذوي الطرح الطائفي من الطرفين، وباتوا مهددين بالسقوط، فإذا كانت هذه العلاجات التي وعدتنا الحكومة بها، فعلى البلد السلام باسم الديمقراطية!