يؤكد الكاتب فهد الهندال علاقته القوية بالكتاب، لاسيما عقب تخصصه في النقد الأدبي، مبيناً أنه أينما يسافر أو يتنقل عبر وسيلة تمنحه فرصة الانتظار، أو يجلس في مكان ما ينفرد فيه مع ذاته، لا بد من أن يرافقه كتاب ما، إما صديق جديد تعرف إليه للتو، أو قريب منه لا يملّ منادمته، أو يضمّ بين دفتيه ما يثير عقله الفضولي للتعرف إلى هذا الصديق الصدوق، هو الكتاب... خير جليس.

Ad

يورد الهندال ملامح من تجربته الذاتية مركزاً على علاقته بالكتاب التي نشأت في فترة مبكرة من حياته، يقول: «إذا أردت الحديث عن هذه الصداقة، فسأجد أنها تكونت بين زوايا مكتبة والدي التي تضم كتباً من الأزمنة المختلفة والأمكنة، وتتنوّع بين التراث، الأدب، التاريخ، علوم الدين وغيرها}.

ويضيف: «لم تتمكن مغريات الزمن الحاضر أو الآتي أن تفسد ود هذه العلاقة الحميمة والنقية والصافية، بل تطورت فأصبح الكتاب شريكاً في تخصصي النقدي واهتمامي الثقافي وهويتي المعرفية وبات أكثر قرباً، ولو تنوعت صوره ووسائله الحديثة، بين مسموعة والكترونية».

لا يرى الهندال أن ثمة نفوراً في العلاقة بين القارئ والكتاب، بل ربما تمر بمراحل يُقلّص فيها وقت القراءة وفقاً لمعطيات الحياة العصرية، لذا هذا الفتور موقت، برأيه، قد يخلقه الظرف القاهر أو الطارئ، فيؤجل بعض وقته وليس كله، وحتى حين.

 يتابع: «لا يمكن الاستغناء عن الكتاب، وما زلت أتذكر كلمة أحد المهاجرين إلى أميركا عندما سئل: «ماذا كان معك عندما هاجرت؟» أجاب: «ثياب قليلة، بضعة دولارات، وكتاب!» بات هذا الرجل أحد أغنى المهاجرين في وقت قصير.

أجواء خاصة

يوضح طلال الرميضي، الأمين العام لرابطة الأدباء، أن الكتاب سيظلّ خير جليس للمرء، على رغم أن الأجهزة الإلكترونية تأخذ الأوقات كلها لسهولة استخراج المعلومات منها عبر محركات البحث، وإن كانت القراءة بواسطة الكتاب الورقي تحتاج وضعية معينة كالجلوس في البيت فإن لها نكهة مميزة تجعل القارئ يحس بانسياب الفوائد والدرر من صفحاته.

ويضيف الرميضي: «وفقاً لتجربتي الشخصية، القراءة في فترة المساء أحد طقوسي القديمة التي ما زالت مستمرة، تحديداً أيام الإجازات، إذ يكون لدي فسحة من الوقت أمضيها بقراءة الجديد والقديم في مكتبتي الخاصة.

بشأن الصراع بين الكتاب الورقي والإلكتروني يعتبر أن الورقي هو المفضل لديه، بينما لا يشعر بمتعة أثناء قراءة الكتاب الالكتروني، «ونادراً ما اقرأ كتاباً كاملاً على «اللاب توب» مثلا، على رغم امتلاكي مكتبة الكترونية ضخمة أستطيع التنقل بها في أسفاري، لكن لا استخدمها إلا في حالات قليلة، منها البحث عن معلومة معينة سبق أن قرأتها في النسخة الورقية».

يشير إلى أن علاقته مع الكتاب تفتر في حال لم يكن جيداً، سواء من ناحية التأليف أو الصياغة أو الموضوع، «لذا تجدني أتصفحه - إن جاز اللفظ - والتعرف إلى محتواه، أما إذا كان الكتاب جميلا في عناصره كافة فيكون صديقي القريب حتى انتهي من قراءته كاملا، ثم أضعه على رف مكتبتي القريبة لاسترجاعه وقتما شئت، من هنا على القارئ أن يختار ما يناسب ذوقه وعقله وألا يجامل الآخرين في الكتاب، يمكن المجاملة في اللبس والطعام لكن العقل لا يقبل المجاملة».

ثروة كبيرة

تستعرض الكاتبة هدى حمد بعض الملامح من حوارات الأديب غبريال غارسيا ماركيز مع بلينيو أبوليو ميندوسا، في كتابه «رائحة الجوافة» ومما يقول: «التأثير الحقيقي عندما تُؤثر أعمال كاتب معين عليك، لدرجة أن تُبدل بعضاً من أفكارك تجاه العالم والحياة»، من هنا تكبر علاقتها بالقراءة، لا سيما إذا غيرت كتب حياتها وأفكارها، وتضيف:»أدهشني أحدهم، وهو يقول لي: «أشعر أن القراءة تضاهي ثروة». سألته: «كيف ذلك؟» فأخبرني أنه عندما كان صغيراً كان والده يشتري له كتباً ويطلب منه أن يقرأها، ويشترط عليه أنه في حال أنجز القراءة في فترة زمنية محددة سيعطيه مبلغاً من المال، «منذ ذلك اليوم أشعر أن القراءة مهمة، ولها مقابل عظيم، وكنت بالمال الذي يعطيني إياه أعاود شراء الكتب».

تسترجع هدى حمد تجربتها مع الصيف، لافتة إلى أن الصيف في أيام الدراسة والجامعة كان يكتسب معنى آخر... «كنت أجلس ساعات طويلة منشغلة بالتأمل، والقراءة والبحث عن الجديد ومتابعة المواقع الثقافية، ولم أكن أعرف الفرق بين الليل والنهار، إذ أبقى مستيقظة إلى الرابعة فجراً، ولا الفرق بين البرودة والحرارة، وقد جئت في زمن الغرف الإسمنتية المكيفة... كان الصيف لذيذاً بخموله وكسله وكتبه التي أجهزها سلفاً كمكافأة لروحي ونفسي بعد جهد طويل طوال السنة»، مشيرة إلى تحولات واكبت انخراطها في حقل العمل: «لم يعد الصيف صيفاً في العمل الصحافي لأنه بات يوماً عادياً من أيام العمل، ولم يعد يرتبط بمشاريع مطالعة ضخمة، إنها فقط أيام عادية».

تتابع حمد: «ذات مرّة خرجت في إجازة لمدة أسبوع ليس لأجل السفر أو لأجل مشروع عائلي، فقط قررت أن أبدأ مشروعاً قرائياً، وبالـتأكيد المعجزة الكبيرة التي لن تحدث، هي أن أقرأ وأنا في البيت برفقة أطفالي، لذا داومت على أخذ كتب أحببت قراءتها، وأجلت ذلك طويلا، وأخرى لا أعرف عنها شيئاً بالإضافة إلى جهاز لابتوب. هكذا انسحبت من الجميع إلى مقهى قريب من منزلي، وكنت أبقى فيه ما يقارب ساعات الدوام، لا أدري كيف أصف حجم الفرح والسعادة، وأنا أشعر أن بإمكاني أن أقرأ مجدداً بتلك الشهية القديمة التي باتت أشياء كثيرة تنغصها، وانتهى الأسبوع بسرعة خاطفة، ومن ثم عدت إلى العمل والانشغالات الطويلة».