يعترف الباحث الغربي، حتى ذلك الناقم على ثقافتنا العربية والإسلامية، بأن الحضارة الإسلامية وعاصمة الخلافة بغداد في ثلاثة قرون، وهي الفترة الواقعة بين 800م الى 1100م على وجه التقريب لا التحديد شهدت أوج الحضارة العربية الاسلامية وأجمل انجازاتها قدمت للغرب من خلالها الكثير من الإنجازات في الفلك والطب والجبر والرياضيات، وترجمت الأعمال الإنسانية والفلسفية واستقطبت علماء الكرة الأرضية تماما كما يفعل الغرب اليوم في توظيف العقول المهاجرة. ما زالت الأرقام التي يستخدمها الغرب اليوم هي الأرقام العربية بينما نستخدم نحن الأرقام الهندية. وبدأت انتكاسة الحضارة العربية حين تدخل الفهم المختلف للدين لنحرم العلم ونقف في وجه التطور الطبيعي للحضارة.

Ad

وحتى يومنا لم نستطع فك الاشتباك بين مدرستي التنوير من جهة والمدرسة الماضوية من جهة أخرى، فأصبحت مناهجنا التعليمية تقع تحت وطأة التجريب وتتقدم خطوة الى الأمام وخطوتين الى الخلف تحت وطأة الاختلاف السياسي وتغليب فئة على أخرى. وبالرغم من استهلاكنا لكل أصناف العلوم لم نصل الى منهج علمي ثابت نستقر عليه ونطوره حسب الحاجة العصرية التي تفرضها النزعات المتجددة.

الدعوة الجديدة لنسف المناهج التعليمية والتي يصرح بها الأخوة في التربية تتطلب جهدا استثنائيا ورجل مرحلة يمتلك جرأة الفعل، وهو ليس عملا صعبا في بلد لديه وفرة مالية عليه استثمارها في أجياله القادمة. يجب أن نمتلك الجرأة على الاعتراف بأننا فشلنا أولا في تجربة السنوات السابقة من اكتساب جيل يتمتع بحب للعمل الجماعي وما أخرجناه للواقع هو جيل من الموظفين تلتزم الحكومة بتعيينهم في ادارات لا يعملون بها ولا تحتاج أعدادهم.

الخطوة الأولى تتم بإلغاء مسمى وزارة التربية فمهمة التربية ليست مسؤولية الوزارة بل مسؤولية الأسرة التي تركت ذلك على عاتق الوزارة. وأن تعود الوزارة وزارة تعليم وهذا دورها الحقيقي. المهمة الأصعب لا تكمن في ايجاد طالب يتعلم وانما في ايجاد المعلم أولا. في التجربة الأميركية على سبيل المثال على خريجي الأقسام العلمية والأدبية كالرياضيات والعلوم والتاريخ أن يلتحقوا بعد انهاء الدرجة العلمية بامتياز بكلية التعليم لدراسة طرق التدريس وعلم النفس  قبل أن يتم تعيينهم مدرسين.

الخطوة الأهم، وربما هي هدف المقال، اعادة ما بدأناه أول مرة وما تعلمه الجيل الذي عاصرناه. اعادة المسرح والمكتبة والموسيقى ومسابقات الشعر والقصة والعلوم والرياضيات وملاعب الرياضة وورش الديكور والكهرباء والميكانيكا. لا يمكن أن نخلق جيلا متعلما بنسخ متشابهة بتلقينه ما لن يبدع فيه حتى يكتشف أنه أمام خيار وحيد هو الوظيفة الحكومية الا الذين عملوا جهدا منفردا بعيدا عن كتب الدراسة ومناهجها.

لتغيير المناهج التعليمية نحتاج الى بنية تحتية تستوعب هذا التغيير. وسأضرب هذا المثال الذي يبدو بسيطا من مدرسة ابتدائية كندية. في الفصل الثاني يعمل الطالب طوال العام على قراءة مجموعة من القصص القصيرة في علوم مختلفة ويطلب من الطالب أن يكتب في نهاية العام كتابا صغيرا من عشر صفحات مزودا بالرسوم في المجال الذي يختاره. تقوم المدرسة بالتعاون مع احدى دور النشر بطباعة الكتاب واطلاع الطلبة الجدد على ما فعله أقرانهم والاجتماع بالأسرة لتحديد ميول الطالب والوجهة التى يرى نفسه فيها وتطلب من الأسرة أن تهتم بتشجيعه في هذا المجال ليكون اختياره المقبل.

تغيير المناهج ليس باستبدال كتاب بآخر وانما بإحلال فكر بآخر. يجب أن نعرف ما يريد الطالب وألا نعتقد بأننا نعرف ما يريد حتى في السنوات الأولى من عمره.