وَصْلُ الأدباء حول العالم

نشر في 30-04-2013
آخر تحديث 30-04-2013 | 00:01
 طالب الرفاعي منذ سنوات طويلة توصلت إلى قناعة شخصية بأن الفائدة الأهم لأي مؤتمر أو مهرجان ثقافي، إنما تأتي من التعارف بين الأدباء ومن ثم التواصل الإبداعي بينهم، وبما يعني انكشاف كل أديب على عوالم مجتمع بأكمله عبر الأعمال الإبداعية للأديب الآخر.

في "المؤتمر الرابع لأدباء آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية-4th Incheon Asia Africa Latin America Literature Forum" الذي عُقد في مدينة "إنشون" في كوريا الجنوبية، خلال الأسبوع الفائت، وجدت نفسي أقدم بحثاً "عن العولمة وحوار الحضارات" إلى جانب أدباء من ثلاث قارات، وكم كنتُ مزهواً بأن يكون اسم الكويت حاضراً بين مختلف دول العالم. خاصة حين جئت على ذكر أن الكويت منذ تأسست عام 1613، وأن أهلها صادقوا الصحراء والبحر، وعرفوا موانئ الخليج العربي وشرق إفريقيا والهند، وأن الشخصية الكويتية عرفت وصلاً بالآخر فرضته ضرورة العيش، وبما يعني حواراً إنسانياً مع الآخر.

كان مثيراً للدهشة لدى بعض الأدباء الإشارة إلى أن إجمالي مساحة الكويت تبلغ "18000 كليومتر مربعاً"، لكن تلك المساحة المتناهية في الصغر تحتل بقعة مضيئة في وسط عالمها العربي، وأنها عرفت واحدة من أهم الديمقراطيات في المنطقة منذ إصدار الدستور عام 1962، وأن المرأة الكويتية تُعدّ ركناً أساسياً في بناء المجتمع، وأنها تبوأت أهم المناصب القيادية، وأن الكويت تولت عام 1967 وبتكليف من جامعة الدول العربية وضع "خطة للثقافة العربية"، وهكذا أصاخ جمهور المحاضرة لكلماتي بشيء من التفكير بالكويت أكثر من التفكير بي، لكن جلسات الأدباء الخاصة جاءت مغايرة، فكتاب المؤتمر نشر لي فصلاً من رواية "سمر كلمات" مما فتح نقاشاً عميقاً حول وضع المرأة في المجتمع الكويتي خاصة والخليجي والعربي عامة.

إن اجتماع تحتضنه كوريا الجنوبية- مدينة إنشون، ويحضره أدباء من ثلاث قارات، ليمثل وصلاً بين مختلف كتّاب العالم، ولقد أشرت في بحثي عن "العولمة وحوار الحضارات" إلى أن أهمية التواصل بين المبدعين والأدباء بوصفه وصلاً سلمياً يمثل صوت العقل والمحبة: "لم يسبق أن كانت الحروب الطائفية والمذهبية والعنف والقتل والدم منتشراً في العالم، كما هو اليوم، لذا تبرز الحاجة الملحة لوصل أممي ينشر شيئاً من التعقل والسلام والمحبة والفهم الإنساني بين مختلف شعوب الأرض، ولا أظن أن وصلاً يمكنه فعل ذلك كما هو حوار الثقافات. وهنا تجدر الإشارة إلى التركيز على مصطلح "حوار الثقافات" وليس حوار "الحضارات" فالبشرية برمتها باتت تعيش تحت سقف حضارة واحدة، حضارة يُراد لها صبغ العالم بصبغتها الأوحد، وتستخدم لذلك أفكارها وقناعاتها ولغتها، وبالتالي تسريبها لقناعاتها ورؤاها المقولبة للعالم. مما يظهر مدى الحاجة الملحة لحوار الثقافات لترجمة وتوصيل أفكار الكثير من شعوب العالم بعضهم ببعض، كما يظهر الاستفادة الجليلة التي يمكن أن تقدمها العولمة لحوار الثقافات، ويقدمها الحوار للعولمة.

لقد تنوعت الأبحاث المقدمة للمؤتمر، وكان لافتاً المساحة الكبيرة المشتركة لهموم الأدباء والمثقفين على اختلاف بيئاتهم وعوالمهم، واشتراكهم في القول بضرورة غوص الكاتب في المحلي للوصول إلى العالمي. وأن الأعمال التي غاصت في بحر محليتها وتلطخت بطين تربتها وعكست حياة أهلها، فإنها قدمت من خلال المحلي رؤية عالمية وهم إنساني مشترك، مما دعا الآخر للإقبال عليها والتمعن في مقولاتها. وهكذا فإن المتخوفين من تغريب مجتمعاتهم بواسطة العولمة، ليفوتهم التنبه إلى أن العولمة في سعيها المستمر لقولبة العالم، فإنها أعجز بكثير من قهر المحلية، لأن المحلية تستند إلى الأصالة والعمق، وتركن إلى توريث أرثها الإنساني من جيل إلى آخر.

الوصل بالآخر جميل وليس أجمل منه إبداعا!

back to top