في ذكرى معجزة اجتياح خط بارليف
يحق للأشقاء في مصر أن يحتفلوا بانتصارات أكتوبر عام 1973، وأن يكرموا جيشهم الباسل الذي حقق معجزة العبور وتحطيم خط بارليف، واستعادة كل الأراضي المصرية التي احتلت في يونيو عام 1967 في تلك الهزيمة المنكرة التي لايزال العرب يدفعون ثمنها حتى الآن، وحيث لاتزال هضبة الجولان محتلة "فعلياً" حتى الآن، وبقيت "محرومة" حتى من رصاصة واحدة على مدى الأربعين سنة الماضية رغم حكاية "الممانعة والمقاومة" التي انكشفت على حقيقتها، وثبت أنها اخترعت اختراعاً للتغطية على عجز بقي مستمراً كل هذه السنوات الطويلة. معظم قادة الجيش المصري، الذي يستهدفه الآن العاجزون والمتآمرون بالإشاعات والمشاغبات وبمحاولات الإرباك والاستنزاف، هم استمرار وامتداد لأولئك الضباط والجنود البواسل الذين صنعوا معجزة "أكتوبر" العظيم، وهنا فإنني أشعر بالاعتزاز بعد كل هذه السنوات بأنني كنت أحد الذين زاروا ميادين المعركة مباشرة بعد تلك الحرب العظيمة التي كانت أيامها من أيام العرب المشرفة، وأنني شاهدت بأم عيني آثار البطولات التي صُنعت في خط بارليف وفي ساحات القتال المتقدمة في اتجاه سيناء، وشاهدت مئات الدبابات الإسرائيلية التي بدت وكأنها بقايا وحوشٍ كاسرة دمرها الأبطال الذين حموا مصر من الانهيار والفتنة الظالمة الأخيرة عندما تدخلوا في اللحظة الحاسمة المناسبة.
وفي هذه الذكرى العزيزة، التي زاد تعلقي بها لأن ابني الأكبر بشار من مواليد السادس من أكتوبر، لابد من الاعتراف، حتى لو غضب البعض، بأن الرئيس محمد أنور السادات، الذي اغتالته الأيدي الآثمة والمجرمة والمشبوهة في السادس من اكتوبر عام 1981، هو بطل هذه الحرب التي لولاها ولولا البطولات التي اجترحها الجيش المصري والشعب المصري خلالها لكانت قناة السويس لاتزال تحت السيطرة الإسرائيلية، ولكانت سيناء حتى الآن تحت الاحتلال الإسرائيلي، ولكانت كل هذه الإنجازات التي تحققت لم تتحقق، ولأصبح ظلام الهزيمة طويلاً وربما بلا نهاية. والغريب والمستغرب أن الذين يتمسكون بزبد البحر الآن، ويحاولون تشويه سمعة الجيش المصري وقياداته ومشاغلته يومياً بالألاعيب الصبيانية التي تتكئ على "أجندات" المصابين من العرب وغير العرب بمرض تضخم عقدة الظهور والـ"أنا" بأكبر من أحجامهم كثيراً، كانوا قد ردوا على انتصارات أكتوبر، لأنهم يستمرئون الهزائم ويكرهون كل انتصار لا يستطيعون ادعاءه، بإطلاق موجة العنف والإرهاب التي استهدفت مصر في بدايات ثمانينيات القرن الماضي، وكان محمد أنور السادات من أوائل ضحاياها، حيث اغتاله رصاص بندقية مشبوهة ومجرمة ومصر تعيش ذكرى معجزة الانتصار وهو يستعرض القوات الباسلة التي صنعت تلك المعجزة. ولعل ما يكشف كَمْ أنَّ هذه اللعبة القذرة بقيت مستمرة منذ بدايات ثمانينيات القرن الماضي حتى الآن أن الذين اتخذوا من "الحاكمية" دستوراً لهم والذين فشلوا خلال تجربة حكمهم التي اقتصرت على عام واحد، كان مليئاً بالخيبات والإخفاقات، قد حوَّلوا سيناء المخضبة بدماء الشهداء إلى "تورا بورا" ثانية وإلى جبهة لاستنزاف مصر وشعب مصر والجيش المصري، وكل هذا مع أن إسرائيل، التي هددوا ومازالوا يهددون بإزالتها من الوجود، أقرب إليهم من حبل الوريد! في ذكرى أكتوبر المجيدة فإنه من حقِّ أرواح الشهداء الذين اجتاحوا خط بارليف وحطموه، والذين انتشلوا العرب من أوحال هزيمة يونيو عام 1967، أن نترحَّم على أرواحهم، وأن ندعوا لها بالخلود في جنان النعيم، وأن نلعن من حاولوا ومازالوا يحاولون اغتيال انتصاراتهم، كما اغتالوا محمد أنور السادات وهو يستعرض الضباط والجنود الذين صنعوا معجزة العبور... ثم وفي هذه الذكرى العظيمة فإنه من حقِّ قادة وضباط وجنود مصر العربية على كل أشقائهم العرب أن يقفوا إلى جانبهم وهم يتعرضون لهذه المؤامرة القذرة التي تستهدف الشعب المصري والأمة العربية كلها، والتي يسعى أصحابها إلى تحويل هذا البلد العظيم إلى أفغانستان ثانية.