بقيت الولايات المتحدة، أكثر من عامين، تؤجل الخروج من ضبابية مواقفها بالنسبة للأزمة السورية المتفاقمة، وهذا جعل حتى أصدقاءها العرب يشكون في حقيقة نواياها تجاه هذه الأزمة التي تحولت إلى أزمة إقليمية ودولية، وهنا فإنه عندما يقول الرئيس باراك أوباما، في أحد تصريحاته الأخيرة، أنه غير متأكد من استخدام الأسلحة الكيماوية في هذه الحرب المحتدمة في هذا البلد، وأنه حتى إن تأكد من استخدامها فإنه لا يعرف الجهة التي استخدمتها، فإن هذا يعني أنه لايزال لم يحسم موقفه وأنه لايزال يساوي بين الضحية والجلاد.
وأغلب الظن مادام أن موقفها مستمر في المراوحة في المكان ذاته أن الولايات المتحدة قد تعاطت وأنها لاتزال تتعاطى مع ما يجري في سورية، رغم سقوط كل هذه الأعداد الفلكية من الجرحى والقتلى ورغم كل هذا الدمار الذي شمل كل المدن والمناطق السورية، على أساس تنافسها مع روسيا الاتحادية والاختلاف معها على قضايا كثيرة من بينها تصادم المصالح الحيوية في منطقة بحر قزوين وقضية الصواريخ الاميركية في بعض دول أوروبا الشرقية وبعض الدول التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي.ولهذا فإن النقاش المحتدم الآن في أوساط صنع القرار في واشنطن حول تزويد المعارضة السورية بما يسمى الاسلحة الفتاكة سيبقى معلقاً وبدون حسم الى أن يعود وزير الخارجية الأميركي جون كيري من زيارته "الاستطلاعية" الى موسكو التي من المنتظر أن تتم خلال الأيام القليلة المقبلة والتي توصف بأنها تأتي في إطار التمهيد للاجتماع الذي طال انتظاره بين باراك أوباما وفلاديمير بوتين، والذي من المرجح أن يتم في "أيرلندا" في مطلع يونيو المقبل.والمفترض أن الأميركيين يعرفون، وهم يعرفون بالتأكيد، أن كل يوم من أيام "المماطلات" والألاعيب والمناورات الأميركية الروسية المستمرة والمتواصلة على مدى عامين وأكثر يكلف الشعب السوري مئات القتلى والجرحى والمفقودين والألوف من المهجرين والمشردين، بالإضافة إلى كل هذا الدمار والخراب الذي لم يستثنِ مدينة ولا قرية ولا منطقة سورية.وكل هذا والأميركيون، وعلى رأسهم باراك أوباما، يعرفون تمام المعرفة أن روسيا بقيت شريكاً إلى جانب بشار الأسد في هذه الحرب القذرة التي يشنها على الشعب السوري، وأنها بقيت تعطل كل محاولات حل هذه الأزمة سياسياً وسلمياً، وأن اشتراطات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هي التي أفشلت مؤتمري جنيف الأول والثاني، والتي من المعروف أن من بينها إصرار موسكو على أن المسؤولية عن الجيش والأمن يجب أن تبقى في يد الرئيس السوري وخارج صلاحيات حكومة الوحدة الوطنية "الانتقالية"، وذلك بالإضافة إلى أن من حق بشار الأسد أن يعيد ترشيح نفسه لفترة رئاسية جديدة.فهل أن الولايات المتحدة لا تعرف كل هذه الحقائق ياترى... أم أنها تعرفها وتعرف أكثر وأخطر منها، لكنها مع ذلك بقيت تصر كل هذا الإصرار العجيب الغريب على الاستمرار في مساوماتها العبثية مع فلاديمير بوتين ووزير خارجيته لافروف الذي بقي يظهر تطرفاً أكثر من تطرف وليد المعلم إزاء كل محاولات إنهاء هذا المأزق السوري بالوسائل السلمية والسياسية، وهذا يعني أن باراك أوباما لديه موقف متخاذل إزاء كل هذه المآسي التي تجري في إحدى دول الشرق الأوسط الرئيسية، وأنه سيبقى على تخاذله رغم أن هذه المنطقة هي منطقة مصالح استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة؟!
أخر كلام
أميركا... لماذا هذا التخاذل؟!
03-05-2013