في مبادرة تعكس حبه وعشقه وإخلاصه للسينما التي كانت سبباً في شهرته وذيوع صيته بين الناس، أسس الفنان الشاب عمرو واكد شركة للاتصالات والإنتاج لم يكتف بإشهارها، والتباهي بأنه «صاحب شركة»، وإنما واجه من خلالها الظروف المتردية التي تعيشها صناعة السينما في مصر، وتراجع معدلات الإنتاج بشكل غير مسبوق، بسبب الأحداث الساخنة الأخيرة، وتحمس من دون تردد، للمشروع الذي طرحه عليه المخرج إبراهيم البطوط (صاحب «ايثاكي» (2005)، «عين شمس» (2009)، «حاوي» (2010) و{الشتا اللي فات» (2012)، وكان يحمل عنوان «شتاء الغضب» قبل أن يتغير إلى «الشتا اللي فات».

Ad

أدرك واكد بوعيه السياسي وحدسه الفني أن واجبه يحتم عليه التحرك، وأن الظرف الراهن يدعوه إلى تحمل مسؤوليته، فلم يوافق على فكرة «البطوط» فحسب، وإنما رصد موازنة للفيلم بلغت مليون دولار، حسب تأكيده، واستثمر شبكة علاقاته في توفير التمويل، بعدما دخل في شراكة إنتاجية، حصل بمقتضاها على 50 ألف يورو!

فعلها واكد بينما توارى نجوم كبار عن الساحة، وآثروا الانتظار إلى حين استجلاء «المشهد السياسي»، بل إن بعضهم صدمنا بالامتناع عن قبول اقتراح تخفيض الأجور بشكل موقت لمواجهة الأزمة، أو بالأحرى «الغُمة»، وكان طبيعياً، في ظل التفكير العقيم لغالبيتهم، ألا يُقدم أي منهم على خوض تجربة الإنتاج أو استثمار الملايين التي جناها من السينما التي «فتحت بيوتهم»، وعاشوا في خيرها، لإنقاذها من عثرتها، واتجهوا، بعد أن جف ضرع «بقرة السينما الحلوب»، إلى استنزاف أموال منتجي الدراما التلفزيونية، الذين أعماهم الجشع، ولهثوا وراءهم ظناً منهم أنهم «الدجاجة التي تبيض ذهباً»!

لم تسيطر تلك الذهنية المريضة على عمرو واكد، ولم يفعل كأولئك «الأباطرة» الذين خبأوا رؤوسهم في الرمال كالنعام، مثلما رفض أن يلجأ إلى لطم الخدود، وشق الجيوب، في انتظار «معجزة» تؤدي إلى انفراج الأزمة، وضرب المثل والقدوة للجميع بإصراره على أن يغامر بأمواله القليلة، التي لم يكن للسينما وحدها الفضل في جمعها، واتجه إلى إنتاج فيلم ليس بعيداً عن «أيديولوجيته»، بل هو جزء أصيل من قناعاته؛ حيث يؤدي دور «ناشط سياسي» فرقت الظروف بينه وفتاته، المذيعة، التي ارتمت في أحضان السلطة، وأخلصت للإعلام المزيف، الذي أدمن التغرير بالبسطاء، وتركته يواجه مصيره مع الجهات الأمنية التي نكلت به، وحولته إلى «حطام إنسان»!

شارك فيلم «الشتا اللي فات»، وكأن الأقدار تكافئ عمرو واكد على مثابرته واجتهاده، في قسم «آفاق» في الدورة 69 لمهرجان «فينسيا» السينمائي الدولي، ولم يحصل على أية جائزة ولكن مجرد اختياره للمشاركة في أحد أعرق المهرجانات السينمائية في العالم، كان بمثابة «شرف» و{تقدير» له، ولصانعيه؛ حيث إن قسم «آفاق» مخصص للاتجاهات الجديدة في سينما العالم، غير أن الفيلم حصل بعد ذلك على جائزة لجنة تحكيم النقاد في الدورة 34 لمهرجان «مونبلييه لسينما البحر المتوسط»، وقيمتها المالية 2000 يورو، كما حصل على تنويه خاص من لجنة التحكيم الرسمية، وحصل على الجائزة الكبرى في مسابقة الأفلام العربية الطويلة في الدورة الخامسة والثلاثين لمهرجان القاهرة السينمائي، واختير للمشاركة في مهرجانات سينمائية عالمية عدة؛ على رأسها: «لندن» و{شيكاغو{، الذي اختاره للعرض فى برنامجي «سينما العالم» و{نظرة على سينما الشرق الأوسط»، كذلك اختير عمرو واكد للمشاركة في لجنة تحكيم المسابقة الدولية للمهرجان، ثم فاز بجائزة المُهر العربي لأفضل ممثل عن دوره في فيلم «الشتا اللي فات» في الدورة التاسعة لمهرجان دبي السينمائي الدولي.

عمرو واكد، الذي لم يتردد لحظة، وغادر مكتبه، ونزل بعدته وعتاده إلى ميدان التحرير، في العاشر من فبراير من عام 2011؛ أي قبل يوم من إعلان الرئيس المصري السابق حسني مبارك تنحيه عن الحكم، وصور بكاميرات شركته الخاصة نهاية «شتاء الغضب» ليحفر لنفسه بصمة في تاريخ السينما المصرية، بباكورة إنتاجه، يستحق التحية لشجاعته، وتفانيه، ودعمه لمخرج متمرد اسمه إبراهيم البطوط، وبجرأة يُحسد عليها خاض المغامرة حتى النهاية، ولم يأبه للخسارة التي تنتظره، بينما جبن البعض، ورفع شعار «أنا ومن بعدي الطوفان» عندما اختار أن يلزم بيته حتى تمر العاصفة أو تنقشع السحب الداكنة التي خيمت على «شتاء الغضب»... وشتان الفارق!