قليلٌ من الاحترام لعقولنا

نشر في 11-06-2013
آخر تحديث 11-06-2013 | 00:01
 يوسف عبدالله العنيزي أخذت على نفسي عهداً بألا أناقش أمراً من أمور الدين، وذلك احتراماً وإجلالاً لهذا الدين القيم من جهة، ثم لإيماني بأني غير مؤهل ولا أملك المقدرة على ذلك، خاصة أن هناك مشايخ أجلاء لهم باع طويل في البحث والتحري وإبداء الرأي الذي نقدره، ولله الحمد هم في ازدياد حتى بدأنا نتساءل: هل وصل المجتمع إلى ذلك الحد الذي نحتاج به إلى هذا العدد؟

ورغم تمسكي بهذا العهد فإن هناك بعض الأمور التي لا أرى ضيراً في إبداء الرأي فيها، خاصة أنها أحياناً لا تستقيم مع العقل والمنطق، فعلى سبيل المثال هناك بعض الإعلانات التي تشير إلى إمكانية الحصول على مليارات الحسنات، وذلك بإرسال رسالة نصية بقيمة نصف دينار فقط لا غير.

 ونتساءل: ما هذه الحسنات المليارية التي يمكن كسبها بهذا المبلغ الزهيد؟ وبأي جهاز "كمبيوتر" تم احتسابها؟ أضف إلى ذلك تلك الرسالة الهاتفية التي تطلب المساهمة في بناء مسجد وأخذ الأجر "كله"؟ وماذا عن بقية المساهمين؟ وفي أحد البرامج الدينية، وهي ولله الحمد كثيرة، بشرنا شيخنا الفاضل بالحصول على قصر في الجنة أرضيته من المسك، وجدرانه من العنبر، وأشجاره يمتد ظلها إلى مسافة "مسيرة شهر"، ونتساءل: وما قيمة ذلك في جنة "عرضها كعرض السماوات والأرض"، وفيها "ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا يخطر على قلب بشر"؟

ولعل الأخطر من كل ذلك ما نشاهده الآن من قطع الرؤوس وتمزيق الأطراف، ونبش القبور، وحرق الرفات لبعض الصحابة والصالحين، وكل ذلك يتم حسب اعتقاد القائمين فيه تقرباً إلى الله والفوز بالحور العين المقصورات بالخيام العُرب الأتراب، فهل يستقيم ذلك مع العقل والمنطق؟

هذا وقد لاحظنا في المدة الأخيرة الأعداد الهائلة لإقامة الاحتفالات والمؤتمرات الدينية بما فيها من تذاكر سفر وإقامة في الفنادق، واستقبالات رسمية وطباعة كتب ونشرات فاخرة، ومصاريف لا نهاية لها قد تتجاوز الملايين، ونتساءل: أليس أولى بهذه الأموال بطن جائع، وظهر عارٍ ومشرد بلا مأوى؟

 فو الله لقد رأيت أناساً في بعض بلادنا العربية يبحثون في أكوام القمامة عن لقمة تسد جوعهم، ورأيت أناساً في بعض بلادنا الإسلامية لا يكاد يستر أجسادهم إلا أقل القليل من الثياب، ورأيت أناساً يستظلون بقطع من القماش من حر الصيف وبرد الشتاء، فنستحلفكم بالله أليس هؤلاء أكثر حاجة لهذه الملايين من هذه المؤتمرات والاحتفالات التي لا تغني ولا تسمن من جوع؟!

من باب الذكر فقد التقيت في مدينة سراييفو عاصمة جمهورية البوسنة والهرسك بالعم الفاضل د. عبدالرحمن السميط شافاه الله وعافاه، وكان من ضمن الوفد المرافق لسمو الشيخ ناصر المحمد حفظه الله، أثناء زيارته الرسمية لذلك البلد الصديق، وقد استفسرت من شيخنا الفاضل د. عبدالرحمن السميط عن إمكانية فتح مكتب خيري في البوسنة، فقال جزاه الله خيراً، وقد بدا عليه التأثر الشديد "أخي الكريم إن الألوان الفاتحة لا تحرك مشاعري بالقدر الذي تحركه الألوان الداكنة. إن من يهز كياني ذلك الطفل الذي التصق بطنه بظهره بعد أن نهش وحش الجوع جسده الهزيل، وإن من يحرك مشاعري تلك المرأة التي جفّ ضرعها فغدت عاجزة عن إرضاع فلذة كبدها".

 والله يا دكتور إن ما قمت وتقوم به يعادل وزنه الجبال، ولا يمكن حسابه بالمليارات، كم هو مؤذ ما نراه من اقتتال بين المسلمين، ونتساءل: هل يتم ذلك من أجل إعلاء كلمة الله وراية الدين؟ أم لأغراض أخرى ليس لها صلة بالدين الحنيف دين المحبة والسلام، دين سيدنا محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، دين سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي هتف قائلا "... إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين بهذا أمرت وأنا أول المسلمين"؟ صدق الله العظيم.

 حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

ملاحظة:

 كمّ هائل من الشكر والتقدير للزميلة العزيزة سعاد راضي لاختياري من ضمن زاويتها الرائعة "للكويت رجالها" التي تنشر في جريدة "الكويتية" الغراء، وكم شعرت بالفخر والاعتزاز بأن أكون من ضمن أبناء هذا الوطن الذي أفنى جلّ عمره في خدمته والتغني بالولاء له.

كما أبادل الزميل العزيز صلاح الهاشم تحيته التي وصلت من خلال مقاله الرائع الذي نشر أيضا في جريدة "الكويتية".

 وصلت التحية وهي مملوءة بحب الكويت الغالية التي لا يختلف اثنان على حبها، وأعتذر له عن تأخري في الرد.

back to top