قال مستشار غرفة التجارة والصناعة: «إننا لا نخفي مخاوفنا المبررة من أن تسعى البيروقراطية الكويتية إلى إعاقة تنفيذ برامج التخصيص وممارسة ضغوط قوية لإضعاف التزامه بالمعايير الاقتصادية والفنية السليمة، لاسيما أن قانون التخصيص يطلق يد هذه البيروقراطية في رسم سياسة التخصيص وإدارة برنامجه، وهي ذات البيروقراطية التي أخرت صدور قانون التخصيص 16عاماً».

Ad

قال رئيس الجمعية الاقتصادية الكويتية طارق الصالح ان الكويت تواجه تحديات اقتصادية تقليدية ومتجددة، محذراً من مخاطر الاعتماد المتزايد على إيرادات النفط مع استمرار تبني القوانين الشعبوية التي لا هم لها سوى مزيد من الأعباء على المالية العامة.

جاء ذلك خلال كلمته الافتتاحية للمؤتمر العلمي السابع للاقتصاديين الكويتيين الذي نظمته الجمعية الاقتصادية الكويتية أمس بعنوان «الاختلالات الهيكلية للاقتصاد وسبل المعالجة والدور المنشود من الدولة والمجتمع»، والذي كان نظم تحت رعاية رئيس الوزراء سمو الشيخ جابر المبارك الصباح.

وأكد الصالح أن الدراسات تؤكد أن سعر التعادل سيكون بحدود 150 دولاراً للبرميل مستقبلاً، مشيرا إلى أن الحلول حتى لا تكون حبرا على ورق، فلابد من تبني حوار فعال وبناء للعمل على تفعيل تلك الحلول بما يعزز الدور التنموي للاقتصاد في مواجهة التحديات الاقتصادية الداخلية والخارجية.

وأوضح الصالح أن من بين التحديات الأخرى توفير فرص عمل للمواطنين والتي يقدرها البعض بحوالي 150 ألف فرصة عمل خلال 10 سنوات، مضيفا أن من بين التحديات أيضا ارتفاع الاعتماد على إيرادات النفط، وتغييب دور القطاع الخاص رغم أهميته الكبرى في بناء التنمية الاقتصادية والاجتماعية بما يمتلك من خبرات متراكمة، مع الاستفادة من الدراسات المتخصصة حبيسة الأدراج.

وأشار إلى أن هناك ضرورة للاهتمام بالتعليم باعتباره أحد الآليات الهامة والضرورية لبناء الإنسان ووسيلة هامة وضرورية للاستفادة من القدرات الاقتصادية الكامنة.

أهمية المؤتمر

وبدوره، قال وزير الخارجية السابق أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت محمد صباح السالم الصباح خلال ترؤسه الجلسة الأولى التي كانت بعنوان «نحو تبني توجهات اقتصادية جديدة» ان أهمية مؤتمر الاقتصاديين الكويتيين السابع تأتي في وقت مختلف عما كان عليه في السابق، وذلك لان الوقت الحالي شهد عدة انتفاضات في العالم العربي وهو حث الشعوب العربية عن إجابات لأسئلة طالما تم تكراراها، مقابل الأنظمة التي رأيناها تسقط.

وقال الصباح ان المؤتمر يسلط الضوء على كثير من السلبيات، والمشاكل التي يعاني منها الاقتصاد الكويتي، إضافة إلى انه يضع الحلول المناسبة التي من شأنها الارتقاء بالاقتصاد الكويتي، مشيرا إلى «اننا سنجتهد ليكون البناء قادرا على توفير الحياة الكريمة للأجيال القادمة».

القطاع الخاص «مغيب»

ومن جانبه، قال مستشار غرفة تجارة وصناعة الكويت د. ماجد بدر جمال الدين ان القطاع الخاص لم يتخل عن دوره ولكن تم التخلي عنه، مشيرا إلى ان دور القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية «مغيب»، حيث بلغت مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي 37 في المئة وفي الناتج المحلي غير النفطي 62 في المئة، كما بلغت نسبته في التكوين الرأسمالي 24  في المئة مقابل 63 في المئة و38 في المئة  و76 في المئة على التوالي في القطاع العام.

ولفت جمال الدين إلى أن الكويت تعاني ضعفاً شديداً في الإدارة العامة على كافة المستويات، وفي كل القطاعات، وبالتالي، «فإننا حتى لو نجحنا بتوفير الشروط اللازمة لتحقيق الإصلاح الاقتصادي وتعزيز الدور التنموي للقطاع الخاص، فإن جهودنا ستبقى عرضه للإجهاض المبكر بفعل ضعف الإدارة العامة، خاصة وأن هذه الإدارة نفسها تنفرد باختصاص وسلطة وضع برنامج الإصلاح، ورسم سياساته، وتحديد أدواته».

وقال جمال الدين انه في بداية السبعينيات من القرن العشرين «اثر الارتفاع الكبير في أسعار النفط» على الدولة حيث توافرت لها موارد مالية ضخمة نتيجة احتكارها الكامل للثروة النفطية من مرحلة الإنتاج إلى مرحلة البيع في محطات الوقود،  مما أتاح للقطاع العام أن يحكم هيمنته على معظم القطاعات الاقتصادية، وفي الوقت ذاته، ومقابل احتكارها النفطي أخذت الدولة على عاتقها برنامج رفاه سخيا، وتولت بنفسها تقديم معظم السلع والخدمات الأساسية بأسعار دون التكلفة بكثير، مما زاد في ضيق المساحة المتاحة للقطاع الخاص.

توظيف الموارد

وتابع بقوله ان ذلك أدى الى تراجع دور القطاع الخاص الذي او ينحصر في التجارة والعقار والأنشطة الهامشية ضئيلة الجدوى وفي المضاربات بالغة الخطورة. ومنذ ذلك الوقت، بدأت تتفاعل وتتصاعد مظاهر عدم الكفاية الاقتصادية في توظيف الموارد من جهة، ومظاهر عدم الكفاية الإدارية في تسيير المشاريع من جهة ثانية.

وأضاف جمال الدين أنه في 2012، بلغت نسبة مساهمة قطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية 37 في المئة، ومن الناتج المحلي الاجمالي غير النفطي 62 في المئة، كما بلغت مساهمة في التكوين الرأسمالي الإجمالي 24 في المئة، مشيرا إلى ان خلال العام الماضي بلغ عدد العاملين من المواطنين في القطاع الخاص 83 ألفا ما نسبته 6.6 في المئة من إجمالي عدد العاملين في الخاص البالغ عددهم 1.25 مليون و20.8 في المئة من إجمالي العمالة في الدولة.

ولفت إلى أن  في عام 2008/2009 كانت مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي للقطاعات المختلفة كما يلي: 100 في المئة في الزراعة، والصيد، والتشييد، والبناء، والتجارة غير النفطية، والتمويل والتأمين، كما بلغت مساهمة القطاع الخاص في كل من الصناعة التحويلية عدا البتروكيماويات وتكرير النفط 95 في المئة، كما بلغت نسبة مساهمة القطاع الخاص 72 في المئة في النقل والمواصلات، ولم تتجاوز مساهمة الخاص ما نسبته 17 في المئة في قطاع الخدمات الأخرى، ونسبة 8 في المئة من القطاع الصحي، و6 في المئة في قطاع التعليم، بينما كانت مساهمته صفرا في الناتج الإجمالي لقطاعات النفط الخام، والبتروكيماويات والتكرير والكهرباء والنفط.

وزاد انه في عام 2010/ 2011 استأثر قطاع التمويل والتأمين وقطاع النقل والمواصلات من 80 في المئة من استثمارات القطاع الخاص، وبنسبة 45 في المئة، للأول، و36 في المئة للثاني، تاركة اقل من 20 في المئة لكل القطاعات الاخرى.

واستند جمال الدين إلى التقرير الفني الذي أعده البنك الدولي عن القطاع الخاص حيث جاء في التقرير أن القطاع الخاص مهمش ويتجه نحو الداخل، ويعاني حساسية بالغة تجاه المخاطر، وثقة ضعيفة بمستقبل الاقتصاد الوطني في ظل المسار الحالي، ما يجعله يركز على المشاريع ذات مدة الاسترداد الأقصر.

وأفاد ان التقرير يعزو ضعف القطاع الخاص الكويتي إلى أن القطاع العام حجب عن القطاع الخاص معظم مجالات وفرص الاستثمار التي تتمتع بقيمة مضافة عالية وحقيقية، كما أن فلسفة الهبات والحماية أو الدعم والمساعدة ، خلقت تشوهات مضللة ومنحرفة أدت إلى قطاع خاص غير تنافسي، زاد من همومه روتين خانق وجهاز حكومي مترهل.

التخصيص والمشاريع الصغيرة

وتناول جمال الدين أهم الشروط الواجب استكمالها لخروج القطاع الخاص من هشاشته وتقوية بنيته، والرفع من قدرته على تحقيق دوره التنموي، حيث تناول قضايا مثل التخصيص، وتحرير أنشطة القطاع النفطي، والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، والاستثمارات الأجنبية المباشرة، وإصلاح القطاع الخاص لذاته.

ومضى قائلا ان التخصيص هو عبارة عن إعلان سياسي وتشريعي عن تبني منهج جديد للتنمية، يقوم على تحرير قوى السوق بغية الانتقال بالاقتصاد الوطني من اقتصاد ريعي يتحكم فيه الإنفاق العام، إلى اقتصاد إنتاجي يحركه القطاع الخاص، والتحول بطبيعة التركيبة المجتمعية من دولة موظفين إلى دولة منتجين.

وبين بقوله ان هذا الموقع الأساسي الذي يشغله التخصيص في إستراتيجية الإصلاح الاقتصادي، لا يعني على الإطلاق أنه دواء ناجح لمعالجة كافة المشاكل الاقتصادية، كما لا يجعل منه هدفا بحد ذاته، بل يكرسه باعتباره المدخل الأوسع والأكفأ لتحقيق أهداف عديدة، يفقد التخصيص مبرره ما لم يساعد على تحقيقها.

وزاد ان استغرق العمل على إصدار القانون 37/2010 في شأن تنظيم برامج وعمليات التخصيص، ست عشرة سنة كاملة، ولابد ان نسجل لهذا القانون ايجابيات كثيرة وخاصة من حيث ضمان المنافسة، وحماية المستهلك، ومتابعة جودة السلع والخدمات، وحماية المال العام وقبل كل هذا حماية حقوق العاملين، غير أن الثغرات العديدة والكبيرة التي خلفتها الضغوط السياسية في بنية هذا القانون، جعلته قاصرا عن تبليغ الرسالة التي يفترض ان يحملها، باعتباره اعلانا رسميا عن تبني الكويت لمنهج جديد في التنمية.

وأشار إلى ان القانون لم يضع إطارا زمنيا لتنفيذ برامج التخصيص، وهو يمنع تخصيص مصافي النفط وقطاعي الصحة والتعليم، مما يخلف ـ برأينا ـ انسدادا كبيرا لا مبرر له، والقانون أقر ـ في واقع الأمر ـ مجانية الأسهم المطروحة للاكتتاب العام ولجميع المواطنين بالتساوي، وهذا أسلوب يؤدي إلى تشويه مفهوم الشركة المساهمة، ويفتح الباب على مصراعيه لتمركز ملكية الأسهم في أيد قليلة كما أثبتت التجربة، كما أن القانون أقصى القطاع الخاص بمعناه الحقيقي عن المجلس الأعلى للتخصيص. أي ان القانون الذي يسعى لأن يصبح القطاع الخاص قاطرة النشاط الاقتصادي، يعلن منذ البداية اقصاء هذا القطاع كليا عن إدارة برامج التخصيص.

البيروقراطية الكويتية

وأردف قائلا: «لا نخفي مخاوفنا المبررة من أن تسعى البيروقراطية الكويتية إلى إعاقة تنفيذ برامج التخصيص وإلى ممارسة ضغوط قوية لإضعاف التزامه بالمعايير الاقتصادية والفنية السليمة، خاصة وأن قانون التخصيص يطلق يد هذه البيروقراطية في رسم سياسة التخصيص وإدارة برنامجه، وهي ذات البيروقراطية التي أخرت صدور قانون التخصيص 16عاما».

قانون «BOT»

وحول عمليات البناء والتحويل، أوضح جمال الدين أن مشاريع البناء والتشغيل والتحويل (BOT) في الكويت تتركز في الحصول على حق استغلال الأراضي التي تحتكرها الدولة، بينما تتوزع هذه المشاريع في الدول النامية والمتقدمة على مشاريع الطاقة، والمواصلات، والاتصالات، والمياه.

وأكد أن المنافسة في الحصول على عقود (BOT) في الكويت ضعيفة جداً، بسبب غياب مصادر التمويل طويل الأجل، اما من ناحية التنظيم التشريعي لهذه المشاريع، فإن القانون 7/2008 قد أخفق تماما في تحقيق أهدافه، وأدى إلى تجميد مشاريع الشراكة بين القطاعين بشكل شبه مطلق، لأنه صمم -أصلا- للتعامل مع غيرها، وبالتالي، فإننا نعتقد أن الحراك الهادف إلى تعديله غير كاف، ولابد من إصدار تشريع جديد كلياً يوفر البعد التنموي والشفافية، ويعتمد النظرة المستقبلية بدل الالتفات إلى الوراء.

صناعة تحويلية

وأشار إلى أن إغلاق الأنشطة النفطية أمام القطاع الخاص لم يؤد فقط إلى حرمان هذا القطاع من أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي، بل حرمه أيضاً معظم أنشطة الصناعة التحويلية والخدمات الاجتماعية وتركه تحت رحمة الإنفاق العام.

وتابع قائلا «من هنا نقول إن القطاع الخاص الكويتي لن يكون له دور تنموي حقيقي ما لم تفتح أمامه أبواب القطاع النفطي بكل أنشطته لا نستثني منها إلا ملكية النفط الخام وإنتاجه».

صندوق المشاريع الصغيرة

وعن الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة قال جمال الدين، إن الصندوق الذي أنشئ في مارس 2013 يشكل سبقا عالميا بحجم رأسماله وتعدد خدماته وسخاء تسهيلاته، انسجاما مع أهمية غايته، وإذا كان توطين وتطوير قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة شرطاً بالغ الأهمية في إيجاد قطاع خاص يحظى بقوة تنافسية، وبتفهم شعبي ورسمي لدوره، فإن تحقيق هذا الهدف لا يكون مجرد توفير التمويل والتسهيلات الفنية على أهميتها، بل لابد له من «ثقافة» أو «تربية» مجتمعية عامة تشجع على العمل الحر، ذلك أن أصحاب الأعمال يصنعون ولا يولدون كذلك.

وقال انه حتى عام 2003 اعتمدت الكويت إلى حد بعيد سياسة «الاستخلاص الوطني» القائمة على حصر فرص الاستثمار في المواطنين، غير اننا بعد 2003 وانحسار الهاجس الأمني لصالح الاهتمام التنموي، نلاحظ أن «الدبلوماسية الاقتصادية الكويتية» قد نشطت بشكل جيد وعالي المستوى، للترويج للكويت كموقع استراتيجي، وشريك مليء، ومشاريع استثمارية ضخمة، في إطار خطة تنموية ذات رؤية منفتحة، وقد واكب هذا النشاط اهتمام واضح بتنظيم وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر تبلور مؤخرا في مشروع قانون بشأن تشجيع الاستثمار المباشر، من المنتظر أن يتم إقراره في القريب العاجل.

حوافز «سيئة»

وأردف قائلا: إن النمط التقليدي في تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي سارت عليه كثير من الدول النامية منذ ستينيات القرن الماضي، يقوم على الحوافز الضريبية والجمركية والإعفاءات من القيود النقدية، والحماية الجمركية، والمعاملة التفضيلية، وهي حوافز أثبتت التجربة عدم جدواها، بل أصبحت تعتبر في أدبيات الاستثمار «حوافز سيئة»، وأضحى الحافز الحقيقي لاجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر هو «البيئة الاستثمارية في البلد المضيف بكل مكوناته»، وأهمها: «الاستقرار السياسي والاجتماعي والتشريعي، درجة الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي، أسعار الصرف، نسبة التضخم، وضوح السياسات المالية والنقدية، وحداثة البنية الأساسية، ولن ندخل بهذه العجالة في تفاصيل ومقاييس البيئة الاستثمارية في الكويت، وسنكتفي بالقول إن المستثمر يريد ان يلمس التزاما قويا وجادا ببرنامج الإصلاح الاقتصادي عموما، وفي برنامج التخصيص بصورة أكثر تحديدا، وجهودنا لاجتذاب المستثمرين الأجانب والاستراتيجيين منهم بالدرجة الأولى يمكن أن تؤدي إلى عكس ما تهدف إليه، إذا لم يثق هؤلاء بأن القرار النهائي سيعتمد على معايير فنية واقتصادية، وأن طرح المشاريع يعني بالضرورة إرساءها، كما ان توقيع العقود يعني بالتأكيد احترامها.

هامشية الأنشطة الاقتصادية

ولفت إلى أنه مع تأكيد أن إدارة المشاريع في ظل قوى السوق والمنافسة أفضل أداء، وأعلى إنتاجية، وأسرع تجاوبا مع المتغيرات من إدارة القطاع العام، ومع تأكيد أن تواضع دور القطاع الخاص في الكويت، إنما يعود إلى هامشية الأنشطة الاقتصادية التي تركتها له سيطرة القطاع العام، ومع التذكير بأن تجربة القطاع العام الكويتي في قيادة التنمية على مدى نصف قرن وأكثر لم تستطع أن تحقق نتائج استراتيجية تذكر في مجال استخدام النفط كجسر نحو الانتقال الى اقتصاد متوازن وقادر على توليد تنمية مستدامة، يجب ألا ننكر  -بالمقابل- أن القطاع الخاص يحتاج إلى إصلاح ذاتي عميق، ليكون قادراً على أداء دوره التنموي بكفاءة، والإصلاح الذاتي الذي نقصده يقوم على مستويين اثنين:

الأول: إصلاح قيمي استراتيجي، يحرر هذا القطاع من العادات والمفاهيم والممارسات الخاطئة التي رسختها التجربة الماضية ويبعده عن السعي إلى الربح السريع في مضاربات خطرة، وعن الاعتماد على العائد المضمون بعيداً عن روح المبادرة، كما يقتضي أن يتحمل القطاع الخاص نتائج قراراته وخياراته، فلا يستند إلى دعم الدولة وتدخلها لإنقاذه من عثراته، وان تكون دعوته للحرية الاقتصادية دعوة حقيقية تعي مفهوم الحرية ومسؤولياتها، فلا يأخذ منها ما يريد، ولا يسقط منها ما يريد، تبعاً لتقلبات مصالحه.

الثاني: إصلاح إداري تنظيمي، فإذا كان التقرير العالمي للمنافسة لعام 2013 قد وضع الإدارة العامة في الكويت في المرتبة 100 «من اصل 125» في الاعتماد على الإدارة المحترفة، فإن ادارة القطاع الخاص لم تكن أحسن حظا، إذ جاءت في مراتب متأخرة من حيث كفاءة مجالس إدارة الشركات، وحماية مصالح صغار المساهمين، ومتانة تدقيق الحسابات واعداد التقارير، وبينما تعاني الادارة العامة ضغوطا سياسية وطائفية وقبلية، تعاني إدارة القطاع الخاص هيمنة السمة العائلية والعلاقات الشخصية.

ثلاث قضايا

وسلط جمال الدين في الجزء الرابع من الورقة الضوء على ثلاث قضايا رئيسية تمثل -في رأي معد الورقة- العوامل الأكثر تعقيدا وتأثيرا في عرقلة نهوض القطاع الخاص بدوره التنموي، وهي: الإدارة العامة، ونظام التعليم، والفساد الإداري والمالي، وقد تم اختيار هذه المعيقات باعتبارها تتعلق بالتنمية البشرية، وهي أصعب وأغلى صور التنمية، هذا مع عدم التقليل إطلاقا من المعيقات الأخرى المتعلقة بالبنية المادية مثل كفاءة الموانئ، والخدمات الجمركية والنقل بأنواعه والاتصالات وندرة الأراضي.

تقارير «الأعلى للتخطيط»

وحول العوامل الثلاثة التي تم اختيارها يمكن طرح الآراء التالية، تتعايش في مكاتب الإدارة العامة الكويتية ظاهرتان: التضخم في الحجم والضمور في الكفاءة، فنسبة عدد الموظفين إلى عدد السكان من أعلى النسب في العالم، وندرة الكفاءات واضحة في كل مجال، وهاتان الظاهرتان جعلتا من الإدارة العامة في الكويت -بإجماع الآراء- عنق الزجاجة الذي يجهض التنمية.

وتؤكد تقارير المجلس الأعلى للتخطيط أن 51 في المئة من العقبات التي واجهت تنفيذ الخطة الرباعية الحالية في سنتيها الأولى والثانية، هي معوقات إدارية ومؤسسية بنسبة 37 في المئة للاولى 14 في المئة للثانية.

 أما تقرير بلير فيشير إلى أن هذه البيروقراطية، التي تسود كل مراحل الدورة الاعمالية وتنتشر في كل الإجراءات، قد جعلت معدل عدد المشاريع التي تؤسس في الكويت قياسا بعدد السكان من أكثر المعدلات المماثلة انخفاضا في العالم».

ثانيا: إلى جانب تداخل الاختصاصات، وتشابك الإجراءات، وتعدد طبقات الرقابة، يعود ضعف الإدارة العامة في الكويت إلى التزام الدولة بتوظيف كل الكويتيين، وضعف مستويات التعليم، واستمرار الدولة في تمويل الموظفين التجار على حساب القادمين الجدد لسوق العمل وعلى حساب كفاءة الجهاز الإداري، هذا كله، فضلا عن ثقافة الحصانة «التي تجعل الموظف العام محصنا ضد المساءلة والعقوبة، بفعل القيم والتقاليد الاجتماعية، وبفعل ضغوط السياسة والأسرة والقبيلة والطائفة».

الإدارة العامة

دعا جمال الدين إلى إعادة هيكلة الإدارة العامة «للوصول الى جهاز حكومي اكثر كفاءة واقل حجما، تكون فيه الوظيفة ادارة تنمية لا وسيلة توزيع للثروة، وينتقل بالموظف العام من مقعد السلطة الرسمية الى موقع الخدمة الشعبية».

وزاد: «تخلص الورقة إلى القول إن الكويت تعاني ضعفا شديدا في الادارة العامة على كل المستويات، وفي كل القطاعات، وبالتالي، فإننا حتى لو نجحنا في توفير الشروط اللازمة لتحقيق الاصلاح الاقتصادي، وتعزيز الدور التنموي للقطاع الخاص، فإن جهودنا ستبقى عرضة للاجهاض المبكر، بفعل ضعف الادارة العامة، خاصة ان هذه الادارة نفسها تنفرد باختصاص وسلطة وضع برنامج الاصلاح، ورسم سياساته وتحديد ادواته».

وأضاف ان «الدراسات والتجارب أكدت ان النظام التعليمي، إذا توافقت مخرجاته مع احتياجات سوق العمل، يستطيع ان يسهم الى حد بعيد في نمو الدخل وعدالة التوزيع وتحسين التنافسية، وبالنسبة للكويت يعتبر التعليم مرتفع الجودة مطلبا اساسيا، ليس فقط من اجل المحافظة على مستوى المعيشة المرتفع، بل ايضا من أجل تخفيض الاعتماد على النفط وتوسيع القاعدة الانتاجية، لأن مردود الاستثمار في التعليم بالنسبة للمجتمع يتجاوز مردوده الخاص بالافراد».

وافاد بأنه «رغم ما قدمته الكويت للتعليم من جهود واستثمارات فإن ضعف الادارة العامة وجمود نظام التعليم أحبطا الى حد بعيد هذه المساعي الكبيرة، حيث احتلت الكويت عام 2012 في تقرير التنافسية العالمي المركز 108 في جودة التعليم، والمركز 99 في جودة كليات الادارة».

وتابع: «من هنا نستطيع القول ان النظام التعليمي في الكويت يحتاج إلى تغيير جذري يتناول فلسفته ومناهجه ومؤسساته، ويشمل كل مراحله وانواعه واطرافه، ليقضي على بطالة الخريجين بنوعيها، وينهي ازمة الاختصاصيين والمهنيين المدربين، وهما الظاهرتان اللتان تتعايشان جنبا إلى جنب في مخرجات نظامنا التعليمي».

واردف: «في اعتقادنا أن الكويت يجب ان تسعى، الآن وحالا، الى العمل على احلال نظام تربوي يراعي، ضمن أمور كثيرة، النواحي التالية، ليكون قادرا على تطوير رأس المال البشري، وهي عدم الاكتفاء بايجاد الانسان المتعلم، بل العمل على تكوين الإنسان الذي يملك القدرة على التعلم وتطوير معارفه ومهاراته، توفير التعليم المستمر من خلال التدريب واعادة التدريب، تنمية ملكة النقد، ولا أقول الانتقاد، والنظرة المستقلة وتحفيز التفكير التحليل والابداعي، الاهتمام باتقان استخدام الاصابع العشرة، او العقل الذي في اليد كما يقول غاندي».

فساد إداري

وأشار جمال الدين الى ان الدراسات الدولية تؤكد ان الفساد الإداري يزداد حجما وانتشارا كلما ازدادت هيمنة القطاع العام على الانشطة الاقتصادية، كما يوجد ارتباط مماثل بين الفساد، وكل من حجم الانفاق العام، وحجم الاعانات الحكومية، ودرجة الاعتماد على انتاج وتصدير المواد الخام، وتضخم الجهاز الحكومي.

وذكر: «كما أن للفساد اثرا مباشرا وكبير الضرر على اختيار مشاريع البنية الاساسية ونوعيتها وتكلفتها ومدة تنفيذها، ومن جهة اخرى يلقي الفساد بالجزء الاكبر من عبئه على المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تعتبر قاعدة القطاع الخاص».

وزاد ان «الدراسات الدولية اكدت ان 85 في المئة من عينة استقصاء اجري بالكويت في فبراير 2003، اكدت ان الفساد في الكويت مشكلة خطيرة وخطيرة جدا، واعتبر 86% منهم ان السياسيين وموظفي الدولة مسؤولون بدرجة كبيرة او كبيرة جدا عن هذا الفساد، وانخفضت هذه النسبة الى 55 في المئة حول مسؤولية الصحافة، و40 في المئة حول مسؤولية القطاع الخاص».

وأضاف ان «نظرة فاحصة لهذه الحقائق تؤكد حقيقتين على درجة عالية من الخطورة بالنسبة للكويت، الأولى: ان الكويت تمتلك، مع الأسف الشديد، العديد من مكونات البيئة الحاضنة للفساد، وهذا ما يلقي الضوء على تراجع مؤشر مدركات الفساد بالنسبة للكويت، من المركز 35 عام 2003 الى المركز 66 عام 2009، والحقيقة الثانية ان الفساد بتجلياته الاقتصادية في الكويت، لا يعكس تشوها في القيم، بقدر ما يعكس نقصا في الحرية الاقتصادية، وبالتالي فإن الاصلاح الاقتصادي من أهم آليات تطويق الفساد».

وقال ان «الغريب فعلا في هذا الصدد ان هذه النظرة الحديثة جدا في ربط الفساد بالخلل الاقتصادي بدل العكس، نجد لها جذورا واضحة جدا في رسالة للمقريزي كتبها قبل ستة قرون، عن الازمات الغذائية في مصر، وختمها بالقول: ليس بالناس غلاء، انما نزل بهم سوء التدبير».

وبين انه «سبق لفريق عمل، شكله مجلس الوزراء عام 2004 لدراسة تفشي ظاهرة الفساد الاداري والرشوة في الجهات الحكومية، ان اعلن في تقرير جريء ان السياسات الاقتصادية الخاطئة من أهم عوامل انتشار الفساد الاداري في الكويت، ويتمثل هذا العامل في هيمنة القطاع العام على النشاط الاقتصادي».

واستدرك: «بقي ان نذكر في هذا المجال ان ثمة علاقة عكسية قوية بين الفساد والديمقراطية، فكلما ارتفع مستوى الممارسة الديمقراطية والشفافية ازدادت القدرة على محاربة الفساد، غير ان الاشكالية الحقيقية هنا ليست في اختيار الديمقراطية باعتبارها النظام الاساسي الافضل لمحاربة الفساد، بل في حماية الديمقراطية ذاتها من الفساد».

«تسييس» التخصيص

أكد جمال الدين ان «تسييس» عملية التخصيص في بولندا شكل عائقا حقيقيا أمام اجتذاب الاستثمارات الأجنبية للمشاركة في هذه العملية، كما نجم عن اسناد ادارة التخصيص في هنغاريا بالكامل إلى الحكومة الى شبه تجميد لبرنامج التخصيص حتى عام 1995 حين وضعت صيغة لمشاركة القطاع الخاص في تنظيم برنامج التخصيص. أما بيرو فقد ارتفعت اسعار المشاريع العامة التي عرضتها للتخصيص ارتفاعا تجاوز اكثر التوقعات تفاؤلا، لأن وكالة التخصيص الرسمية هناك أسندت تنفيذ عمليات التخصيص الى لجان تضم مديرين تنفيذيين من القطاع الخاص.

وباختصار يجب ان تتمتع ادارة التخصيص في الكويت باستقلالية كافية، ترد عنها تدخلات أصحاب النفوذ السياسي، وضغوط أصحاب النفوذ المالي في آن معا.