البابا فرانسيس... هل ستطارده «الحرب القذرة» وتقض مضجعه؟!

نشر في 18-03-2013
آخر تحديث 18-03-2013 | 00:01
في شهر فبراير، أصدرت محكمة أرجنتينية حكماً يقضي بأن قيادة الكنيسة الكاثوليكية، التي شكل فرانسيس جزءاً منها، «أغمضت عينيها»، متجاهلةً قتل الكهنة التقدميين في العهد الدكتاتوري العسكري.
 فوراين بوليسي مع اختيار الكاردينال الأرجنتيني خورخي بيرغوليو ليكون البابا الجديد، حققت الكنيسة الكاثوليكية إنجازاً إضافياً بتعيينها أول حبر أعظم عصري غير أوروبي، ما يشكل إقراراً بتزايد رعايا هذه الكنيسة في العالم النامي.

بخلاف الكثير ممن كانوا مرشحين لهذا المنصب، ظل برغوليو، الذي اتخذ "فرانسيس" اسماً بابوياً له، بعيداً عن الفضائح الجنسية المتفشية في الكنيسة. ولاشك في أن هذا تطور مرحب به بالنسبة إلى مَن يأملون أن ينهي البابا الجديد ذلك الفصل من ماضي الكنيسة المضطرب. ولكن بصفته رئيس الرهبنة اليسوعية خلال فترة الحكم الدكتاتوري العسكري في الأرجنتين، قد تمسه فضيحة تاريخ الكنيسة الموثَّق بالمستندات عن غضها النظر عن قتل النظام عددا من الكهنة التقدميين.

سيطر هذا الحكم الدكتاتوري العسكري على الأرجنتين بين عامَي 1976 و1983. وبين عامَي 1973 و1979، كان البابا فرانسيس المسؤول اليسوعي الأعلى في الأرجنتين. وخلال هذه الفترة، لزمت الكنيسة الكاثوليكية الصمت حيال انتهاكات حقوق الإنسان الواسعة في ما أطلق عليه "الحرب القذرة" في الأرجنتين، هذه الحرب التي سعت أثناءها الحكومة العسكرية إلى التخلص من المنشقين بواسطة التعذيب، أو القتل، أو الإخفاء القسري. وفي حالات عدة، تعاون الكهنة الكاثوليك مع الحكومة، حتى انهم كانوا موجودين في الغرفة ذاتها التي يتعرض فيها المساجين للتعذيب. وفي شهر فبراير، أصدرت محكمة أرجنتينية حكماً يقضي بأن قيادة الكنيسة الكاثوليكية، التي شكل فرانسيس جزءاً منها، "أغمضت عينيها"، متجاهلةً قتل الكهنة التقدميين. وفي عام 2005، تقدم محامون يدافعون عن حقوق الإنسان بدعوى ضد برغوليو، الذي كان آنذاك كاردينالاً، زاعمين أنه شريك في عملية خطف كاهنين يسوعيين.

قدمت وكالة "الأسوشيتد برس" تفاصيل عن علاقة فرانسيس بالنظام. ويستطيع كل منّا قراءة سجل هذا البابا بطريقتين مختلفتين:

كان برغوليو متورطاً مباشرة في قضيتين على الأقل. تناولت إحداهما تعذيب الكاهنين اليسوعيين أورلاندو يوريو وفرانشيسكو يالكس، اللذين خُطفا عام 1976 من الأحياء الفقيرة حيث كانا يناديان بـ"لاهوت التحرير"، وهي حركة سياسية في المذهب الكاثوليكي تدعو إلى تفسير تعاليم السيد المسيح في ضوء التحرر من الظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وقد اتهم يوريو برغوليو بتسليمهما إلى فرق الموت برفضه إعلام النظام أنه هو مَن أوكل إليهما هذا العمل. أما يالكس، فقد رفض مناقشة هذه المسألة قبل الانتقال إلى دير في ألمانيا حيث يعيش في عزلة.

حُرِّر كلا الكاهنين بعد أن بذل برغوليو مجهوداً جباراً في الكواليس لينقذهما، مقنعاً كاهن عائلة خورخي فيديلا بادعاء المرض قد يتولى هو عقد القداس في منزل قائد المجلس العسكري الحاكم هذا. وهناك رجاه سراً للعفو عن الكاهنين. من المرجح أن تدخله هذا أنقذ حياتهما. غير أن برغوليو لم يذكر هذه التفاصيل إلا خلال المقابلات التي أجراها معه سيرجيو روبن وضمّنها سيرة حياته عام 2010.

أخبر برغوليو، الذي ترأس الرهبنة اليسوعية في الأرجنتين خلال هذا الحكم المستبد، روبن أنه خبّأ الكثير من الناس في عقارات تابعة للكنيسة في تلك الفترة. حتى انه أعطى ذات مرة أوراقه الثبوتية لرجل يشبهه، ما أتاح له الهرب عبر الحدود، لكن كل هذه التفاصيل حدثت في السر في وقت دعم فيه قادة الكنيسة علانية المجلس العسكري الحاكم، ودعوا الكاثوليك إلى تجديد "حبهم للوطن" رغم حالة الرعب التي انتشرت في الشوارع.

يوضح روبن أن الامتناع عن تحدي الحكام المستبدين بدا تصرفاً عملياً في مرحلة قُتل خلالها كثيرون. وقد اعتبر تردد برغوليو لاحقاً في كشف جانبه من القصة عمل تواضع.

لكن ميريم برغمان، محامية تُعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان، تذكر أن تصريحات برغوليو بحد ذاته تبرهن أن قادة الكنيسة عرفوا في مرحلة باكرة أن المجلس العسكري الحاكم كان يعذّب المواطنين ويقتلهم. رغم ذلك، دعموا هؤلاء الحكام المستبدين علانية. وتضيف: "ما كان باستطاعة نظام الحكم المستبد العمل بهذه الطريقة من دون هذا الدعم الأساسي".

علاوة على ذلك، اتُّهم برغوليو بإدارة ظهره لعائلة خسرت خمسة من أفرادها بسبب رعب الدولة، بمن فيهم شابة كانت حاملاً في شهرها الخامس قبل أن تُخطَف وتُقتل عام 1977. تقدمت عائلة دي لا كوادرا بطلب إلى رئيس الرهبنة اليسوعية في روما، الذي حضّ برغوليو على مساعدتها. عندئذٍ عيّن برغوليو عضواً مشرفاً في المجلس الكنسي يتولى الاهتمام بهذه القضية. ولكن مرت أشهر قبل أن يعود برغوليو برسالة خطية من كولونيل كشفت أن المرأة أنجبت فتاة في الأسر، وأُعطيت المولودة لعائلة "بالغة الأهمية" ولا يمكن التراجع عن عملية التبني هذه.

الحق يُقال، قاد برغوليو في السنوات الأخيرة جهوداً في الكنيسة الكاثوليكية في الأرجنتين للاعتذار عن تعاونها مع النظام العسكري. وفي شهر أكتوبر الماضي، اعتذر أساقفة الأرجنتين عن إخفاقهم في التنديد بانتهاكات حقوق الإنسان.

ولكن مع جلوسه على الكرسي الرسولي، سيتعرض سجله خلال حكم النظام العسكري في الأرجنتين لتدقيق لم يسبق له مثيل. وقد تسم المعلومات التي ستخرج إلى العلن عهد فرانسيس البابوي.

Elias Groll

back to top