ما هي بالضبط الحالة التي يمر بها الاقتصاد العالمي؟ في الوقت الذي تسجل فيه سوق الأسهم الأميركية رقما قياسيا جديدا، شهدت الأيام القليلة الماضية هجمة قوية من المعلومات، من إحصائيات الحكومات، ومن البنوك المركزية التي تصدر قراراتها وتحليلاتها للسياسة النقدية، ومن الشركات التي تصدر نتائج الربع الأول من العام.

Ad

مجموع كل هذه البيانات هو في أحسن أحواله دون المستوى المطلوب. ربما لا يكون الاقتصاد العالمي قد انزلق في جولة ثانية من الكساد العظيم، لكن صحته ليست على ما يرام. أوروبا تعاني من الكساد، ونمو الصين السريع يمر في تباطؤ، والنمو في الولايات المتحدة متواضع.

وتظهر استبيانات مديري الشراء عن مايو - وهي مؤشرات اقتصادية رائعة ومشهورة تضع الرقم 50 على الحد الفاصل بين الركود والتوسع - أن الولايات المتحدة تمر في تباطؤ عند 50.7 والصين عند 50.6، لكن منطقة اليورو هبطت إلى 46.7. وحتى الآن مضى على منطقة اليورو 18 شهرا وهي دون مستوى 50.

وفي الأسبوع الماضي صدرت بيانات الوظائف عن أبريل في القطاعات غير الزراعية في الولايات المتحدة، حيث أدخلت تعديلات كبيرة على أرقام شهري فبراير ومارس. وأكدت البيانات أن الاقتصاد الأميركي، أكبر اقتصاد في العالم، يمر بنمو، لكنه بطيء على نحو يثير الجنون. وعاد التوظيف في القطاع الخاص إلى مستوياته التي كان عليها في أواخر 2008، لكن هناك تراجع مثير للقلق في عدد ساعات العمل، بالتالي صعود الوظائف ربما يكون علامة على أن العمال يقبلون العمل بدوام جزئي، وليس علامة على الانتعاش الاقتصادي القوي.

تحفيز قوي

ثم تأتي البنوك المركزية. لم يغير الاحتياطي الفيدرالي سياسته النقدية ذات التحفيز القوي للغاية، لكنه ألمح بصورة ثقيلة إلى أنه يمكن أن يرفع، أو يخفض من كمية السندات التي يشتريها كل شهر في محاولته لتحفيز الاقتصاد. وكان السبب في ذلك هو أن الاقتصاد كان يتوسع «بمعدل متواضع».

وبعد ساعات قليلة أعلن البنك المركزي الأوروبي تخفيضا في أسعار الفائدة الرئيسة بمقدار ربع نقطة مئوية، في حين أن محافظ البنك، ماريو دراجي، أكد أنه يفكر في تخفيض الفائدة التي يدفعها على ودائع المصارف لديه لتصبح سالبة، وهي خطوة تنطوي على إمكانية قوية لتنشيط النمو.

وأخيرا هناك الأرباح، وهي أهم البيانات بالنسبة للأسهم. هنا نجد أمامنا عدة اتجاهات عامة. الأول، أن نمو الأرباح يعتبر محترما في الولايات المتحدة، لكن ليس في أوروبا. وفي الوقت الحاضر تظهر البيانات المقارنة من تومسون رويترز أن أرباح الشركات المدرجة في مؤشر ستاندار آند بورز 500 سترتفع بنسبة 4.7 في المائة بالمعدل السنوي - وهي نسبة أدنى من النسبة المسجلة في الربع الماضي بواقع 6.3 في المئة، لكنها أعلى من التوقعات المتشائمة. وفي أوروبا، وفقا لبنك «يو بي إس»، الشركات بصورة إجمالية تخفق في تحقيق التوقعات. ثانيا، المشكلة ليست في الهوامش، التي تظل قريبة من مستوياتها القياسية العالية، وإنما في المبيعات التي سجلت أرقاما فظيعة. ووفقا لتومسون رويترز، تسير إيرادات الشركات المدرجة في مؤشر ستاندار آند بورز 500 على خط للنمو بنسبة 0.1 في المئة فقط، مقارنة بالربع الأول من السنة الماضية «ويعود الفضل في ذلك بصورة كبيرة إلى هبوط قوي بنسبة 14.2 في المئة في مبيعات شركات الطاقة». وفي أوروبا، وفقا لبنك «يو بي إس»، أنتجت 44 في المئة من الشركات مبيعات أدنى من المتوقع، وهو أكثر الأرباع المخيبة للآمال في الإيرادات الأوروبية منذ 2009.

وبصورة إجمالية هذا يعني أن الشركات «تشق طريقها للنمو» وأن رأس المال يتغلب على اليد العاملة. ومن غير الواضح إلى متى يظل هذا قابلا للاستدامة.

ثالثا، تنظر الشركات إلى السوق على أنها ستكون هابطة في المستقبل، وبالتالي تخفض من آفاق التوقعات بأعلى معدل منذ 2001.

أخيرا، الشركات تعود إلى الرفع المالي، حيث تقرن أخبار الأرباح بإعلانات عن أنها تقترض أسهمها مرة أخرى. وأشهر شركة في هذا الباب هي «أبل»، التي رغم أكوامها الهائلة من النقد قالت: إنها ستقترض من سوق السندات.

أداء الأسهم

فما هو السبب في الأداء الجيد للأسهم؟ أقوى الشركات من حيث الأداء هي الأسهم «الدفاعية»، أي شركات المواد الاستهلاكية التي تستطيع المحافظة على أرباحها من براثن الركود. وكما تلاحظ مؤسسة نيد ديفز للأبحاث، هذه الشركات بالذات هي التي سجلت أقوى المفاجآت الإيجابية في الربع الأول من هذا العام - وهو انقلاب تام عن الربع الأول من العام الماضي، حين كانت الأسهم الدورية «التي يغلب عليها كذلك أن تكون أكثرها عرضة للتقلبات من الصين» في الطليعة.

كذلك هناك الأسهم التي تمكنت من المحافظة على المبيعات، التي يدفع المستثمرون الآن علاوة مقابل الحصول عليها. بالتالي، الحركة ضمن سوق الأسهم محافِظة. وهي علامة على الأوقات الاقتصادية العصيبة أكثر من كونها سوقا صاعدة في الأسهم.

وأكثر ما يهم صعود الأسهم هو حديث البنوك المركزية. تريد البنوك المركزية من الشركات أن تقترض، ومن المستثمرين أن يشتروا الموجودات الخطرة. وهذه الإجراءات، وما ينتج عنها من أسعار الفائدة، تجعل هاتين النتيجتين أمرا شبه محتوم.

ولأن أسعار الفائدة متدنية للغاية، سيشتري المستثمرون الأسهم، خصوصا إذا كانت لشركات من بين 55 في المئة من شركات «ستاندار آند بورز 500» التي تدفع أرباحا على الأسهم، التي تسجل عوائد أعلى من عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل عشر سنوات. وسيشتري المستثمرون كذلك السندات الخطرة ذات العوائد العالية، حتى لو كانت عوائدها متدنية بالأرقام القياسية، وهو ما يوحي بالتهاون.

ولا تحتاج البنوك المركزية إلى فعل أي شيء من أجل إبقاء أسعار الأصول في ارتفاع. وقد أشار الاحتياطي الفيدرالي إلى أنه من الممكن أن يقوم بزيادة التسهيل الكمي، واعترف البنك المركزي الأوروبي بأنه يفكر في أن يجعل أسعار الفائدة على الودائع سلبية. ولم يعمل أي من البنكين على هذه الأفكار، لكن مجرد الإعراب عن الفكرة كان كافيا لاستمرار صعود الأسهم والسندات والائتمان.

وبالتالي يستمر الانقطاع بين الأسهم والاقتصاد العالمي. وربما تعمل الأسعار المتصاعدة على بعث الحياة في الاقتصاد. والطريق الآخر لحل هذا التضاد سيكون أكثر إيلاما.

*  فايننشال تايمز