لبنان... أمل الثقافة أم «ربيع» الأزمات؟!
من يتأمل الواقع اللبناني يلاحظ المشهد الآتي: عشرات المهرجانات الثقافية والفنية تنطلق في بيروت والمناطق الأخرى والتي تجعل من لبنان ملتقى للتجدد والإبداع والحراك المديني. في المقابل، ثمة عشرات «الأحلام القاتلة» تعشعش في أفكار السياسيين سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين، سلفيين أو شيعة، جنبلاطيين أو إرسلانيين، عروبيين أو كونيين.
لكل مدينة في لبنان مهرجانها الفني والثقافي أو حلمها وعرسها، من بيت الدين وبعلبك وجبيل وجونية وبيروت وزوق مكايل وصيدا وكثير من البلدات والقرى. هذه المهرجانات وإن كانت محسوبة على جهات سياسية أو مناطقية أو حتى حزبية وإقطاعية، فهي تبعث الأمل في الرميم إذا جاز التعبير. تزيل عن عيوننا غمامة الملل، بل تحفظ ماء وجه «لبنان الحلم» كما درجت تسميته. سيقال الكثير عن هذه المهرجانات في السلب والإيجاب، وهي في النهاية أمر لا بد من مدحه ولكن في الوقت نفسه لا بد من تطويره ووضعه في إطار أكثر فاعلية، ويجب أن تتحول المهرجانات من دائرة الاستهلاك الفني و{البزنس» إلى دائرة الإنتاج وتطوير الثقافات والمواهب الجديدة.المراكز الثقافية اللبنانية والأجنبية أيضاً فيها فسحة للأمل والتواصل، من «مركز بيروت للفن» الذي تديره كريستين طعمة في منطقة سن الفيل إلى «مركز بيروت للمعارض» الذي ترعاه شركة «سوليدير» في وسط بيروت، وما بينهما و{أمم للتوثيق» في الضاحية الجنوبية تحت رعاية لقمان سليم من دون أن ننسى المراكز الثقافية الأجنبية (الفرنسي، الإسباني، الإيطالي، الإنكليزي، وغوتة...)، هذه المراكز كافة لها دورها في إضفاء نوع من ألوان ثقافية على هذا البلد الصغير، سواء من خلال اللغات العالمية أو الحداثة اللونية في الفنون التشكيلية أو من خلال النشاطات التي تخص ثقافة ما بعد الحداثة التي يتجلى حضورها في أعمال كثير من الشباب الذين يشاركون في مهرجان «أشكال ألوان» الذي تجري فصوله هذه الأيام.
نشاطات «زيكو هاوس» الثقافية مع جمعية «قلم» في منطقة الصنائع كانت فتحت نافذة على الأمل، ولا يختلف الأمر في أنشطة الغاليريات الكثيرة من غاليري «أيام» و{مارك هاشم» و{أجيال» و{جانين ربيز» و{عايدة شرفان» و{زمان». هذه الثقافات كافة تجعل من لبنان متماسكاً بعض الشيء، هذه الثقافات الفردية تنتج حياة مدينية، حتى المقاهي في بيروت لها دورها. شبح دائم نشعر بالأمل من خلال بعض الأنشطة الثقافية المزدهرة، ولكن حين نصل إلى السياسة اللبنانية نشعر بأن كل شيء يضيع في لحظة، أو يصبح على شفير الهاوية. يمكن لتصريح سياسي أن يفرغ المهرجانات من روادها، ويمكن لإطلالة تلفزيونية لأحد الزعماء أن تطيح بأشكال الثقافة والحضارة والأحلام، بل تجعل من 7 أيار شبحاً دائماً.لا ضرر في القول إن الأزمة السياسية في لبنان في ربيع دائم وفي مسار قاتل وقاتم. يفضل بعض الزعماء الجنازات على المهرجانات ولغة الإطارات على الأغاني والموسيقى والرقص. منذ تكرّس الانقسام العمودي والخشبي والعبثي بين جماعة {الممانعة} و{المقاومة} وجماعة {السيادة والحرية والاستقلال}، صار اللبناني يردد بشكل دائم {الله يستر}، {شو رح بيصير}؟ قانون الانتخابات النيابية على مسرح المجلس النيابي اللبناني فضح الجميع، وعراهم من طموحاتهم البدائية، كل فريق يتمسك بالطريقة التي تجعل من المواطنين مجرد قطعان، {الواجب الجهادي} لـ{حزب الله} في سورية زاد من الفضيحة، هل نحن في وطن أم مزرعة؟ وعلى هذا كل جماعة تريد الدولة على قياسها.الأزمة السياسية في ربيع دائم وهذا ينعكس بقوة على كل نشاط ثقافي في لبنان، وتصبح إقامة مهرجانات في بعلبك نوعاً من المغامرة أو الضرب في المندل، وحتى المهرجانات الأخرى تشعر أنها على كف عفريت، فعين لها على النشاطات والعين الأخرى تترقب الأحداث.