لا شيء يضاهي فرحتي حين أحمل حقيبة العمر مسافرا إلى السنة الأخرى، قدر فرحتي حين أفتحها، وأجد معظم من أحببتهم من أصدقاء مازالوا فيها!

Ad

مازالوا ضمن الأمتعة الصالحة للاستعمال كلباسٍ للعمر!

ضمن الأمتعة العصيّة على الاهتراء، لا تبلى ولا تأكلها عثة الحياة.

مازالوا في حقيبة العمر تلك رهن حاجتي لهم، حين أريد أن أستتر أو أتدفأ، أو حتى أختبئ عن تعب الحياة في مكانٍ آمن.

أشعر حين أفتح حقيبة العمر في أول محطة في السنة الأخرى، وأجد أغلب أصدقائي فيها، أشعر أنني بخير... وأن أصدقائي طيبون وصالحون!

أصدقائي... يا دثار العمر الجميل...

شكرا أنكم أنتم أصدقائي...

من سواكم... يتجاوز أخطائي... ويغفر خطاياي؟!

من سواكم يغطّي عورة حماقاتي بورق التوت؟!

من غيركم يُزيح عن قلبي أردية الظلام، ويُلبسه بردة النور؟!

من غيركم يأخذ ذاتي ليغسلها من دَرنها تحت شلال الوفاء؟!

من لبردي سوى دفء محبتكم؟!

من لنهاراتي الثكلى سوى حسن عزاء صباحاتكم؟!

لم تتركوني للعراء لحظة، ولا لشر الطريق طرفة خطوة,

كلما ظهري انحنى سندتموه...

كلما نشف ريقي، انهمرتم في جوفي ماء زلالا،

كلما يبستُ، أصبحتم الغيث الكريم،

كلما فتح الشتاء لي باباً أغلقتموه، وفتحتم للدفء ألف باب يحتضنّي،

أثثتم سنيني بكل ما هو فخم وغالٍ وأنيق من المشاعر،

أضأتم سقفها بأجمل الثريات وأبهاها...

ملأتموها بالأشجار وأجريتم في صحاريها الأنهار، وعبّأتم في غيومها المطر!

حوّلتم فقر سنيني إلى ثراء فاحش بكم، وأحَلْتم قفارها إلى حدائق من المرجان تنمو في بقاعها...

حاصرتم شكوكي بيقينكم، وخوفي بأمانكم، وأحزاني ببهجتكم،

خضتم معي حروبي العبثية التي لا معنى لها مع الحياة، واستشهدتم نيابةً عني بها، وعقدتم الصلح المشرّف لي نيابة عني،

تمسحون على رأسي في كل يُتْم يعتريني، وتسارعون لأخذ مقلتاي لتجفّفوهما وتعيدوهما مكانهما في كل حزنٍ يصيبني،

شاركتموني كل ضحكة أطلقتها من شجر القلب في الفضاء، وساعدتم على غرس الريش في أجنحتها لتبقى محلّقة في السماء،

أصدقائي... فرِحٌ أنا بأنكم مازلتم معي في السنة الجديدة،

فرِحٌ أن العمر مازال يتدثركم...

مازال يستضيؤكم...

ومازال يرفل بكم،

كم شكرت ربي عليكم وحمدته كثيراً، كم صلّيت امتناناً لنعمته المتمثلة والمتجسّدة بكم،

أتخيّل أحيانا العمر من دونكم فأصاب بالهلع...

تشربني الوحشة من قمة رأسي حتى أخمص قدميّ،

يسري البرد في كلي بدءا من أطراف قلبي،

أشعر أني تلحّفت العراء فجأةً,

مجرد تصوّر العمر خالياً منكم يجعل الخوف يطلق ساقيه في فيافي روحي، ويتوحّش الحزن كثيراً ويتنمّر على قلبي الضعيف، ويستفرد به!

أصدقائي أينما كنتم... كل عام وأنتم بخير،

وكل عام وأنتم أصدقائي،

وكل عام والعمر ممتلئ بكم.