العلاقات الأميركية الإيرانية سوف تشكل محور اهتمام دولي وسط ترقب مثير من قبل الكثير من دول العالم، لما لهذا التطور اللافت من انعكاسات واضحة على ملفات سياسية وأمنية واستراتيجية متداخلة ومعقدة.

Ad

وكما كانت لحالة العداء التاريخية بين واشنطن وطهران تداعياتها على منظومة التحالفات والمحاور الإقليمية والدولية، فإن الصلح المرتقب من شأنه وضع قواعد جديدة للعبة بالتأكيد تغربل موازين القوة والنفوذ بسبب المقومات التي يملكها كل طرف.

إيران من جهتها نجحت في بناء تحالفات إقليمية وعالمية ذكية لم تساعدها فقط على البقاء والحفاظ على نظام الجمهورية الإسلامية رغم التحديات الصعبة التي واجهتها على مدى ثلاثة عقود، بل في تعزيز نفوذها السياسي عالمياً لتصل إلى الشرق الأدنى وإفريقيا وأميركا الجنوبية.

وإذا كانت الثورة الإسلامية أفقدت إيران أصدقاءها وحلفاءها الأوروبيين والأميركيين والإسرائيليين، وجميعهم من كبار أرستقراطيي العالم حيث المال والصناعة والتكنولوجيا، فإنها كسبت ود العديد من دول العالم الثالث وشعوبه، خصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي لتكون الأب الروحي للمستضعفين والمحرومين، وبالتأكيد كان ذلك على حساب اقتصادها المحارب ومشاكلها الداخلية وضيق مساحة الحريات العامة التي كشفتها الانتخابات الرئاسية الأخيرة، واختيار حسن روحاني كبوابة للانفتاح على العالم الغربي وإزالة عقبة العقوبات الاقتصادية والتسويق لمشروعها النووي.

وفي المقابل، فإن الولايات المتحدة تمر في أسوأ حالاتها السياسية والاقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية، فلم تعد شرطي الكون ولا فتوة العالم، وتوالت على حلولها العسكرية حالات الفشل منذ فيتنام وانتهاء بالأزمة السورية، وكما إيران فإن الشعب الأميركي كشف بدوره رفضه للسياسة الأميركية الخارجية، وكان انتخاب أوباما عام 2008 وإعادة اختياره عام 2012 رسالة واضحة على الحوار والدبلوماسية في حل المشاكل وليس في المعارك التي التهمت جنوده وأفلست ميزانيته.

الملفات التي أثقلت الكاهل الأميركي في باكستان وأفغانستان، وفي  العراق واليمن، وفي كوريا وأميركا الوسطى بقيت عالقة، وزاد الطين بلة عودة الروس كعملاق دولي جديد، كما أن الديمقراطية التي طالما نادت بها الولايات المتحدة لم تأت مخرجاتها في معظم دول العالم الثالث بصديق جديد لواشنطن إنما بخصوم وأعداء إضافيين، ويشمل ذلك نتائج الربيع العربي.

مع ذلك تبقى الولايات المتحدة قوة عالمية خارقة بثقل كبير ومقومات متنوعة وفاعلة متى تم استغلالها وفق مبدأ الشراكة والندية والسياسة الواقعية.

الحوار الإيراني الأميركي إذن، في حال نجاحه، سوف يكون مفتاحاً لحلحلة ملفات إقليمية بالجملة بعدما أغرق الطرفان نفسيهما في مشاكل وتراكمات أكبر منهما، الأمر الذي رحبت به العديد من دول العالم واعتبرته فرصة تاريخية في زمن روحاني وأوباما الذي قد لا يتكرر مرة أخرى، ولكن الملفت أن إسرائيل وبعض دول الخليج هما الطرف الوحيد المستاء من هذا المشروع الجديد، وإذا فهمنا العلة الرئيسة عند إسرائيل باعتبارها الطفل الأميركي المدلل، فما أسباب انزعاج الخليجيين؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه في مقال قادم بإذن الله.