غير معروف وغير مفهوم على وجه التحديد لماذا كانت هناك تلك الدعوة المفاجئة إلى قمة عربية "مصغرة" بخصوص المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية مادامت حركتا "فتح" و"حماس" متفقتين على النقطتين الرئيسيتين في هذه العملية "الماراثونية"، ومادام الطرفان المختلفان يؤكدان اتفاقهما وفقاً للقاء الدوحة وللقاء القاهرة أولاً على تشكيل الحكومة الانتقالية التي من المفترض أن تشرف على عملية التوحيد ورأب الصدع، وثانياً على الانتخابات التي ستُجرى خلال ثلاثة أشهر، كما قال الرئيس محمود عباس (أبومازن).

Ad

في اجتماع لمجلس أمناء ياسر عرفات (أبوعمار) كان قد انعقد في مقر الجامعة العربية قبل نحو أربعة أسابيع، أكد كل من عزام الأحمد رئيس الفريق المفاوض من قبل حركة "فتح"، وموسى أبومرزوق رئيس الفريق المفاوض عن حركة "حماس"، أن عملية "التوحيد" تُجرى بدون أي منغِّصات، وأنه لا توجد أمور خلافية أساسية، وأن الحكومة الانتقالية الآنفة سيجري تشكيلها قريباً برئاسة "أبومازن" كما تقرر في اتفاق الدوحة، وأن الانتخابات المنشودة ستجرى في الفترة الزمنية التي تم تحديدها في هذا الاتفاق المشار إليه.

إذن ما دامت الأمور جارية بدون أي عوائق لإنجاز ما تم الاتفاق عليه في الدوحة وفي القاهرة، فلماذا يا ترى وما هو المبرر لانعقاد قمة مصغرة هناك شكوك حقيقية تصل إلى حدود اليقين بعدم إمكانية عقدها؟

في تصريحات أدلى بها قبل يومين، قال محمود عباس "أبومازن" الذي أكد أنه لن يحضر قمة تشارك فيها "حماس": "إن لجنة الانتخابات قد أنهت عملها تقريباً، وبالتالي فإنه ليس هناك ضرورة لا التعطيل ولا لإجراءات جديدة أو الذهاب في ممرات وعرة حتى تتم المصالحة... ومن أراد تحقيق المصالحة فإن آلياتها معروفة... والحكومة ستكون جاهزة في اليوم ذاته الذي سنعلن فيه مرسوم الانتخابات... إن الحكومة والانتخابات أمران متلازمان... ثم إنني أؤكد أنه إذا تمت دعوتنا إلى أي قمة فإننا سنذهب لأننا نمثل الشعب الفلسطيني، وهنا فإنه يجب ألا تكون هناك أي دعوة لأحد غيرنا".

وحقيقة، فإن هذا يعني أن هذه الدعوة إلى القمة المصغرة قد ولدت ميتة، وأنها إن هي انعقدت فعلاً بحضور "حماس" فإنها ستعقد بطريقة "كاريكاتورية" حيث لن تحضرها إلا الجهة الداعية، وربما أيضاً، وهذا غير مؤكد بل هو مستبعد جداً، مصر "الإخوانية"، التي مثل هذا القرار فيها ليس للرئيس الدكتور محمد مرسي، بل للمرشد الأعلى محمد بديع الذي له السمع والطاعة، ولا قرار في مثل هذه الحالات إلا قراره.

ولهذا فإن الدعوة إلى مثل هذه القمة تثير أسئلة كثيرة، وهي تدل على أن وراء الأكمة ما وراءها، وربما أن هناك محاولة لفرض "حماس" بقوة الأمر الواقع على الحالة الفلسطينية في هذا الوقت الخطير والحساس، كما تم فرض الإخوان المسلمين على المعارضة السورية ودق إسفين الفرقة في صفوفها وبين قواها المتعددة، وذلك في الوقت الذي من المفترض أن يتم الترفع فيه عن الأنانيات، وتثمين كل الجهود في اتجاه معركة إسقاط نظام بشار الأسد والتخلص من هذا الليل الطويل الذي خيم على سورية لأربعين سنة وأكثر.

وهنا وبصراحة، فإن فرض خالد مشعل على حركة "حماس" مرة أخرى كرئيس للمكتب السياسي يدل على أن وراء الدعوة إلى قمة عربية مصغرة في القاهرة و"بمن حضر" أموراً تثير المخاوف، وتبعث على المزيد من الشكوك، وتشير إلى أن هناك من يسعى إلى شرذمة الوضع الفلسطيني وإلى تعميق الخلاف بين "فتح" وحركة المقاومة الاسلامية، وبالتالي تدمير الشرعية الفلسطينية في أصعب فترة تاريخية تمر بها هذه القضية، التي أحرزت نجاحات واعدة في الآونة الأخيرة على الساحة الدولية.