واجب أمور الديانات لابن بحر... كشف تاريخي
من أقدم المخطوطات الكويتية
«واجب أمور الديانات لابن بحر» مخطوط يعود تاريخ تأليفه إلى عام 1138هـ - 1725م، وهو جملة مختصرة من واجب أمور الديانات على مذهب الإمام مالك بن أنس، يقع في «151» صفحة من القطع المتوسط، ويعدّ أحد أقدم المخطوطات في الكويت.
«واجب أمور الديانات لابن بحر» مخطوط يعود تاريخ تأليفه إلى عام 1138هـ - 1725م، وهو جملة مختصرة من واجب أمور الديانات على مذهب الإمام مالك بن أنس، يقع في «151» صفحة من القطع المتوسط، ويعدّ أحد أقدم المخطوطات في الكويت.
حين أقام الأديب المؤرخ خالد سعود الزيد (1937 – 2001 )- رحمه الله – معرضا للمخطوطات والمطبوعات العربية الكويتية النادرة في 13 فبراير 1990 في رابطة الأدباء الكويتيين كان يطمح أن يكون المعرض نواة لمكتبة وطنية تعنى بالمخطوطات والوثائق الكويتية، بدءا من خطوط الأدباء وانتهاء بمؤلفاتهم وقصائدهم، كما تحفظ المطبوعات الكويتية النادرة، وربما شعرنا بأهمية هذه المعرض، ونبل هذا المقصد بعد الغزو الصدامي للكويت عام 1990، إذا بدد الغزو ما بدد من تراثنا الفكري والثقافي، وذهب معرض الزيد أدراج الرياح وباتت الهوية الكويتية في خطر شديد، وأحسب أن مركز البحوث والدراسات الكويتية برئاسة الأستاذ الدكتور عبدالله الغنيم قد أسهم مساهمة فعالة ومهمة في حفظ الكثير من الوثائق والمخطوطات والكتب النادرة، وطباعة ونشر بعضها لتكون علامة دالة على النشاط الثقافي والفكري للكويت منذ نشأتها عام 1613، كما جاء في رحلة ابن علوان.وظل الزيد مشغولا بحفظ التراث الفكري والثقافي والأدبي للكويت بعد الغزو إذ أخذ يفكر في معرض آخر على غرار المعرض السابق وتقديم ما تبقى لديه من مخطوطات ومطبوعات نادرة لم يعرضها في المعرض الأول للمخطوطات. وقد لفت انتباهي وجود مخطوط في مكتبته حينئذ يعود تاريخ تأليفه إلى عام 1138هـ - 1725م، وأحسب أن هذا المخطوط الذي لم ير النور حتى الآن هو من أقدم المخطوطات الكويتية التي ألفت في الكويت بيد أحد علمائها. ولم أجد أحدا قد أشار إلى هذا المخطوط من بعيد أو قريب على الرغم من قيمته التاريخية الرفيعة.
ينزع هذا المخطوط باهتمامه إلى فرع العلوم الفقهية على مذهب الإمام مالك بن أنس – رحمه الله – ويدخل ضمن اهتمام علماء الكويت الأوائل الذين شغلوا بنسخ بعض الأصول التراثية والفقهية خاصة، كما يذكر د. خليفة الوقيان في كتابه القيم الثقافة في الكويت.وصف المخطوطلا يحمل المخطوط اسما أو عنوانا، بل جملة مختصرة «من واجب أمور الديانات» على مذهب الإمام مالك بن أنس، يقع في (151) صفحة من القطع المتوسط قياس 15× 20سم، كُتِب كله بالمداد الأسود عدا عناوين الأبواب فقد خطت بالمداد الأحمر.جاء في بدايته: «... فإنك سألتني أن أكتب لك جملة مختصرة من واجب أمور الديانات مما تنطق به الألسنة، وتعتقده القلوب، وتعمله الجوارح، وما يتصل بالواجب من ذلك من السنن من موكدها ونوافلها ورغايبها وشيء من الآداب منها. وجمل من أصول الفقه وفنونه على مذهب الإمام مالك بن أنس – رحمه الله – وطريقته مع ما سهل سبيل ما أشكل من ذلك من تفسير الراسخين وبيان المتفقهين لما رغبت فيه من تعليم ذلك للوالدين كما تعلمهم حروف القرآن ليسبق إلى قلوبهم من فهم دين الله عز وجل وشرايعه ما ترجى لهم بركته وتحمد لهم عاقبته، فأجبتك إلى ذلك لما رجوت لنفسي ولك من ثواب من علم دين الله أو دعا إليه، واعلم أن خير القلوب أوعاها للخير، وأرجا القلوب للخير ما لم يسبق الشر إليه، وأولى ماعُنِي به الناصحون ورغب في أجره الراغبون ايصال الخير إلى قلوب أولاد المؤمنين...».وكان أول أبواب المخطوط بعنوان: باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات. وآخر باب فيه بعنوان: يخرج من تركة (الميراث)، وفي آخر الكتاب كتب المصنف: «وكان الفراغ من هذا الكتاب ضحى يوم الأربعا نهار ثمان وعشرين من شهر شوال 1138 ألف ومائة وثمانيا وثلاثين من الهجرة النبوية على مهاجرها أفضل الصلاة وأكمل السلام، على يد أفقر عباد الله وأحوجهم إلى رحمة الله، العبد الفقير الذليل الحقير المعترف بالتقصير الراجي عفو ربه القدير عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر عفا الله عنه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم». ثم ذيل الصفحة ببيتين من الشعر يحملان الدعاء له، ووضع كل بيت على نحو مائل من جانبي الصفحة: يقيم الخط في القرطاس دهرا وصاحبه رميم في الترابألا ياليت من يقرأ كتابي دعا لي بالخلاص من العذابِوالبيتان من الأبيات المشهورة عند العمانيين قديما، إذ يحرص العمانيون على تذييل كل رسالة أو مخطوط بها، أو كتابتها على جدران مجالسهم وبيوتهم بجانب أسمائهم «كما يقول الأستاذ أحمد الرحبي».ثم كُتِب على جانب الصفحة الأخيرة من اليسار العبارة التالية: «في ملك شيخ علي بن سعيد بن بحر».فمن هو عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر مؤلف هذا المخطوط ؟يرتبط اسم مؤلف هذا المخطوط ارتباطا وثيقا بمسجد ابن بحر الذي يعتبر من أقدم ثلاثة مساجد في الكويت لا يعرف الأقدم منها على التحقيق، وهي: مسجد آل خليفة، ومسجد ابن بحر، ومسجد العدساني. (الشيخ عبدالعزيز الرشيد، تاريخ الكويت 1928م،ج2/19) وقد رجح الحاتم في كتابه «من هنا بدأت الكويت» أن يكون مسجد ابن بحر هو الأقدم بناء على ما استنتجه من حجه شرعية نصها: «إن مسجد ابن بحر» جدد بناءه «عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر بن خميس بن ثاني بن خميس بن وسيط بن معن» سنة 1158هـ (1745م) وذلك أن تحصل من قاضي الكويت (...) على الإذن ببيع دار كانت موقفة على ذلك المسجد المذكور. ولما ثبت لدى القاضي خراب المسجد وخطورة تهدمه على المصلين، أذن ببيع تلك الدار ليصرف ثمنها على تعمير المسجد فبيعت الدار بثلاثين قرشا. «والقرش في ذلك الوقت يساوي مئة فلس من العملة الكويتية». (من هنا بدأت الكويت 1980، ص 14).فمن خلال هذه الحجة يتبين أن مؤلف المخطوط هو نفسه الذي جدد بناء مسجد ابن بحر في عام 1745. وهو ما يؤكد انشغاله واشتغاله بالعلوم الفقهية والخيرية إذ تحدر من أسرة علم وورع وتقى، تهتم بما يصلح به الناس أمور دينهم ودنياهم، وتؤمن أن إعمار مساجد الله من أشرف الأعمال وأجلها وأثوبها. * ناقد وأكاديمي من الكويت