معالجة الصين لملف كوريا الشمالية يكسبها الاحترام
اعتباراً من اليوم، يمكن أن يضع الصينيون حداً للمهزلة الكبرى المتمثلة بنظام كوريا الشمالية ويمكن أن يمهدوا، بالتعاون مع الولايات المتحدة، لإعادة توحيد شبه الجزيرة الكورية.
تسلم شي جين بينغ، رئيس الصين الجديد، السلطة وقام برحلته الخارجية الأولى وأعاد تقديم زوجته (الأنيقة) أمام الرأي العام. اليوم، على الطريقة المغايرة والبسيطة التي تحدث فيها مثل هذه الأمور في الصين، ها هو يطلق حملته السياسية. هذا الأسبوع، شرحت افتتاحية في "صحيفة الشعب اليومية" كيف سيسعى الحزب الشيوعي، تحت قيادته، إلى تحقيق "الحلم الصيني" بهدف "ضمان الازدهار الوطني وإعادة تنشيط الوطن وتحقيق سعادة شعبه". تعالى صدى عبارة "الحلم الصيني" في جميع وسائل الإعلام الصينية وهي تَرِد في خطابات السياسيين والمحاكاة الساخرة على الإنترنت. (كانت عبارة "الحلم الصيني اختنق من الدخان والضباب" العنوان الرئيسي لتعليق نُشر في مدونة معنيّة بالتلوث في بكين).قد يتبين أن الشعار هو في الحقيقة فارغ المضمون: في النهاية، لا يزال جوهر "الحلم الصيني" (أي طبيعته وطريقة تحقيقه) مبهماً. ربما يتعلق بمكافحة الفساد. لكن الأمر المؤكد هو أنه يهدف إلى حشد الدعم للحزب الشيوعي الذي يزداد بُعداً عن الشعب ويركز على النخبة. لكن وفق "صحيفة الشعب اليومية"، يشمل تحقيق "الحلم الصيني" أيضاً محو آثار "الإهانة" التي واجهتها الصين فترة طويلة على يد القوى الخارجية. يبدو أن شي يدعو إلى تجديد الحس الوطني وربما أكثر من ذلك: لا ينطبق شعار "التجديد" على الوطن حصراً بل يشمل أيضاً القوة العسكرية والمكانة الدولية.
إنها طموحات معقولة بنسبة كافية: الصين دولة كبيرة وهي تتحول بسرعة إلى قوة اقتصادية متنامية. من الطبيعي أن تبدأ الصين بلعب دور دولي مهم. لكن إذا كانت بكين تريد ذلك فعلاً، لماذا لا تقتنص الفرصة؟ يمكن أن يبدأ الصينيون بلعب دور دولي قيّم وبارز في المرحلة الراهنة، وسيكون ذلك الدور كفيلاً بإكساب حكومتهم الأصدقاء والمعجبين، حتى أنه قد يقلّص الوجود الأميركي في شمال آسيا مع مرور الوقت من خلال التخلص من أحد أخطر الصراعات المحتملة في المنطقة: اعتباراً من اليوم، يمكن أن يضع الصينيون حداً للمهزلة الكبرى المتمثلة في نظام كوريا الشمالية، ويمكن أن يمهدوا، بالتعاون مع الولايات المتحدة، لإعادة توحيد شبه الجزيرة الكورية.لو كان قادة الصين يريدون بكل بساطة أن يوقف نظام كوريا الشمالية إطلاق الصواريخ، فهم لا يحتاجون إلى التلاعب بخيار العقوبات. ولن يضطر الصينيون أيضاً إلى الرد على التهديدات العسكرية الشائنة من جانب كوريا الشمالية عبر استعراض قوتهم الجوية كما فعل الجيش الأميركي. بل يمكنهم أن يقطعوا بكل بساطة إمدادات الطاقة أو يوقفوا عمليات تسليم الأغذية إلى بيونغ يانغ، فالصين هي أهم جهة تزوّد البلد بهذه المنتجات. وإذا أرادوا إحداث تغيير حقيقي في نظامٍ يحتجز مئات آلاف الأشخاص من شعبه في مخيمات الاعتقال المصمَّمة على طريقة معسكرات العمل في عهد ستالين، فيمكن أن تفتح الصين حدودها الممتدة على مساحة 800 ميل مع كوريا الشمالية. ستكون العواقب التي تواجهها كوريا الشمالية نتيجة الهجرة الجماعية الناجمة عن ذلك القرار مشابهة لعواقب انهيار جدار برلين بالنسبة إلى ألمانيا الشرقية. بعض الصينيين مقتنعون بضرورة تغيير سياسة بلدهم تجاه كوريا الشمالية. في شهر فبراير، اعتبر دانغ يوين (محرر في صحيفة بارزة تابعة للحزب الشيوعي) في صحيفة "فاينانشال تايمز" أن الصين يجب أن "تتخلى عن كوريا الشمالية، وأن تأخذ زمام المبادرة" لتسهيل توحيد كوريا. افترض مراقبو الوضع الصيني أن مقالة مماثلة بقلم شخص مماثل حصلت حتماً على إذن مسؤول نافذ وربما تعكس آراء القيادة الجديدة. لكن حتى لو وافق أحد المسؤولين على هذا الموقف، فيبدو أنه لم يكن نافذاً بما يكفي: فقد تم "تعليق" عمل دانغ إلى أجل غير مسمى.من الواضح أن بعض الأفراد في المؤسسة الصينية مستعدون للتغيير على عكس الآخرين. يريد البعض في المؤسسة الصينية الحفاظ على نظام كوريا الشمالية سواء من باب الحنين لإخوتهم في السلاح أو لأنهم يظنون أنه من المفيد حتى الآن التمسك بنسخة موثوقة عنهم لمعاداة الأميركيين واليابانيين. بعبارة أخرى، لا يزال البعض في المؤسسة الصينية متعلقين بفكرة بالية عن دور الصين في العالم وعن العالم نفسه: السياسة الدولية هي لعبة "توازن بين الربح والخسارة": ما لا يفيد الإمبرياليين يكون مفيداً للصين، ويعني "الحس الوطني" إطلاق أعمال شغب ضد اليابانيين واستعمال خطاب عدائي عن الجزر في بحر الصين الجنوبي.لكن في هذه الحالة، ستصبح كوريا الشمالية بحد ذاتها بقايا حقبة نشأت في الخمسينيات ودولة وحشية جداً ومنغلقة على ذاتها لدرجة أن الدبلوماسيين الذين يزورون بيونغ يانغ يفضلون ترك هواتفهم الخليوية في البيئة الحرة والآمنة نسبياً في بكين. إذا تابعت القيادة الصينية الجديدة دعم هذا النظام (هي ساعدت على تأسيسه ودعمته لأكثر من نصف قرن)، سندرك حينها أن "الحلم الصيني" هو مجرد شعار. على صعيد آخر، إذا أرادت الصين كسب احترام أكبر، فيمكنها تحقيق ذلك عبر حل أزمة كانت فعلياً من صنع يديها.* آن أبلبوم | Anne Applebaum